Ch"31"

361 28 36
                                    

نيران متآكلة 31

.
.

في لحظاتِ الهدوء تكمُن العاصفة! .. هكذا كان اليوم، شديد الهدوء طوال الليل حتى الفجر ثم بدأت الرياح تشتد بقسوةٍ جالبة في طياتها عاصفة هوائية عنيفة مُغبرة بمياهِ الأمطار .. و قد إعتاد أهل باريس الأمر فأجواء الشتاء لا تتوقع!

وسط ذلك كان غافيًا فوق سريره و بين الأغطية رغم أنَّ التكييف يعمل بامتياز، و دون أن يُدرك كانت خطواتٍ مُتسللة تخطو إلى داخل الغُرفة و بهمساتٍ خافتة .. لم يدري يوجين بنفسه الا و هناك كائنٌ صغير يجلس فوقه ، فتململ بإنزعاجٍ يحاول أن يستلقي على ظهره لينتفض على يدين صغيرتين تقبض على وجهه بأظافره بمُشاغبة و قهقهاتٍ تعلو بينما صرخ بفزع و ألم ينتفض من مكانه لتتلقى يديه الكائن الصغير بفزع من سقوطه!

لحظات حتى اتضح له تلك العينين العسليتين التي طالعته بضحكة مُشاغبة هاتفًا بطفولية:
" يو .. جي .. آندي يُحب يو..جي!"

حينها لمح الثلاثة حوله فابتسم ينخفض ليحتضن الطفل الصغير بين يديه قائلًا بشوق:
" و يوجي يُحب آندي للغاية حتى أنه سيُحضر له حلوى."

تمسك بهِ الصغير ينطق بتقطع بكلماتٍ سعيدة:
" بابا قال .. أنه يُمكن لـ .. لآندي أن .. أن يذهب ليو..جي .. صحيح؟"

أومأ يوجين بابتسامة لتُشاركهم آن السرير هاتفة للصغير تحت انزعاج يوجين من مشاركتها لأغطيتهِ الحبيبة:
" بالطبع آندي .. كما أنَّ يوجين لن يتركنا مجددًا، صحيح يوجين؟"

سكت تختفي ابتسامته يُحدق بالصبي الذي ينظر له بفضولٍ مُنتظرًا إجابته ، فابتسم ينطق بخفوت:
" سأبقى لفترة ، آندي."

صفق الصبي بسعادة فابتسموا بدفء رغم شعورهم بحُزن يوجين.

بعد خمسة عشر دقيقة خرج يرتدي ملابس مدرسته و يحمل فوق ظهره حقيبته المدرسية ناكشًا خُصلاته بعفوية، تقدم مسرعًا ليختار مقعده جوار جده بينما يهتف بطبيعية:
" خالتي إيلين أرغب بالبيض و كوب حليب بالموز."

فساد صمتٌ غريب حوله و جميعهم يُراقبون حركاته المُعتادة بدهشة، ألم يكن حزينًا ولا يرغب بمقابلتهم أمس؟! .. لكن إيلين كانت أول من ابتسمت تُقدم لهُ بالفعل ما طلبه ، فهي اعتادت تحضير له ما يُحب دومًا و بُعدِهِ شهرين عنهم لا يجعلها تنسى صغيرها الحبيب .. تقدمت لتضع أمامه الحليب الطازج فأخذه يشربه بخفة بينما يراها تصنع لهُ توست الجِبن قائلة بلطف و مَن حولها ابتسموا لهذا المشهد الذي اشتاقوا لهُ دائمًا:
" كالعادة صغيري، لا تظُنني نسيت إفطارُك المُفضل، و الآن تناول التوست كُلهُ، موافق؟"

أومأ بخفة يقضم قضمة كبيرة مع رشفة من الحليب قائلًا بفمٍ ممتلئ:
" بابا لا يعرف ذلك لكنه يصنع لي إفطار لذيذ للغاية، لكنني أرغب الآن بإخباره بما أُحِب .. تظنين أنها فكرة جيدة خالتي إيلين؟"

نيران مُتآكلة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن