حكاية ٢٤

12 2 2
                                    


قعد قصادي على كرسي البلكونة وقال:_ على فكرة دي مش أخلاق كُتاب أبدًا.
اتنهدت وأنا بحط فنجان القهوة على التربيزة اللي بينا وقولت:_ عايز اى يا سليم؟
_ عايز اى يا سليم! إنتِ مش كان المفروض ندخل حكاية سوا، وقولتِ أسبوع وأهو داخلين على أسبوع وزيادة أهو من غير حاجه خالص، ممكن أفهم ليه؟
عيني دمعت وقولت:_ يوم الأربعاء اللي فات اغتالوا إسماعيل هنية ووسيم أبو شعبان، والصحفي إسماعيل الغول ورامي الريفي، والحكاية كان المفروض ندخلها يوم الخميس، بس أنا وقتها حسيت إن أي حاجه بعملها مش مهمة، وكأن قلبي اتفتت من الحزن وطاقتي كلها خِلصت، أصل حكاية اى اللي أنا بفكر فيها والناس هناك بتموت!
بس لما هديت شوية وافتكرت نيتي كانت اى من الأول، وشوفت إنهم هناك برغم كل اللي بيمروا بيه ولا حد فيهم اتخلى عن ثغره، وقتها حسيت إنه لأ مينفعش أضعف كده وأتخلى عن الثغر اللي ربنا اختارني ليه بسهولة كده، بس كنت محتاجه شوية وقت أفهم فيهم أنا هعمل اى بعد كده، والحمدلله إن ربنا مش بيسيب الواحد لدماغه بجد.
مسحت دموعي اللي نِزلت وكملت وأنا بمد إيدي ناحيته بالموبايل:_ بس ولا تزعل نفسك خد شوف الحكاية اللي عليها الدور وندخلها دلوقتي سوا.
مِسك الموبايل وهو بيقول بزعل:_ ماشي بس عمومًا دي أخر حكاية.
عيني وِسعت بدهشة وقولت:_ اى ده ازاي!، طب يلا ندخلها ونأجل الوداع لما نِرجع عشان مش بحبه.
هز راسه وفتح الحكاية لكن بوابة الحكاوي مظهرتش فقولت:_ اى فين بوابة الحكاوي؟
ابتسم وقال:_ لأ ما بوابة الحكاوي مش بتظهر غير في أوضتك لأن ده المكان اللي الحكاوي بتطلع منه وبتكتبِ فيه.
ابتسمت لما سِمعت صوت جاي من الأوضة وقولت وأنا بقف وبمد له إيدي:_ طب يلا بينا عشان منضيعش ولا لحظه في أخر رِحلة لينا سوا.
دخلنا الأوضة ووقفنا قدام بوابة الحكاوي وأنا ببتسم بدموع إنها هتكون أخر مرة لكنه ضغط على إيدي وقال:_ ممكن تكون دي أخر حكاية في حكاوي النهايات المفتوحة، لكنها مش هتكون أخر حكاية لينا سوا، عشان رؤى وسليم مينفعش يوقفوا صح؟
هزيت راسي وأنا بضغط على كف إيده وببتسم وقولت:_ معاك حق، وزي ما بدايتها كانت حلوة يلا نخلي نهايتها أحلى.
الضوء الأبيض خروجه زاد من البوابة فاتسحبنا للحكاية سوا.
___________________
_ تفتكري اللي بينتحر دا، الغلط بيبقي عليه وعلى ضعفه، ولا على اللي وصلوه لكده ؟
اتكلمِت برعب:_رؤى سيبي السكينة من إيدك.
رديت عليها وأنا بضحك والسكينة عند رقبتي:_مالك خايفة كده ليه، دي مش بتوجع خالص، جاوبي بس الأول.
_ رؤى عشان خاطري سيبي السكينة وأنا هعملك اللي إنتِ عايزاه، طب بلاش عشاني، عشان سليم يا رؤى، سليم فاق ومستنيكِ.
ايدي اترعشت وصوتي اتهز:_فا..ق، فاق بجد؟
_ فاق، فاق صدقيني وعايز يشوفك.
مسكت السكينة جامد من تاني وقولت:_كدابة، كدابة مفاقش، كل مرة بتقولي كده وتضحكي عليا.
صوتها هدي وقالت:_حتى لو كدابة يا رؤى، عايزة تمشي قبل ما تشوفيه تاني، سليم مش هيموت يا رؤى، الدكتور قال إنه عدي مرحلة الخطر وهيفوق قريب، إنتِ مش واثقة في ربنا.
جسمي كله اترعش وكأني اتكهربت:_ربنا!
رميت السكينة من إيدي بسرعة وقعدت في ركن في الأوضة وأنا بحضن نفسي وبدأت أعيط وأقول:_لأ لأ أنا مش كده، أنا مش وحشة كده يا ريم، أنا مش وحشة أوي كده يا ربّ، يا ربّ أنا ضعيفة وغبية ووحشة أوي، يا ربّ سامحني، يا ربّ انتقم من اللي وصلونا لهنا، ورجعني ليك تاني يا ربّ رجعني ليك، وفقدت الوعي، مش فاكرة أي شيء غير إني فوقت علي إيد حد بتهزني، طفل جميل أوي بيقول:_اصحي يلا اصحي الدرس بدأ.
درس! درس اي، أنا كنت في المستشفي.
_ يلا بسرعة هنتأخر.
شدني من إيدي وبدأ يجري بيا في مكان كله خضرة وورد، كان مكان جميل أوي.
دخلنا مسجد هناك وكان في درس فعلاً، درس عن أدب التعامل مع وقت الإبتلاء!
مكنتش شايفه الشيخ اللي بيشرح أوي بس صوته كان حلو، كان بيشدك إنك تسمع غصب عنك، كان بيقول:_وقت الإبتلاء ساعات بتشوف نفسك مش مستعدله أوي، كأنك داخل امتحان ومش مذاكر أوي، بس هل جربت إنك تدخل إمتحان مش مستعدله وتجيب إمتياز؟
أكيد كلنا جربنا ده، مش بيبقي متوقف علي إنك مستعد أو لأ، توفيق ربنا وعنايته ليك وثقتك فيه دا الأساس.
الوقت اللي بينزل فيه الإبتلاء، دا أفضل وقت ليك، بتبقي إنت فيه في أضعف نسخة منك، فبيجي عشان يقويك، يرجعك لنقطة القوة اللي سبتها بإرادتك عشان عايز تضعف.
حربك في الدنيا دي مع نفسك ومع شيطانك ومع كل الناس اللي حواليك مش محتاج ضعف، ولا تهور، هو محتاج قوة وحكمة حتي مع أوقات الضعف.
ازعل براحتك ده حقك لكن ارضي، والحدثين لا يتنافوا أبدًا مع بعض.
اجري علي ربك وقوله يا ربّ الحقني أنا بقع، أنا بضعف، قوله ساعدني يا ربّ ومتسبنيش أبعد، اجري عليه، اجري عليه دايمًا.
_ رؤى، رؤى فوقي بالله
بدأت أفتّح وأنا حاسة إن الرؤية مشوشة:_ أنا فين، فين المسجد، فين الشيخ والطفل..
_ رؤى سمعاني، فوقي بالله عليكِ.
ريم، دي ريم أنا سامعه صوتها..
_ رؤى اصحي حقك عليا، قومي يا رؤى متسبنيش إنتِ كمان.
_ ر..ي..م
_ رؤى إنتِ فوقتي، الحمدلله يا ربّ، الحمدلله، هنادي الدكتور بسرعة
بدأت أستوعب أنا فين، وكل اللي سمعاه صوت من بعيد:_اجري عليه، اجري عليه دايمًا.
بدأت أقوم بهدوء وأفك أي حاجه في ايدي، ونفس الصوت في دماغي:_اجري عليه.. دايمًا.
دوخت وكنت هقع، بس قومت وأنا بعيط، لأ مش هقع تاني، أنا بعدت أوي، لازم أرجع لازم، دخلت اتوضيت ووقفت علي سجادة الصلاة...
_ الله أكبر..
أنا جيت تاني أهو يا ربّ، جيت وأنا طمعانة تقبلني تاني، جيت وأنا مكسوفة أوي منك علي بعدي عنك، جيت وأنا برجوك تقبل أمتك الضعيفة، بخبط علي بابك ومش همشي من عنده إلا لما تقبلني، أنا مليش غيرك، هروح فين يعني لو مقبلتنيش!
_ سمع الله لمن حمده..
_ راضية والله وإن كان قلبي زعلان، لكن وحدك تعلم إنه متغلف بالرضا، سامحني أنا أمتك الضعيفة، سامحني علي ضعفي اللي سمحتله يتحكم فيا.
_الله أكبر...
فضلت عشر دقايق ساكته مش عارفة أتكلم، دموعي بتنزل وبس، مش بقول غير يا ربّ.
قلبي بكي قبل عيني علي ضعفي، ضعفي اتمكن مني لدرجة إني مش قادرة أتكلم مع ربنا في الصلاة زي الأول، لكن كان أملي الأخير إنه يعلم ما تكن الصدور، ودا لوحده كان مطمني.
خلصت صلاة، رجوع بعد انقطاع شهرين كاملين، كأنهم كانوا عشرين سنه من شهرين بس.
قلبي هدي لكن عيني مش بتبطل تنزل دموع، قطع تفكيري دخول ريم بسرعه مع الدكتور.
قعدت جنبي وقالت:_رؤى اي اللي قومك، حقك عليا اتأخرت عليكِ.
مِسكت إيديها وقولت:_اهدي يا ريم، كنت بتكلم مع ربنا بس محصلش حاجه، حقك عليا قلقتك.
حضتنتي وفضلت تعيط:_كنت فكراكِ هتمشي إنتِ كمان، أنا أسفة والله مش هزعلك إنتِ وسليم تاني أبدًا بس متمشوش.
_ اهدي يا حبيبتي، اهدي أنا أسفة، محدش هيسيبك ويمشي تاني، مش واثقة في ربنا ولا اي.
قومي يلا اغسلي وشك عشان نروح نشوف سليم.
_ بس إنتِ تعبانه.
_ أنا زي الفل أهو، عايزة تخليني تعبانه ليه، قومي يلا.
ريم دخلت تغسل وشها والدكتور اتكلم وقال:_ أنسة رؤى حضرتك لسه تعبانه وكان عندك انهيار عصبي، مينفعش أبدًا تقومي وتشيلي الكانولا من إيدك بالشكل ده.
هزيت راسي بتفهم وقولت:_ المحلول خِلص يا دكتور متقلقش وأنا الحمدلله كويسة، أقدر أروح أزور سليم صح؟
هز راسه وقال:_ أه ينفع بس اتفضلي ارتاحي عشان أتأكد إن حضرتك كويسة.
بعد شوية وقت كان الدكتور اطمن إني كويسة وريم هديت شوية، فخدتني عشان نشوف سليم..
كان صعب عليا أشوف ملامحه الباهتة، وجسمه اللي مش بيتحرك، قوتي كلها كنت بستمدها منه، و دلوقتي الأدوار اتعكست، بقي لازم أكون أنا القوية عشان أقدر أدافع عنه وارجع حقنا، حقنا اللي اتسلب مننا لمجرد أوهام و أمراض في القلوب ملهاش أي سبب.
دخلت بوست راسه وقعدت على كرسي جنبه، مِسكت إيده وقولت بنبرة كلها رجاء:_سليم، قوم يا سليم، فوق عشان نرجع حقنا سوا، فوق عشان ريم مش عشاني، فوق يا سليم، احنا التلاتة طول عمرنا سوا، مينفعش تسيبنا دلوقتي وتمشي، إنتَ قوتنا كلها يا سليم، قوم بالله عليك.
دموعي نزلت وأنا بسرح في ذِكرى كانت بينا من كام شهر...
في مرة دخل من الشغل مخنوق، رمى مفاتيحه على الترابيزة وقعد على الركنة وهو بيحط راسه بين إيديه، خرجت من الأوضة على صوت الباب، وروحت قعدت جنبه بخضة من شكله وأنا بقول:_ فى اى يا سليم مالك، وبابا فين مجاش معاك ليه.
رفع راسه وقال:_ بابا لسه بيخلص شغل في الشركة، شوية وجاي.
_طب مالك مهموم كده ليه؟
قال بزهق:_ إنتِ عارفه المشاكل اللي عمك عاملها مع بابا من وقت الورث، مع إن كل واحد وقتها أخد حقه زي ما ربنا قال، لكن عمك ضيع كل حاجه، وازاي بقى عامر يبقى ناجح وهو لأ، فراجع يقول إنه ليه حق في الشركة وعايزه، أنا مشوفتش بجاحه كده والله، وبابا بدل ما يطرده بعد قلة الأصل اللي عملها انهارده، عايز يشغله معاه عشان أخوه وصلة الدم اللي بينهم، مش فاهم إنه كده كأنه بيسلمه رقبتنا، ما عمر شغال معانا وكأنه أخونا وأكتر لكن أبوه ده محدش يأمن ليه أصلاً.
_طب اهدي بس وحقك عليا والله، إنت عارف إن جدو موصي بابا على عمي عشان كده عمل كده، وبعدين اللهم بارك عليك إنت في ضهره أهو ومش هتسيبه وأنا معاك في أي حاجه، تِحب أجي معاك الشركة من بكره؟
هز راسه وقال:_ هو إنتِ فعلاً لازم تيجي معايا، عمك مش سهل، ومفيش حد بيفهم دماغه غيرك مش عارف ازاي، عشان كده سبحان الله بيكرهك كره العمى.
ضِحكت وأنا ببتسم بمكر وقولت:_ دي قدرات يا حبيبي بفضل الله، وبعدين حبه ليا مش فارق معايا أصلاً، كفاية إنكم معايا بس.
خرجت من الذكري على مرارة الواقع، وفاة بابا وسليم اللي في غيبوبة بقاله شهرين، مسحت دموعي وقولت:_واللهِ اللي عمري ما حلفت به كدب، لهرجع حقنا، هرجع حقنا يا سليم.
__________________

حكاوي رؤى وسليم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن