حكاية ١٧

8 2 0
                                    


_ يا ماما ابعديهم عني يا ماما.
بعض المسارات لا ندخل إليها طواعيةً، وإنما نُجبر على السير فيها بغيرِ إرادة منّا، يُشبه الأمر حينها من أُلقيّ في عمق المُحيط وسط حيتانه المخيفة؛ لِتُختبر قدرته على سرعة التصرف!
                              _______________

_ ماما أنا هروح الدرس.
_ ماشي يا حبيبتي  خدي بالك من نفسك.
_ حاضر ياماما سلام.
_ قولتِ الأذكار يارؤى؟
_ أه ياماما الحمدلله سلام بقى عشان متأخرة.

حياتنا حياة هادية، أنا وماما وبس، بابا متوفي من وأنا صغيرة، ملناش غير  بعض، أنا السنة دي ثانوية عامة، لسه أول يوم، أتمنى من ربنا إنها تكون سنة هادية وأخرها فرحة لماما وليا.
                             ______________

_ريم!
جريت حضنتها أول ما شوفتها وأنا بقول بفرحة:_وحشتيني أوي، رجعتِ امتى، وعاملة اي؟
صاحبة عمري، ربنا أذن إنها تسافر من سنتين ورجعت دلوقتي.
ردت عليا ببرود وقالت:_ كويسة.
استغربت طريقتها في الرد، بس ابتسمت وقولت:_ربنا يديمك بخير، يلا ندخل الدرس.
اليوم عدى على خير الحمدلله، رِجعت على البيت وأنا بدعي ربنا طول الطريق يقويني ويجعلني أكون قد المسؤلية.
دخلت البيت وأنا بنادي:_ ياقوم أتت بهجة البيت أين أنتم؟
_ تعالي يا لِمضة تعالي عاملة اي، أخبار أول يوم ثانوية اي؟
_ حلو الحمدلله ربنا يكملها على خير بقى، هدخل أغير وأصلي وأطلع أساعدك في الاكل .
_ ماشي يا حبيبة ماما.
                        _________________

الأيام بتمر، بكل وجعها وتعبها، بعياطي وخوفي، فرحي وقلقي، بكل شعور وكل لغبطة بس كنت واثقة إنها هتعدي برحمة ربنا بيا.
لما الرحلة بدأت في نهايتها، وأخر شهور السنة وأهمها هَلت، بدأت أتعب بشكل غريب، وجع مش طبيعي في جسمي، عياط متواصل، تعب عجيب في الصلاة، كوابيس غريبة، كشفت كذا مرة والدكتور قال إني كويسة، ممكن ضغط السنة اللي مش بيكون هيّن بالمرة، يكون أثر عليا بالشكل ده، أجبرت نفسي أقتنع إنه ضغط، وأنا بدعي كل يوم ربنا يفهمني سبب تعبي!

_ ماما هروح درس الفيزيا أنا بقالي كتير غايبة
قالت بقلق:_ طب إنتِ كويسة؟، لو مش كويسة بلاش.
_ أه الحمدلله متقلقيش عليا.
حضتنتي وقالت:_ طب يا حبيبتي قولي الاذكار وإنتِ ماشية وخلي آية الكرسي دايمًا في لسانك، وخدي بالك من نفسك.
_ حاضر يا ماما سلام، أستودعك الله.
روحت الدرس ورِجعت وطول طريقي للبيت كنت بتعب زيادة، مع كل خطوة بقرب فيها من ناحية بيتنا وجع جسمي ودماغي بيزيد،
قبل ما أدخل البيت لمحت واحدة جارتنا بتبصلي بضحكة غريبة أوي، الست دي مفيش حد بيرتاحلها ولا بيتعامل معاها في الشارع، ساعتها افتكرت كلام ماما، وقرأت آية الكرسي بسرعة، والغريب إن تعبي كان بيزيد أكتر وأكتر، وضحكة الست دى بتختفي ببطء شديد.
دخلت بوست راس ماما وقعدت جنبها من غير ما أتكلم.
لمست كتفي وقالت بقلق:_ إنتِ كويسة يا رؤى؟
حاولت أرد لكن صوتي مش بيطلع، هزيت راسي بنفي بتعب وأنا حاسه إن المكان كله بيلف بيا، نفسي بيروح وكأن حد خانقني، بلمس رقبتي بتعب وكأني بشيل حبل وهمي مربوط حواليها، وفجأة ظهر حواليا خيالات سودا كتير،
صرخت جامد وأنا بقول:_ ابعدوا عني، وكأني كنت بحارب حاجة مفيش حد شايفها غيري!
مع كل آية ماما كانت بتقرأها عليا كنت بصرخ أكتر، صريخ مش طبيعي، عياط غريب، خيالات سودا بتلف حواليا بسرعة كأن حد بيحاول يسحبني في دوامة سودا ملهاش أخر، وكل اللي على لساني:_ ياماما ابعديهم عني ياماما عشان خاطري!
فضلت أصرخ تقريبًا ساعة، لساني بيردد يا ربّ بصعوبة، كل ما أحاول أقرأ آية الكرسي أتعب أكتر، كأني متكتفة، صوتي بيطلع مخنوق وماما جنبي بتعيط بوجع، الشارع كله اتلم بما فيهم الست دي، ساعة ما شوفتها تعبت أكتر وهي كانت بتضحك بشماته غريبة، وقتها اتمنيت بس أخلص من الوجع دا، كان كل أملي إن ربنا يرحمني منه بأى شكل، ولأن سبحانه سميع عليم، بعتلي الحل بسرعة عجيبة!

حكاوي رؤى وسليم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن