(قسوَة أب) 14

287 16 5
                                    

يقولون أن البدايات دائمًا ما تكون رائعة، لكن بداية هذا اليوم مختلفه بشدة، فقد إستيقظت على صوت رنين هاتفها، بإسم والدها، ردت عليه وبداخلها رهبة لا تعلم سببها، قال بعض الكلمات التي جعلت قلبها يبكي، جعلتها تتذكر كل ما فعل بها طوال تلك السنين، لا احد يعلم عن تلك المعاناة شيء سِواها، هي فقط مَن عاشت، وشعرت بتلك اللحظات، نهضت من مكانها بهدوء، وإرتدت إحدى ملابسها من اللون الأسود، أدت صلاة الصباح، وإرتدت حجاب أسود، وهذا ليس من عادتها فهي لم ترتدِ الحجاب سِوى عند الصلاة لكن اليوم هو أول مرة تخرج به، فقد عزمت أن تتجمل بالحجاب، وتؤدي فريضتها، خرجت من الغرفة بثبات، قابلها يوسف نظرت له مطولًا كانت نظراتها له غريبة، وأكملت طريقها دون أن تتفوه بكلمة واحده، خرجت لوجهتها المعتاده، في مكان خالي عند نهر النيل، لا يمر أحد من هناك مطلقًا، جلست وبداخلها حزن فائض، هبطت دمعة واحده، كانت كالجمرة، وكأنها تحرق روحها، وبدأت عيناها تُمطر بشدة حتى أنهت مخزون دموعها، وقد حان وقت الحديث،

تفوهت ببعض الكلمات قائلة:

_ أنا عارفه إن بعد العسر يسر، بس انا حياتي كلها مفيهاش حاجه حلوه، طول عمري مع بابا، الي عايش علشان يأذيني وبس، أنا ذنبي ايه إن هي خانته وماتت قبل م ينتقم منها؟ أنا ذنبي ايه؟

انا بكرهها وبكرهه، قولت خلاص يوسف هيعوضني، بس لا هو هيبقى زي بابا، وهيعيشني في جحيم، مفيش حد كويس، كلهم زيه، يااارب خدني عندك يارب انا خلاص مش قادره استحمل اكتر من كده.

قالتها وصمتت وكأنها تنتظر الرد الإلهي، ولم يأتِها رد، لكن سمعت أحدهم يجلس بجانبها كان رجلًا قد بلغ من الكِبر الكثير، وجهه مجعد، وعلى وجهه إبتسامة بشوشه نظر لها وقال:

_ العياط مبيجبش نتيجه هو بس وسيله لزيادة الحزن، قومي يا بنتي واجهي متبقيش ضعيفه.

غادرها بعد أن تفوه بتلك الكلمات.

فنهضت من مجلسها، مسحت عبراتها، وجهتها معروفة، وجهتها للرجل الذي جعل حياتها جحيم.

وصلت لمنزله، طرقت الباب، ففتح لها ونظر لها بسخرية فقالت:

_ انت عايز مني ايه؟

_ مش عايز حاجه عايزك تموتي يمكن ناري تهدى.

_ هو أنا اللي ولعت النار دي؟

فقال متجاهلًا حديثها:

_ أمك، خانتني، الله اعلم انتِ بنتي ولا لا مش يمكن بنت حرام.

نظرت له بحزن وقالت:

_ انت عمرك م كنت أبويا، أنا اتخنقت منك، بكرهك.

انفجر ضاحكًا وقال:

_ يعني أنا اللي بحبك؟

وأكمل بحقد:

_ بقولك ايه متفكريش نفسك حاجه، دا انتِ بنت زينب، فوقي لنفسك، عمرك م هتكوني حاجه، والواد الي مفكره أنه حاميكي ده مش هيستحمل كل الأمراض النفسيه الي عندك، أنتِ بقيتي مجنونه، وانا السبب يا نجاة، تعرفي؟ أنا مبسوط اوي للوحه البشعه الي قدامي دي، أنا الي شكلتها وانا الي لونتها بالإسود، أنا اللي خليتك مجنونه، خلاص فاضل اللمسه الأخيره علشان اللوحه الجميله دي تكمل.

علِّمني كيف أكون : Teach me how to beحيث تعيش القصص. اكتشف الآن