الحلقة الاولى

940 160 515
                                    

فراشـة بولندا
       الكاتب: بهـاء الاسـدي
انستگرام/ b.aa90



البـدايـــة
⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰

                             

« تالا أرماند »

ولدت في كراكوف عام 1951م، في عهد السلام النادر والهدوء الذي عاشته بولندا. لم تكن مجرد طفلة عابرة في الحروب والصراعات، بل كانت بريق عينيها الزرقاويتين وجمالها الساحر كفيلين بجعل الناس يطلقون عليها اسم "فراشة بولندا"
منذ نعومة أظافرها، كانت «تالا» تتمتع بروح البراءة كوردة بيضاء تنمو في وسط الفوضى. على الرغم من الأحداث الجارية حولها، إلا أن عالمها الصغير كان مليئاً بالسلام والحب والصدق، وكأنها محمية من العواصف الجارفة في حديقة خاصة بها.
أسرة «تالا» ذات أصول "بولندية"، كانت تعيش حياة هادئة ومتواضعة في ريف بولندا، لم تلامسهم الصراعات الخارجية التي هزت البلاد. كان عالمها المحدود مليئاً بالوعي والعلم والبراءة، وكانت تستمتع بأجواء الطبيعة الهادئة وجمالها البديع.
وهكذا، كانت «تالا» تمثل رمزاً للسلام والطمأنينة في عالم مليء بالاضطرابات، وكانت قصتها تعكس بريق الأمل والجمال حتى في أصعب الظروف.
في فجر كل يوم، تستيقظ «تالا» مبكراً، تشرب قهوتها بأسلوب فرنسي على شرفة غرفتها المزينة بالأزهار، وسط هدوء المدينة النائمة. تستمتع بالاستماع إلى الموسيقى الصباحية بصوت منخفض، حتى لا تزعج جارها العجوز، السيد «ليساندر» الضابط العسكري البولندي المتقاعد الذي يسكن في المنزل المجاور منذ أربع سنوات.
وبعد وفاة زوجته، السيدة «دوروتا»، في حادث سير، لم يتزوج السيد «ليساندر» مرة أخرى، حافظاً على عشقه المجنون لزوجته الراحلة. في إحدى صفحات مذكراته، كان يكتب: "لقد اعتدت أن أراك في المنزل كل يوم. الآن، أنا سعيد جداً لأنني أرى ملائكة السماء في منزلي الصغير". هذه الكلمات تعكس الحنين والعشق الذي يشعر به السيد «ليساندر» تجاه السدة «دوروتا» التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته، و رمزاً للسلام والجمال في حياته المعزولة.
عندما فتح السيد «ليساندر» عينيه ببطء في صباح يوم جديد، وجد نفسه ينظر إلى جواره في حالة من الهدوء، ولكن الظلام الدامس كان يغمر الغرفة، وتتردد أصوات زقزقة العصافير من خارج النافذة كصوت مرحب ببداية يوم جديد. وفجأة، انطلقت من داخله صرخة مؤلمة،

_يا إلهي، ليس مرة أخرى".

وكان يتساءل..

_هل هذا الذي يعيشه حقيقة أم مجرد حلم؟"

فنهض من سريره واتجه نحو نافذة الغرفة، يقوم بإزاحة الستائر ببطء ليترك الضوء يتسلل بحذر إلى الغرفة، ولكنها كانت هجمات مترددة من أشعة الشمس المباشرة التي أزعجته بشدة، فأغلق عينيه بقوة.
ثم، بقرارة قلب، اتجه نحو باب الشرفة ليفتحه، وبينما كان ينظر إلى جمال شرفة «تالا» وزهورها الجميلة، استنشق بعمق رائحة الزهور واستمع إلى أصوات المدينة والنسمات النقية. كانت هذه اللحظة كالعلاج لروحه المضطربة، وكأنه يستنشق عطره المفضل، ولم يستطع إلا أن يبتسم ويقول بسخرية على نفسه،

فراشة بولنداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن