لكني فضلت التحديق بوجوههم وبصمت، حتى انسحبوا واسن تلو الآخر بهدوء، والبعض يتمتم كلمات خشبية الموت وربما لأن بشر
يقرب أجله لهذا هو يخافه... بعد أن خلت المقاعد من المعزين وقد كنت أرقبها واحداً تلو الآخر وكأني أقتلعهم منها، لم يتبق سوى الأنوار المعلقة التي استأجرها ما. بالساحة القريبة من منزلنا، والأغطية الحمراء وصوت القارئ الذي بتلو آيات من القرآن ليكتب أجرها لوالدتي ولتقشعر جلود الحاضرين معها، وأنا كنت بعيداً عن هذا كله لقد كنت أقاوم النعاس تلك الله التي لم أتذوقها منذ فترة طويلة، جسد مثقل وأرجل تجر بعضها بعضاً وبيد ثقيلة أيضاً كتبت رسالة للجميع بنصف عين مفتوحة والأخرى . مغمضة وكأن ضوءاً مسلط عليها لكنه النعاس، اعتذرت عن استقبال
العزاء بالأيام القادمة نظراً لظروفي الصحية، وهذا خبر مؤسف لمن يخاف الموت، فالقليل يموت بحبنا هذا فشبح الموت صار عاطلاً رغم بكل ليلة.
أنه يقف على رؤوسهم أريد أن أنام، لم يحدث أن شعرت بتلك الرغبة الملحة بالنوم - لقد زرت مؤخراً كل الأطباء بمنطقتي وتواصلت بمن هم خارجها . أسألهم عن حل لما أعاني منه من الأرق الذي كاد أن يفتك بي، حتى . المرة
أنتي بدأت أصدق أكاذيب العطار الذي جعلني أتذوق كل الأعشاب . والحارقة والمسمومة أيضاً بحجة أنها ستجعلني أنام، كنت اريد
ساعتين متواصلتين لا أكثر، أريد نوماً دون كابوس يقتلع رأسي ودون حرب أراها أمامي وأقزام يتقافزون فوق رأسي وهلوسات لا تنتهي، أشعر أني أحمل السقف فوق رأسي، لقد تخدرت أطرافي وضعفت ام قواي، فهل يعقل أنني أفوت هذه الفرصة الملحة التي أنت لي بالنوم ! لم أسدل ستائر غرفتي الغليظة والتي تحجب الشمس وإن كانت تشرق من خلف سريري، لم أطفئ أي منبه يمكن أن يقطع غفوتي، كنت أشتم رائحة أحلامي قبل أن أغفو، وحتى لم ألقم كلبة جارتنا العجوز حجراً لتكف عن النباح تحت نافذتي مثلما أفعل في كل مرة أحاول فيها النوم، لم تتوقف عن النباح منذ ليلة الأمس وكأنها تشتم
رائحة موت أمي بأطراف ثوبي، أريد أن أنام فقط .
تمددت على سريري بالعرض وتركت أطراف أقدامي تتدلى خارجه لقد كانت تلك اللحظة التي أقاتل وربما أقتل من أجلها.
سمعت صوت شخيري شعرت باتساع فمي وهو مفتوح واللعاب الذي يلتصق على وجهي حينها، كنت نائماً كأسير حرب سمح له بأخذ غفوة بعد رحلة شقاء وتعذيب، كطفل مشرد عاني لأيام من الجوع وأخيراً امتلأت معدته ونام، كغريب وصل لبلاد
وضاع بها، وأخيراً وجد خارطته واستدل على طريقه ونام....
تمت ثلاثة أيام متتالية، ثلاثة أيام أشرقت شمس بها وغربت دون أن أشعر بهذا، لقد وجدت رسائل كثيرة تقدم واجب العزاء ولكن لم
أجد سوى اتصالات من . صديقي سام، لقد نمت يوم الأحد واليوم عندما ت واليوم هو مساء الثلاثاء.. كل ما أشعر به هو وجع بجسدي أكتافي ورقبني - وأطراف أصابعي، يشبه ذاك الوجع . ا تكون مستلقياً على أرض . عشية خضراء مستمتعاً وأنت تنظر للسماء لكن جسدك غير معتاد على -
هذا فيشكو وجعاً ويذكرك بالألم لتتذكر حماقة وجودك البشري.
لا أعرف هل كنت أتقلب خلال نومي ؟ هل أنهض لأقضي حاجتي - كما كنت أفعل كل مرة بعد كل نصف ساعة أنام بها، هل قمت مفزوعاً . من كابوس أصرخ اهل رأيت حلماً مثل ذاك الحلم الأسود الذي
اعتدت رؤيته ؟
لا أعرف لقد كان حلماً أبيض تماماً لا شيء فيه، لا أناس لا أصوات
لا حياة ولا عوالم أخرى...
لقد صحوت وكأني قادم من أرض تشبه الجنة لقد كنت منعماً،
عرفت ماذا يعني أن تكون بحاجة لنوم كهذا، أود أن أدفع كل ما أملك
من أجل هذه الليالي التي مضت، ثم إني قمت جائعاً بشهية مفتوحة
ونفسية مرتاحة، أكلت من بقايا أكل محفوظ مبرد وشربت الكثير من
القهوة، تناولت عدداً من قطع الشكولاتة التي كانت تحبها أمي قبل أن
نصاب بالسكر وتحرم منها .
لم أشعر بتأنيب الضمير للحظة على موتها، حتى أني دخلت غرفتها من أدويتها وأسطوانة الأكسجين الكبيرة ورتبت سريرها وتخلصت .
ذات الرائحة القاتلة، كل هذا ولم يرجف لي جفن، كنت فقط أشعر بخفقان نشوة وحماس لا أعرف ما سر ارتباطه بما حصل، لقد كان قلبي يرقص فرحاً وكأنه يغني أغنيته المفضلة للتو على وقع خفقاته... لقد كانت أمي معذبة بحياتها ما بين ألم فقد والدي وذكراه التي أوجعتها وحتى وفاته التي لم تصدقها لأنها لم تستلم جثمانه ولم تدفنه، عاشت ما بين ترقب وانتظار وما بين مرضها وممرات المستشفيات التي تقضي بها ساعات طويلة قبل أن نجد لها سريراً فارغاً تنام عليه أسابيع
خرى لتعود للمنزل وتنتكس من جديد... لقد عجلت فقط براحتها الأبدية، أنا لا أشعر بالذنب مطلقاً لقد نت بحاجة لهذه الموتة...
أنت تقرأ
العَوسَج
Horrorالعَوسَج اسمي جبران في العقد الرابع من العمر، لا شيء يستحق أن أذكره عني، ولا سيرة جديرة أسردها عن نفسي شخص عادي لكنه ولد بلعنة تسكنه. أشعر أن هناك سفاحًا بداخلي، يتمدد داخل جوفي، يشتهي القتل ولا ينام كثيرا، ودائما ما يعاقبني بالأرق أنت لا تدرك ماذا...