البارت الثامن ﴿ حفلة﴾

1.1K 82 7
                                    


﴿   يختار الإنسان الحياة بحثا عن الحرية ثم يستسلم للموت بحثا عن السلام ﴾

إميل سيوران
















كانت أول مرة حظرت بها حفلة في حياتي في سن الثانية عشر على ما أعتقد ، لازلت أتذكر دهشتي ذلك اليوم وإنبهاري من جمالها ، كانت حفلة عيد ميلاد إبنة عمي ،  كانوا في كل سنة يقيمون لها حفلة عيد ميلاد كبيرة ويعزمون لها جميع أفراد العائلة والجيران ، لكن أبي لم يكن يسمح لنا بالذهاب لها ، كنت أجهل السبب في ذلك الوقت ، ودائما ما كنت أتذمر و أصر على الذهاب  طمعا في أن أحظى ببعض المرح و الأهم تناول الكعك اللذيذ ، لكني الأن أيقنت سبب رفض أبي لذهابنا ، ربما لأنني  كبرت في العمر ونظجت بما يكفي لأدرك ماهية الأمور ، أدركت أن أبي كان يرفض ذهابنا لكي لايتم جرحنا وإهانتنا بسبب ملابسنا ، فمن الطبيعي أن يتأنق الجميع ويرتدي ملابس جديدة مرتبة وأنيقة و لنظف لذلك  باهظة الثمن ، فهي حفلة وعلى الجميع أن يبدوا جميلا بها  ، لكننا لم نكن نملك رفاهية  التأنق  والحصول على ملابس تناسب الحفلات بالتأكيد ، أما السبب الثاني فهو عدم إمتلاك أبي للمال لإقتناء هدايا مناسبة ، فالمال الذي سنشتري به هدايا  لإبنة عمتي  واحدة يقدمها لها أخي والأخرى أقدمها لها أنا ، يمكن أن توفر لنا وجبات غداء وعشاء لأسبوع ربما ، وهدية بسيطة الثمن لم تكن لتملأ  عيون عمي وزوجته ، فقد كانوا أشخاص ماديين ، ولم يقتصر عليهم الأمر ، بل يمكن القول أن عائلة أبي كلها  تشترك في هذه الصفة ، فتجدهم يتنافسون عن من يرتدي ثياب أثمن وأجمل أو من قد يقدم  أجمل هدية  ، أما نحن  فأنا لنا من دخول منافسة نحن لسنا بمستواها ، لكني في سني الثانية عشر كان هناك إستثناء ، فقد حظرت رفقة أخي إلى حفلتها  وأخدنا معنا هدية يمكن القول أنها بسيطة نوعا ما كانت قد أحظرتها لنا خالتي عند زيارتها لأمي إضافة لبعض الثياب الجميلة  ، حقيقتا لقد كان أمر زيارتها لنا ذلك اليوم  أمر غريب ، فلم يكن أفراد عائلة أمي قريبين منها  أو معتادين على زيارتها وتفقد أحوالها على الرغم من كون الجميع يعرف بسوء حالتها الصحية ، لكن بعد ذلك إتضح أنهم قاموا  بإقتسام ميراث جدي المتوفي و إستثنوا أمي من ذلك ، وقد أحظرت خالتي بعض الثياب. البسيطة ربما تمهيدا لإخبار أمي بذالك ، والتي كانت طيبة القلب ، ولو سألني شخص عن رأيي  فسأجيبه بأن ذلك غباء وليس بطيبة ، فالطيبة أن لا تأذي كائنا يمتلك مشاعر  وأحاسيس ، كائن  يمكنه أن يشعر بالألم  ،سواء كان بشرا أو حيوان ، لكن أن تتقبل  التعرض للظلم و أن يأخذ حقك من بين يديك ومن أقرب الناس إليك رغم معرفتهم بسوء أحوالك  لهذا سأسميه ظعفا وغباءا ، وللأسف فقد كانت أمي ضعيفة وغبية  و يألمني أن أقول أنانية ، أجل أنانية ،  لو لم تكن أنانية لفكرت بأمرنا أنا  وأخي  إضافة لأبي الذي يتعب ليل نهار من أجلنا  ،  لايكفي أن تحب شخص بقلبك وتتمنى له السعادة ، الأمان ، والراحة بينما يمكنك أن تقدم له ذلك بأفعالك ، لكن أمي لم تفعل وأختارت أن تلعب دور الضحية وتعيش في راحة ضمير وشقاء دائم في الجسد والروح والحياة
كانت حفلتا كبيرة وجميلة مزينة بزينة يغلب عليها اللون الوردي والبوالين في كل مكان  ،  المعزومون يرتدون ثياب جميلة وأنيقة  ، توجد الكثير من الحلوى والأهم من ذلك هي   الكعكة ، كانت كعكة الميلاد كبيرة بطبقتين و مزينة بشخصية باربي وكتب عليها إسم إبنة عمي ،  لقد كدت أبكي عندما رأيتها وشعرت ببعض الغيرة الطفولية لا المؤدية ، فقط غيرة لإمتلاك طفلة مثلي معظم أمنياتي التي من المستحيل أن أمتلكها يوما .

disorder Where stories live. Discover now