5

4.2K 214 29
                                    

السجيل

أما بالنسبة لعاصف:

فقد كان يرى تحالفاته تهزم أمام عينيه،

ومملكة أبابيل في طريقها إلى أن تصبح مستباحة للأعداء،

لقد فقد في حياته الكثير من الأعزاء إلى قلبه والدته، ووالده، ابنته وجده جبار الأباطرة صديقه أيوب، برقاء، وأوس، والآن في طريقه إلى أن يفقد الشمالي.

كانت تلك الخسارات تفوق طاقته؛ فرفع إلى السماء رأسه وبكى مثل ما بكت روحه يوم فراق والدته - جومانا ابنة جبار الأباطرة - وبينما هو

بكل ذلك الضعف وقلة الحيلة إذ حدث أمر غريب:

لقد بدأ هنالك دخان أبيض يتصاعد من جسده، كما لو أن جسده كان يغلي لفرط الاحتراق والغضب، وأحس بأن هنالك نارًا جهنمية

حارقة تطبخ قلبه . ثم فجأة انبعثت من صدره هالة سوداء غريبة توجهت مباشرة نحو طائر العنقاء إكليل الذي كان يحوم بالقرب منه وقامت بسحبه إلى الداخل ( داخل جوف عاصف ( ليندمج الاثنان في جسد واحد.

اتسعت عينا كوبرا أفعى الجن لفرط الدهشة وهي تراقب اندماج عاصف مع إكليل؛ فيما يُعرف في الأساطير القديمة بطور خاص من القوة يسمى بطور ( السجيل ) ذلك الطور الذي لم ينجح في الوصول إليه غير

القليل من الأشخاص عبر كامل تاريخ الأرض القديمة.
نمض عاصف وقد ازداد طوله وتمزقت ملابسه جراء التضخم الذي حصلت عليه عضلات جسده، وانبثق من ظهره جناحان رهیفان طويلان يشبهان في هيبتهما سعاف النخيل الطويلة. ويقسم عالم است

تساءل غياث بدهشة: من أنت ؟!

- أنا حجارة من طين، طبخت بنار جهنم.

قال ذلك ثم اختفى.

**

وبالرغم من مهارة غياث العالية إلا أنه لم يستطع أن يُحدد مكانه

أو يتنبأ بحركته القادمة.

حين ظهر عاصف بعد قليل كان يقف مباشرة أمامه .. وسدد إليه لكمة لفرط قوتها كسرت أحد أضلاعه وقذفته إلى الوراء أمتارا طويلة.

ورغم الألم الذي أصابه جراء انكسار ضلعه إلا أن غياث ابتسم وهو تنهض من سقوطه ويقول: ( الآن يصبح القتال ممتعا ) ثم التحم الاثنان

لي صراع عنيف.
**
من بين الجثث الملقاة أرضًا،

وبكامل يقظته وحذره من أن يداس عن طريق الخطأ، جعل الحكيم يركض بكل سرعته متجها نحو الجسد الممدد أرضًا قال

وهو يصل إلى وجهته:

- أيها الشمالي، هل تسمعني ؟!! لم يجب الشمالي ... فوضع الحكيم أذنه على صدره وأصاخ السمع محاولا الاستماع إلى صوت نبضات قلبه .. ولكن قلبه كان متوقفًا عن الحركة بسبب النقص الطويل للهواء الذي تعرض إليه.

أخذ الحكيم يقفز فوق صدره محاولا الضغط عليه وبالتالي تحفيز قلبه للرجوع إلى العمل، ولكن وزنه الخفيف كان يمنعه من إحداث التأثير

المطلوب:

- أرجوك لا تمت أرجوك لا تمت أيها الشمالي !!!! وبينما هو يواصل ترديد تلك العبارة باكيا، إذ جاءه صوت من الخلف

يقول:

- لا تقلق، لن يموت.
التفت الحكيم إلى مصدر الصوت

وحين رآها - رأى سرابي - نسي أحقاده عليها وقال يتوسلها:

- أرجوك أنقذيه !!

تقدمت سرابي حتى إذا وصلت إليه شابكت يديها وضغطت بهما على صدره عدة مرات بقوة ولكن بلا فائدة؛ الأمر الذي جعل الحكيم يقترح

عليها:

- اعطيه قبلة الحياة !! انحنت سرابي ووضعت شفتيها على شفتيه ثم نفخت في فمه عدة مرات وهي تلقي عليه بعض تعاويذ الشفاء حتى عاد قلبه للعمل.

نهضت من هناك ثم قالت تمازح الحكيم وهي تستعد للمغادرة:

- لا تخبر عاصف بأمر هذه القبلة.

الحكيم وهو يمسح دموع الفرح من عينيه ويقول: - لم يبق رجل في الأرض السفلية إلا ووافقت على الزواج منه يا سرابي، صدقيني حتى وإن عرف عاصف بأمر هذه القبلة فإن هذا لن يشكل فارقًا لديه.

ابتسمت سرابي لكلامه وهمت بالمغادرة.

قال يسألها قبل أن تبتعد من هناك قبل أيام جئت وكنت قد خططت للقضاء علينا؛ فلماذا تنقذين

الشمالي الآن ؟!

" كانت تريد إيقاف الحرب حتى تضمن مستقبلا أفضل لطفلها غريد، ولجميع الأرواح البريئة في العالم؛ كانت تريد فرض السلام على العالمين حتى وإن كان ذلك سيكلفها قتل

عاصف ومن معه "

قالت تخبره بالحقيقة:

كنت أريد منع قيام هذه الحرب .. أما الآن وقد اندلعت فلم يعد

هنالك سبب يجعلني راغبة في التخلص من أحدكم.

هز الحكيم رأسه متفهما وقال:

- شكرا لك.

ابتسمت سرابي وهي تنظر إليه،

بادلها ابتسامة صافية بلهاء وقال يسألها:

- ما بك ؟!

- لقد أخبرني عاصف عن سر اللباس الأسود.

عبس وجه الحكيم واختفت عن وجهه الابتسامة، قال ساخطاً وهو يضرب الأرض بقدمه وقد أغضبه أن يكشف سره

أمامها :

كنت أعلم أن ذلك المعتوه سيفضح أمري.

- لا داعي لأن تغضب عليه، كنت سأعرف بدون أن يُخبرني حتى.

- كيف ؟

قالت مبتسمة قبل أن تختفي - انظر إلى بنطالك، إنه يبدو ثقيلا لفرط ما أصابه من البلل.

السجيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن