الوداع
استمر القتال بين غياث الذي يعد أحد جبابرة الأرض التسعة وعاصف الذي كان قد اندمج مع طائر العنقاء إكليل وتحول إلى طور
التسجيل الأسطوري.
كان نزالهما يهز الجبال القريبة من أرض المعركة، وقد تسبب في أن يجعل الكثير من الجنود يتوقفون عن القتال لمشاهدة ذلك الصراع الذي
لم يسبق لهم أن شاهدوا مثله يوما
..
وفي تلك الأثناء جاءت تعزيزات غير متوقعة حيث امتلأت السماء بكائنات مجنحة لها أجساد نصف بشرية من الأعلى وتملك جذوع الخيول من الأسفل .. لقد جاءت القناطير للوقوف
إلى جانب عاصف.
صاحت الأميرة أشاس فيمن معها من المقاتلين الأقوياء:- انصروا عاصف .. انصروا ابن بحر وصديق أيوب !!
ثم وهي تشير بيدها نحو قلب جيوش تحالفات الأرض السفلية، حيث تتمركز قوة الأعداء الضاربة
- اقضوا عليهم، أبيدوهم عن وجه الأرض !!
انطلقت القناطير القوية بمطارق الهلاك ورماح الموت نحو المنطقة التي تتمركز فيها أقوام الأجا والأجيج وتساقطوا مثل نيازك تهوي من السماء
عليهم.
ثم فجأة،
جاءت تعزيزات أخرى،
إنها اتحادات جيوش حجبت لفرط كثرتها ما بين المشرق والمغرب، ولكنها ظلت مكانها في السماء رابضة دون حراك فوق أحصنتها المجنحة؛ الأمر الذي جعل الجميع لا يدرون لأي فريق بالتحديد جاءت تلك التعزيزات.
كان الحكيم حينها يختبئ أسفل أحد الجثث الميتة، يرقد بسلام وصمت حتى يظن الأعداء بأنه ميت؛ فلا يقتله أحد وينما هو كذلك إذ اقترب منه أحدهم، رفع الجثة التي كان يختبئ أسفلهاوقال يخاطبه :
- أيها المبعوث المعجزة.
مهلا
هل قال المبعوث المعجزة ؟! "
التفت الحكيم نحو الرجل فوجده أحد ملوك حلف محيط الشمال، إنما تلك الممالك التي نجح الحكيم في إقناعهم بأنه مبعوث جاء إليهم
من عند الرب
قال الحكيم يعاتبه على تأخرهم:
- لماذا تأخرتم ؟! .. لقد أصبت بالتسلخات لكثرة البلل !!
- لقد وصلتنا رسالتك متأخرة، فأعطنا الأمر نلبه. أشار إلى جيوش الأسفل وقال: أريد منكم أن تجعلوا كل واحد منهم يتمنى لو أن أمه لم تأت به إلى هذه الحياة – وأضاف يصرخ بصوت
غاضب حاقد
اقتلوهم، أبيدوهم، ولا تبقوا على رأس فوق جسد.
ساعدت تلك التعزيزات بالإضافة إلى التعزيزات التي جاءت لاحقا نصرة للشمالي في قلب الطاولة وجعل كفة النصر تميل نحو عاصف
وتحالفاته.
وبينما القتال مستمر بين الطرفين إذ فجأة صاح مناد يقول:
- لقد قتلت الملكة سرايي، لقد قتلت الملكة سرابي !!
وبدأ جنود الأسفل يرددون وهم ينسحبون من مواقعهم تباعا، وخلفهم
تنسحب جيوشهم المتحالفة
- لقد قتلت الملكة، لقد قتلت الملكة !!
استقبل عاصف ذلك الخبر كمن يستقبل صاعقة على أذنه، كان يظن أنه يريد قتلها ولكنه أدرك الآن أنه كان منساقا وراء غضبه؛ لقد أحس بشديد الحزن عندما أدرك بأنها ماتت وتساءل في نفسه في لحظة متأخرة: كيف لرحيل أحدهم أن يجعل الدنيا تصبح بكل هذا الظلام
والشمس ما تزال ساطعة في السماء ؟
لم يعد يستطيع أن يُكمل القتال مستخدما طور السجيل؛ فقد جعله
الحزن يفقد قوته مما جعل إكليل يتحرر من جوفه .. وهكذا حانت فرصة
غياث لأن يقتله بسهولة، ولكنه احترم بنبل شديد حزن خصمه وقال يعزيه
بهذه الكلمات قبل أن ينسحب ويتركه خلفه
- لا تحزن إن الوحدة قدر العظماء.
وبينما عاصف جاثم على ركبتيه يرى انسحاب الجنود وهم يحملون جسد سرابي المكفن بالأقمشة، إذ تذكر ذلك اليوم البعيد الذي حمل فيه رجال القرية جثمان أمه المتوفاة - جومانا ابنة جبار الأباطرة - فوق
اكتفاهم واتجهوا بها نحو حفرة قبرها.
اعتقد حينها أن أولئك الرجال يخطفون أمه فقام بمهاجمتهم؛ الأمر الذي اضطر خمسة منهم لتقييده ريثما يقوم الآخرون بمواصلة القيام بعملهم: لقد دفنوا والدته في ذلك النهار ولكنهم عن طريق الخطأ دفنوا
قلبه معها.
وبينما هو ما يزال يشاهد ابتعاد جثمان سرابي إذ سمع حفيف خطوات تقترب منه التفت عاصف نحو الخلف فشاهد فتاة صغيرة ذات عيون بندقية تطالعه بصمت غريب وتعجب من أن يرى فتاة بمثل عمرها الصغير
في ذلك المكان
- أنت عاصف ؟
هز رأسه بعلامة ( نعم ) فقالت:
- لقد وعدت والدي بأن أقتلك.
ثم طعنته في صدره واختفت.
سقط عاصف أرضًا، واستمر - وحده على الأرض - يراقب بعين مغمضة وأخرى نصف مفتوحة جثمان سرابي " غيمته الممطرة " المحمولة فوق أكتاف الجنودالمنسحبين.
كان ينظر إلى ذلك المشهد بقلب كسير مثل طير مبتور الجناحين أمنيته الأخيرة هي : أن يرتفع ولو لمرة واحدة كي يحتضن بجناحيه السماء
قبل أن يموت.
عاصف الآن لا يهتم لدمائه التي تنزف بغزارة؛ لقد خسر بغيابها قضيته الأهم وفقد برحيلها شغف الحياة، أغلقت عينه أخيرا وفي جوفه سؤال
واحد قال بهمس يردده:
- ماذا أفعل حين أشتاق إليك يا سرابي ؟
جاءه طيف صوتها مع هبوب الرياح التي داعبت ملامح وجهه الذابلة
يقول:
- غني لي .. غني وسيأتي طيفي ليراقصك.
ابتسم لسماعه طيف صوتها ثم أغلقت عيناه، وتراخت أنفاسه حتى توقفت.
أنت تقرأ
السجيل
Horrorعاصف سليل الطين و النار "انها لا تستطيع البوح بما رأته في البرزخ،ولكنها متأكده بأن ذلك السر سوف يغير تاريخ الارض إلي الأبد"