-14-

84 9 10
                                    

عادت غالية إلى منزلها وكهاربة من وحش ما ، دخلت غرفتها وأغلقت الباب بإحكام ، بأنفاس ثائرة هائجة ، وعقلها يردد كلمات أدهم بلا كلل ولا ملل .

- يا الله ...
قالت بدهشة وذعر وهي ترتعد خوفا من أن يعلم أهلها بما جرى بينها وبين أدهم ، من سيصدق أنها بريئة ؟ وأن كلماته ليست سوى مشاعر تخصه هو ولا شأن لها به .

وبساقان راجفتين اتجهت نحو سريرها وجلست عليه تفكر بنفسها مليا ، بماذا اخطأت ؟ وما الذي فعلته حتى طمع هذا الشاب فيها ؟ ملابسها ؟ حركاتها ؟ ايمائاتها؟ أو ربما صوتها ؟ بحثت وبحثت عن خطأ واحد صغير ولكنها لم تجد ..

فهي فتاة مؤدبة وتخاف الله قبل خوفها من أهلها ... راكزة ورشيدة وخلوقة ، وليست إحدى تلك الفتيات اللاتي يحاولن جاهدات أن يفتن عقول الرجال أو أن يؤثرن بهم .. بل على العكس تماما ، تفعل دائما ما يجعلهم يغضون أبصارهم عنها ، عبائة فضفاضة شرعية وحجاب فضفاض شرعي ذو طبقات عدّة ، جزء ضيق وفوقه جزء فضفاض ينسدل على رأسها وكتفيها كراهبة ، عندما تمشي فإنها تستقيم بمشيتها دون ميل أو تأني ، وعندما تتكلم فإنها تضبط صوتها دون تذبذب أو خضوع في الكلام ، لا تضع مساحيق تجميل ولا تتعطر نهائيا ، إذن بحق الله كيف احبها ؟

جاهلة أن أدهم أحبها لكل ما ذُكر آنفاً ، وبكل ما فيها من طبيعية وعفوية ، وأن قصتها التي يتداولها أطياب المجتمع جعلتها كأيقونة الصبر والتفاني والإخلاص ، فرغم محاولة زوجها وأهله في تشويه سمعتها الا أن جيرانها وأقارب زوجها شهدو بصلاحها وحسن معشرها .

ولم تكن تعلم غالية أن أدهم كان يسمع لقصصها التي سردت على لسان عاملات المشغل وهن يمدحن بها في غيابها ، حتى أنه لكثرة ما مدحن بها دفعنه لخوض مباراة ودية مع مشاعره المتضاربة ما بين الاعجاب والتقدير .

تذكرت المال فجأة ، فنفضت بكل مافي رأسها وبسرعة تناولت حقيبتها وأخرجت منها المال ثم فتحت خزانتها وخبأته جيداً فيها ، أغلقت الخزانة ووقفت للحظات تنظر إلى اللاشئ سارحة بأفكارها .

حيث أخذتها أفكارها لخطط ومشاريع دعت الله أن تتوفق فيها حتى تحقق غايتها في استرجاع ابنتها وعيش حياة كريمة برفقتها ، فهي الشئ الوحيد الذي تبقى لها في الحياة لتتمسك به .

...............

- أنا ما فهمت شو القصة ... وكل واحد فيكم بيحكي اشي .. خلص أنا نازل عندكم على الضفة الاسبوع الجاي .
قال سليم بقلق وقد أرقه موضوع غالية والاشاعات التي تنتشر باسمها كالنار في الهشيم لتجيبه نادية ببرود :
- يعني اعمل حسابي انك جاي عالاكيد .

- اه عالاكيد .. خلص لازم انزل ... مش فاهم اشي وحاسس ادي مربطين وانا بعيد .

- ماشي .. بس لا تحكي لحدا ... تعال بالسر

- وانا هيك بدي اساسا ... احسن
قال سليم مؤكدا على كلام والدته في حين كانت نادية تمر من أمام غرفة غالية والتي سمعت كلامهما فشعرت بغصة في قلبها خوفا من مجئ سليم ، فسليم رغم كونه حنونا ولطيفاً إلا أنه عندما يغضب لا يرى أحدا أمامه .

قلوب قيدها الضعف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن