3

4.3K 207 9
                                    

الحقيقة

لم يختلف شكلها كثيرا عن آخر مرة رآها فيها الحكيم، وبرغم ذلك كان يشعر وهو يحدق إلى وجهها بأنه يقف أمام إنسان مختلف

تقدمت سرابي في غرفة السجن حتى لم يعد يفصلها عن القفص سوى أشبار قليلة، حدقت نحو عاصف وقد استطاعت رغم قلة الإضاءة أن تقرأ في عينيه السؤال الذي قطع كل هذه المسافة لأجله.

قالت كما لو أنها لا تريده أن يلقي عليها ذلك السؤال: إنهم قادمون للتحقيق معكما.
تقدم عاصف حتى وقف أمامها ولم يعد يفصله عنها غير القضبان

الحديدية للقفص:

- أحقا ما يُقال عنك ؟!

قالت متجاهلة:

- سوف يأمرون بقتلكما لمحاولتكما اقتحام بوابة المملكة.

لم يكن يكترث تلك اللحظة بشيء غير أن يسألها السؤال الذي تكبد

عناء هذه المغامرة الخطيرة لأجله:

- هل وافقت على الزواج من الشيطان المملوك ؟

عادت للتجاهل مرة أخرى:

- سأحرركما من هنا، فتغادران إلى الأبد.

- هل وافقت على الزواج من الشيطان المملوك ؟

- سوف يأتون في أي لحظة.

عاصف وهو يركز نظراته الحادة الغاضبة نحوها ويكرر سؤاله للمرة الرابعه:

- هل وافقت على الزواج من الشيطان المملوك ؟!

فتحت لهما باب القفص وقالت :

- يجب أن تهربا من هنا قبل وصولهم.

لم يتحرك عاصف من مكانه وظل ثابتًا يواصل تحديقه إليها.

قال الحكيم:

لقد قطعنا مشوارًا طويلًا للوصول إليكِ يا سرابي .. لقد كاد بعضنا

أن يموت أثناء الطريق .. فإذا كانت هذه التضحية لا تعني لك شيئًا،

فإنني أسألك بحق الصداقة القديمة التي جمعتنا يوما أن تخبرينا بالحقيقة؛

فلا شيء غيرها سيجعلنا نرحل من هنا.

- فإذا أخبرتكما بالحقيقة ؟! - نعدك بأن نرحل

قالت:

- نعم لقد وافقت.
كان يستقبل طعنة في ظهره من أكثر الأركان التي كان يعتقد بأنها آمنة هكذا أحس عاصف وهو يسمعها تقول ( نعم لقد وافقت ) .. إنها الآن لم تعد زوجته؛ فالرابط المقدس الذي كان يجمعهما قد أسقط منذ اللحظة

التي وافقت فيها سرابي على الزواج من ذلك الشيطان.
**
صمت ولم يقل شيئًا ؛

ذلك أن خيبته كانت أكبر من أن تستطيع الكلمات وصفها.

قال الحكيم يسألها بناءً على ما يعرفه عن الشياطين المملوكة: - لقد كانت تكفيك مع ذلك الشيطان ليلة واحدة فقط حتى تحرريه من قيوده ويقوم هو بتهريبك من السجن؛ فلماذا لم تعودي إلينا طوال هذه

المدة واخترت البقاء في الأسفل ؟!!

في تلك اللحظة سمعوا صوت عجلات عربة ما تتوقف خارج مبنى

الصفد، قالت سرابي وقد أدركت اقتراب الخطر : - يبدو أنهم جاؤوا للتحقيق معكما.
ثم مدت يديها من بين القضبان وأمسكت وجه عاصف، قرأت عليه بعض التعاويذ ونفثت في وجهه شيئًا من طلاسمها، فاختفت من عليه كل

الجروح وطابت منه الكدمات:

- يجب أن ترحلا من هنا بسرعة قبل وصول الأمراء.

لم يتزحزح أحد منهما من مكانه؛ فقالت تذكرهما :

- لقد قطعتما لي وعدًا بالرحيل، إن أخبرتكما بالحقيقة.

خرج عاصف والحكيم من باب القفص ولكنهما قبل أن يهربا من مبنى الصفد ويستعينا بطائر العنقاء إكليل ليقودهما نحو طريق الخروج من تلك

المملكة قالت سرابي:

- عاصف.

وبالرغم من كل شيء إلا أنها كانت ما تزال قادرة على أن تستدعي

الربيع إلى قلبه بمجرد أن تنطق اسمه.

نظر إليها،

فصمتت وكأن قلبها يتردد بين الاعتراف أو الصمت.

قالت أخيرا:

- أنا غيمتك الممطرة عندما تجف كل بحور الأرض ويهلك جميع

من في العالم عطشا.⁷

كاد أن يقول شيئًا ولكن خطوات الأمراء الذين جاؤوا للتحقيق معهما كانت قد اقتربت كثيرًا من غرفة السجن؛ فكان عليه أن يحمل الحكيم

بين يديه ويهرب بسرعة، ولكنه تمهل قليلا:

- وأنت ماذا ستفعلين ؟

- سأهرب أيضًا؛ فأولئك الأمراء يجب ألا يروني هنا.

- كوني حذرة

قال ذلك ثم غادر بالحكيم من هناك

بينما ظلت سرابي مكانها.
**
فتح الأمراء باب السجن فجأة فوجدوا أمامهم سرابي. تقدم أحد الأمراء نحوها وهو ينظر إليها بعينيه الحادة مثل السم حتى

إذا وصل إليها قال يسألها :

- هل سار كل شيء حسب الخطة ؟

⁷" اعتادت سرابي في الماضي أن تقول لعاصف هذه الجملة عندما كانت زوجته."

السجيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن