حكاية ١٤

12 2 0
                                    


_ هل الحياة صُدف أم أقدار؟
_ السؤال ده كان في أخر الندوة اللي حضرتها في الجامعة، كل الناس كانت بتتناقش في إجابته ما عدا أنا، ابتسمت ورفعت إيدي وقولت: _ حياتنا مكتوبة عند ربنا من قبل ما نتولد.
رد عليا أستاذ سليم المسئول عن الندوة وقال:_أفهم من كده إنك اختارتِ إنها أقدار؟
ابتسمت وقولت:_ الحياة أقدار أه لكن إحنا بنسمي الحاجات اللي بتحصل فجأة صُدفة، يعني لما قابلت شخص بقالي فترة كبيرة مشفتوش فجأة بنقول عليها صُدفة، لكن ده قدر، ده شيء مترتب من عند ربنا من قديم الزمان، إحنا بنسميها صُدف كلغة دارجة بينا لكن في الحقيقة ده قدر وترتيب من ربنا، أنا مش بآمن بالصدف لأنها تعبير غلط أنا بآمن بالقدر لأنه هو التعبير الصحيح اللي المفروض يُطلق على الصُدف.
_ معنى كده إن قصدك إن القدر عبارة عن صُدف؟
هزيت راسي بنفي وقولت:_ أنا مش قصدي كده طبعًا، الصُدف جزء من القدر، القدر ربنا بس اللي عالم بيه، حياتنا أقدار والصُدف زى ما احنا بنسميها جزء منه، لكن أنا بحب أقول عليها قدر، لأن كل شيء مترتب عند ربنا من زمان أوي.

سكوت رهيب في الندوة بعد ما خلصت كلامي، همسات بسيطة قدرت أسمعها، أشخاص متفقة معايا، وأشخاص معارضة، وناس مش مركزة في الكلام أصلاً .
_ وجهة نظر تُحترم يا أنسة رؤى وبصراحه أقنعتيني، تفكير غريب وعميق، اتشرفت بحضورك ندوتنا النهاردة.
_ الشرف ليا يا أستاذ سليم.

من صغرى وأنا بعشق الندوات والمناقشات، من أكتر أسباب حبي لجامعتي إنها دايمًا بتعمل ندوات، أى حد عايزني في الجامعة بيدور عليا هناك، مش بحضر المحاضرات قد ما بحضر الندوات تقريبًا.
                         __________________
_ حد عارف ندوة المرة الجاية عن اى يا بنات؟
_ إنتِ مش بتزهقِ يا بنتي.
_ لا طبعًا ده كله إلا الندوات.
_ طيب أستاذ سليم قال إنها مفاجأة.
_ مفاجأة!

فضلت طول الليل بفكر هتبقى عن اى، مش بحب المفاجأت، مش بحب الإنتظار، عقلى بيتعبني من كتر التفكير والتوقعات، أنا ... أنا هنام.
                           _________________

تاني يوم كنت متحمسة أروح الجامعة أوي، كنت أول واحدة أحضر الندوة تقريبًا وده شيء مش غريب عني أبدًا.

_ ها يا شباب مستعدين لندوة انهاردة؟
هزينا راسنا وقولنا بحماس:_ أكيد.
ابتسم وبص ناحيتي وقال:_حلو جدًا، أتمنى من أنسة رؤى تتفضل هنا على الاستيدج عشان هتشارك معانا ك ليدر في الندوة انهاردة.
كلهم سقفوا وأنا بصيتله باستغراب اللي هو أنا، بصيت لريم لقتها بتغمز لي بفرحة.
قولتلها بغيظ وأنا بقوم:_منك لله يا ريم هخلص وأنزلك!
طلعت وقفت جنبه وقولت بتوتر:_أستاذ سليم هو المفروض نتكلم عن اى؟
بصلى وابتسم من غير رد على أساس إني ناقصة توتر.
قال بإبتسامة هادية بعد سكوت كام دقيقة:_ طبعًا يا شباب مفيش حد يعرف موضوع انهاردة عن اى حتى أنسة رؤى نفسها، فاحنا هنتكلم عن موضوعين انهاردة الأول عن الشخصيات الضعيفة، والتاني عن اختيارات ربنا لينا.
بص ناحيتي وقال:_ تقدري تبدأي يا أنسة رؤى.
الوضع اتقلب، بعد ما كنت بشارك برأي بس بقيت أنا اللي مسئولة عن الندوة كلها، احنا متفقناش على كدا، أنا عايزة أروح، فضلت ساكته حوالي خمس دقايق ومغمضة عيني، ربنا ألهمني بدعاء سيدنا موسى "رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي." فتحت عينى وشعور سكن احتل قلبي."
ابتسمت وقولت:_ طبعًا أكتر اللي هنا عارفني واللي مش عارفني فأنا رؤى، زميلتكم هنا في الجامعة، المعروفة بفتاة الندوات زي ما بيقولوا، الأول كده أسفة لو اتلغبطت في حاجه وأنا بتكلم لأن دي أول مرة تحصل وأبقى الليدر لندوة.
أخدت نفس وبدأت أتكلم: _ مين هنا يعتقد إن شخصيته ضعيفة؟
مسمعتش رد فغيرت السؤال:_ طب مين حابب يحكي تجربة ليه كان نفسه ياخد فيها رد فعل ومقدرش؟
مفيش حد رد تاني فقولت:_ اى يا شباب متحسسونيش إني بسأل اسئلة من المريخ.
سكوت رهيب قطعه شخص فى أخر الندوة رفع ايده وقال:_ ممكن أحكي تجربتي ؟
_ ابتسمت وهزيت راسي بتشجيع وقولت:_طبعًا ممكن تتفضل هنا لو سمحت.
اتردد لثواني وبعدين طلع وقال:_ أنا أحمد كلية علوم مش معاكم هنا يعني، شخص شغوف بالندوات جدًا، بس ده من فترة قريبة بس، أنا كنت شخص انطوائي جدًا ومازلت على فكرة بس أعتقد إني اتغيرت شويه عن زمان.
سِكت لثواني وبعدين كمل بصوت مخنوق:_أنا عشت في بيت بسيط، أب متسلط وأم لا حول لها ولا قوة، اتربيت على الخوف والسكوت، حاضر عشان خايف مش حاضر عشان حابب، طلعت بشخصية مش ضعيفة بس هي كمان  مُهمشة، حياتي كلها كانت عبارة عن خوف، خوف وبس، بخاف أقول لا، بخاف أطلب حاجه، بخاف أتعب عشان مكونش سبب في خناقة جديدة في بيتنا اللي كانت الخناقات فيه أكتر من صباح الخير، اللي كان مصبرني على الحياة دى وبيواسيني دايمًا هي أمي، دايمًا كانت تقولي أنا مليش غيرك يا ابني، إنت سندي بعد ربنا، عايزاك تفرحني وتبقى دكتور قد الدنيا.
سكت شوية وغمض عينه كأنه بيفتكر ذِكرى مؤلمة عدت عليه ودموعه نزلت وقال:_ بس لما راحت حياتي وقفت، مفيش حد وقف جنبي وفوقني إلا ربنا ولطفه بيا وكلامها اللي كان بيتردد في وداني دايمًا، نزلت اشتغلت مع دراستي لأني زى ما قولت كنت حتى بخاف أطلب أى حاجه من والدي، بس كانت فرصه حلوة وتغيير جذري في شخصيتي، اتعلمت أقول لا واتعلمت أخد حقي وأدافع عنه، بس كان كل ده بينهار قدام والدي، يمكن لأنه سبب خوفي من الأول، الحاجز اللي اتبنى بينا مش هسهل اتخطاه لوحدى أبدًا، بس أنا دلوقتي قدامكم أهو، بقى عندي الشجاعة إني أتكلم وأقول كلام زى ده، بحاول أحقق حلم والدتي وأبقى دكتور في الجامعة، ما هو مش كل الدكاترة بيبقوا خرجين كلية طب بس.
في النهاية عايز أقول إن الشخصية الضعيفة صفة مكتسبة، مفيش حد بيتولد كده، الظروف اللي حوالينا هي اللي بتبني شخصيتنا وبتأثر عليها، شكرًا وأسف لو طولت عليكم.

حكاوي رؤى وسليم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن