فراشـة بولنـدا
الكاتب: بهـاء الاسـدي
انستگرام/ b.aa90البـدايـــة
⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰بعد نجاح العملية، ترقد «تالا» على السرير في وحدة العناية المركزة. يمنع الدخول إلا للكادر الطبي، ويمكن رؤيتها فقط من خلال الفتحات الزجاجية الموجودة خارج الغرفة
مع مرور ثمانية وأربعين ساعة من العملية، لا تزال «تالا» في غيبوبة. القلق يتزايد بين الجميع، والتساؤلات تتكاثر حول مستقبلها وما إذا كانت ستستيقظ قريباً.
بعد خروج الدكتور والدكتورة «أرماس» انتاب الجميع حالة من القلق والتساؤل.
سأل أحدهم بصوت مرتجف:
_دكتور، ما الذي يحدث؟ هل تالا بخير؟ أرجوك أخبرنا."
ترقب الجميع رد الدكتور بقلق شديد.
وفي تلك اللحظة، تحدثت الدكتورة «أرماس» بنبرة هادئة ومطمئنة:
_نعم، هي بخير، كونوا متفائلين، ولكن بسبب صدمة الرأس فقد دخلت في غيبوبة.
تساءل السيد «أرماند» بقلق:
_ماذا تعني؟ ما تلك الغيبوبة؟
أجابت الدكتورة «أرماس» بوصف دقيق
_الغيبوبة هي حالة من فقدان الوعي العميق، قد تستغرق وقتاً للتعافي منها. نحن نبذل قصارى جهدنا لمراقبة حالتها وتحسينها، وعلينا أن نكون صبورين في هذه المرحلة.
قالت «لاسي» بصوت حزين:
_يا إلهي، متى تستيقظ من هذه الغيبوبة؟
أجابت «أرماس» بنبرة هادئة:
_لا نعلم ذلك الآن. سنقوم بإجراء بعض الفحوصات والتقييمات العقلية للمريض، وسنخبركم بالنتائج والمستجدات.
لا يمكننا أن نشعر بكمية الألم التي يعانيها الآخرون إلا إذا كانت هناك تجارب مشتركة للألم، أو نعيش تلك الآلام بأنفسنا. الانتظار يعتبر شيئًا مزعجًا للغاية، خاصة عندما لا يكون له تحديد محدد. فنحن لا نعرف متى سنلتقي، وكيف سيكون ذلك، وما الذي يجب علينا فعله، وكيفية الوصال، وفي أي وقت سيحدث ذلك
كذلك، عائلة «تالا» وأحباؤها في حالة انتظار مشابهة، ينتظرون بقلق وتوتر، متسائلين متى تستيقظ «تالا» وما الذي سيحدث بعد ذلك. إن الانتظار في مثل هذه الحالات يمكن أن يكون تحدياً كبيراً، حيث يعيشون في حالة من عدم اليقين والاستعداد للمستقبل بأي شكل قد يأتي.
عندما عادت «لاسي» إلى منزل بعد قضاء ثلاثة أيام في المستشفى، صادفت السيد «جاكوب» وهو يمشي في نفس الاتجاه. كانت عيونه تحمل آثار القلق والتوتر.
قال «جاكوب» بنبرة قلقة:
_مرحباً، لاسي. كيف حالك؟ هل أنتِ بخير؟"
أجابت «لاسي» بصوت هادئ:
_مرحباً بك، سيد جاكوب. أحاول أن أكون بخير."
«جاكوب» بدأ يتساءل:
_ماذا يحدث؟ لقد مررت بمنزل تالا، ولم أجد احد هناك."
«لاسي» أخذت نفساً عميقاً قبل أن تجيب:
_تعال معي إلى المنزل، سأخبرك بكل شيء."
رد «جاكوب» يتساءل:
_هل تخفي عني شيئاً،؟ هل تالا بخير؟"
أجابت «لاسي» بصوت مطمئن
_بالتأكيد، الكل بخير. تعال معي."
عند وصولهما إلى المنزل، خرج السيد «أركاديوس» وهو يستقبلهما بابتسامة ممزوجة بالتوتر، وألقى التحية قائلاً:
_تفضلوا إلى الداخل، جاكوب، لماذا أنتم في الخارج؟"
ثم نظر باستغراب محاولاً فهم الوضع وهو يتحدث بصوت مليء بالقلق:
_بنتي لاسي، هل حال تالا جيد؟ ما هي آخر الأخبار؟ هل استيقظت؟"
«جاكوب» ينظر إلى «أركاديوس» بقلق شديد، وعيناه تعكسان التساؤل المخيف، وهو يتحدث بصوت مرتجف:
_ماذا تقول،؟ يا سيد أركاديوس ماذا حدث لـ تالا؟ وما معنى استيقظت."
ثم التفت الى «لاسي» بصوت حاد يتساءل:
_لاسي، ماذا يجري؟!"
قالت «لاسي» وهي تنظر الى وجه ابيها
_ماذا فعلت يا أبي، هذا ليس الوقت المناسب، سيد جاكوب
لا يعلم شيئًا !!"
تقرب «أركاديوس» من «جاكوب» وهو يقول:
_أنا آسف، لم أقصد ذلك، لقد كنت مشغولاً بشأن..."
قاطع «جاكوب» حديث «أركاديوس» دون أن يلتفت لذلك وهو يقول:
_أخبروني، بحق السماء، ما الذي يحدث؟ أرجوكم، لقد بدأ القلق يتسلل داخلي. ما الأمر يا لاسي؟"
تدخلت «لاسي» بتوتر وهي تقول:
_توقف، سأخبرك بذلك، ولكن كن هادئاً. لا أستطيع التحدث معك وأنت في هذه الحالة!!"
رد السيد «أركاديوس» بنبرة هادئة:
_سأخبرك يا بني، صغيرتي تالا، عندما كانت عائدة إلى المنزل تعرضت إلى حادث في الطريق، والآن، هي ترقد في المستشفى!!"
ينظر «جاكوب» بدهشة، ورد مبتسماً:
_هل تمزح معي؟! لاسي، هل هذا حقيقي؟"
ردت «لاسي» بتردد
_نعم.."
قاطع «جاكوب» حديثها وهو ينظر للخلف قائلاً:
_لماذا لم يخبرني أحد؟ لماذا أنا هنا؟ ما الذي يجب أن أفعل بالضبط؟!"
قالت «لاسي بنبرة معتذرة:
_أنا أعتذر، لكنها بخير، أقسم لك بذلك. لا تخف، لقد تجاوزت مرحلة الخطر."
أجاب «جاكوب» بنبرة قلقة:
_حسنًا، ماذا نفعل هنا؟ هيا، لنذهب إلى المستشفى فورًا."
ردت «لاسي» بصوت منخفض:
_بالتأكيد، سوف نذهب معاً، لكن انتظر. سأحضر بعض الأشياء من المنزل التي نحتاجها هناك."
بينما كانت «لاسي» تتجه نحو الداخل، اقترب «أركاديوس» من جاكوب وقال بلطف:
_أعلم أن الوضع صعب، ولكن تالا بحاجة إلى دعمنا جميعاً الآن. دعونا نتحلى بالصبر والقوة."
«جاكوب» أخذ نفساً عميقاً وحاول تهدئة نفسه بينما كان ينتظر «لاسي»
(مستشفى الجامعي)
كان الأب «أرماند» متواجداً في قاعة الانتظار حين وصل السيد «جاكوب» مع «لاسي» هرع جاكوب باتجاه «أرماند» واحتضنه وهو يبكي:
_ماذا حدث يا أبي؟ أقسم لك لم أعلم بذلك."
رد «أرماند» بصوت مطمئن:
_لا عليك، ستكون بخير. ابنتي قوية، أعلم ذلك."
قال «جاكوب» بانكسار:
_أنا السبب، أنا السبب. لقد طلبت مني الحضور معها في طريق العودة."
رد «أرماند» بهدوء:
_ستكون بخير، لقد تجاوزت مرحلة الخطر."
قال «جاكوب» بصوت قلق:
_أين الدكتور؟ يجب أن أرى تالا، أرجوكم."
رد الكادر الطبي:
_حسناً، سنطلب لك إذن الدخول."
بعد السماح له بالدخول، استطاع السيد «جاكوب» أن يتوجه إلى غرفة «تالا» عند وصوله إلى نافذة الغرفة، حدق في السرير المليء بأدوات التمريض وأجهزة الغرفة وأصواتها المزعجة. كاد أن يتجمد من هول المنظر، مزيج من الشوق والحنين والخوف وعدم القدرة على التبرير تملكه.
فتح باب الغرفة مساعد الدكتور، وكان الدكتور أيضاً موجوداً في تلك اللحظة. لكن «جاكوب» لم يستطع الدخول، فقد واجه صراعاً ذاتياً، انفجر بالبكاء، لم يتمالك نفسه بعد صمت طويل.
أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن تهزمك ملامح البكاء على تفاصيل وجهك، وأنت الذي تحاول جاهداً أن تبدو قوياً في وجه كل شيء.
مساعد الدكتور يخبر «جاكوب» بنبرة انتباه:
_سيد جاكوب، يمكنك الدخول، لا تملك وقتاً كثيراً."
رد «جاكوب» وهو يزيح الدموع من وجنتيه:
_نعم، يمكنني ذلك، لكن اسمح لي أن نكون بمفردنا بضع ثوان."
رد مساعد الدكتور وهو يخطو إلى الخارج:
_بكل تأكيد، عندما تنتهي أخبرني بذلك. أمنياتي بالشفاء العاجل."
أجاب «جاكوب» بامتنان:
_شكراً لكم."
توجه «جاكوب» نحو السرير وهو يرتل آيات من الإنجيل، قائلاً:
_يا إلهي ساعدني".
_حبيبتي تالا، هل تسمعين؟ لقد جئت، أرجوكِ تكلمي معي. أنا السبب في ذلك الحادث، لقد تركتك لوحدك، لا تتركيني الآن وحدي، لم يبق لي سواك. حتى أمي تركتني ورحلت، الكل رحل..."
لم يتمالك نفسه، استلقى بجانبها على الفراش، ووضع رأسه على صدرها. أغمض عينيه وهو يستمع إلى نبضات قلبها، كادت أنفاسه تحتضن كلامها لولا نشيج صدره الذي يتكسر.
_أنا أعلم أن القلوب تتحدث مع بعضها عندما تغيب الأجساد، هناك لغة الأرواح أيضاً. هل يمكن أن تتحدثي معي، ارجوك؟"
ثم أغمض «جاكوب» عينيه وقال بصوت أشبه بالأنين:
_هل تسمعين يا ضوء طريقي؟ أنا بجانبك دائماً هنا.."
ثم جاءه صوت خافت، كأنه يأتي من بعيد:
_وأنا أيضًا بجانبك، وأسمع ما تقول."
«جاكوب» شعر بالفزع والفرح معاً، ثم قال:
_إياك أن تستسلمي، يا حبيبتي."
تكرر صوت «تالا» كأن صوت محيطي هافت:
_وأنت لا تتركيني، رجاءً."
رد «جاكوب» بنبرة حزم واصرار:
- "كوني قوية."
رد ذلك الصوت بصوتاً يرتجف:
_أين أنا؟ يا جاكوب."
احتضنها «جاكوب» وهو يقول:
_أنتِ في المشفى، يا حبيبتي. ستتعافين وسنذهب من هنا. أنتِ آخر ممتلكاتي في الحياة، لا أسمح لكِ بالرحيل. ستعودين لي، أعلم ذلك، لكن أرجوكِ أن تكوني قوية وتتحملي."
«جاكوب» أخذ نفساً عميقاً، ثم ابتسم ابتسامة مليئة بالحب:
_نسيت أن أخبرك شيئاً. لقد صنعت لكِ مفاجأة، لكنك أفسدت تلك المفاجأة بنومك هذا. الآن سأخبرك ما هي المفاجأة. لقد انتقلت رسمياً إلى مدينة كراكوف. في منزل صغير، رغم كونه من الطراز القديم لكنه جميل جداً، في الضفة الغربية. واجهته الأمامية بيضاء باهتة تطل على حديقة صغيرة جنب نهر فيستلا، بالقرب من المقهى الذي التقينا به أول مرة. عندما نخرج من هنا معاً، ستذهبين معي إلى المنزل وتخبريني هل هو جميل؟ هل مكانه أجمل؟ كل هذه التفاصيل سنتحدث عنها. حاولي أن تستيقظي قريباً، ارجوك."
حتى عودة السيدة «لاسي» مع السيد «أركاديوس» لا يزال السيد «جاكوب» داخل غرفة المراقبة.
سألت «لاسي» إحدى الممرضات:
_هل السيد أرماند داخل غرفة المراقبة؟"
ردت الممرضة:
_لا، لم يأتي السيد أرماند اليوم."
قالت «لاسي» بنبرة مفاجئة:
_إذن، لم يغادر السيد جاكوب منذ البارحة؟"
أجابت الممرضة:
_لا أعرف، لكن داخل الغرفة شاب وسيم طويل القامة يشبه السيدة تالا."
ردت «لاسي» وهي تهز رأسها:
_هو السيد جاكوب بالفعل. لو سمحتي، أخبريه بقدومنا."
قالت الممرضة:
_حسناً، سأخبره بذلك."
لقد جاء السيد «أرماند» وكان السيد «جاكوب» حاضراً أيضاً، والكل مجتمع في قاعة الانتظار، وأصبحت «تالا» حديث الجميع.
توجه السيد «أركاديوس» بالحديث إلى السيد «جاكوب» قائلاً:
_لقد سمعت من لاسي بأنك ستمكث هنا في كراكوف. هل هذا صحيح؟"
أجاب «جاكوب» بنبرة صادقة:
_نعم، بكل تأكيد يسرني ذلك."
قال «أركاديوس» بشعور جميل:
_ونحن أيضًا يسرنا ذلك يا ولدي."
تدخل السيد «أرماند» بنبرة مفاجئة وقال:
_هل هذا صحيح يا بُني؟ لماذا لم يخبرني أحد بذلك؟"
أجاب «جاكوب» بكل احترام وحب:
_سيد أرماند، أنت بمثابة أبي، لكن في الواقع أفسدت تالا تلك المفاجأة ولم تعد سعيدة لي."
رد «أرماند» بحماس:
- "لكن ستكون سعيدة تالا بسماع ذلك ونحن أيضًا."
قال «جاكوب» بنبرة هادئة:
_أأمل ذلك عندما تستيقظ."
رد «أرماند» بنبرة صادقة وإحساس مطمئن:
_ستكون بخير وستفرح كثيرًا، أليس كذلك يا ابنتي لاسي؟"
أجابت «لاسي» بكل عفوية وصدق:
_بالتأكيد يا أبي، وأنا مسرورة بذلك."
قال «أرماند» وهو يشير إليهم:
_لكن من اليوم سنذهب مع السيد جاكوب وسنعمل على تحسين المنزل."
تدخل «جاكوب» معترضاً باحترام:
_ لا، شكراً للجميع. هذا الأمر مؤجل حتى استيقاظ تالا."
رد «أرماند» معترضاً ومصراً على القرار:
_أنا أعترض. هذا الأمر سيتم وسنعمل معًا حتى استيقاظ تالا."
قال «جاكوب» بنبرة استسلام:
_إذًا، سنعمل من اليوم في المنزل."
قال «أرماند» بصوت حاسم:
_ابنتي لاسي، اذهبي أنتِ والسيد أركاديوس والسيد جاكوب إلى المنزل. سوف أبقى قليلاً عند تالا وسآتي فيما بعد."
أجابت «لاسي» بصوت هادئ:
_حسنًا، وأنا أيضًا سوف أطلب المساعدة من السيد كايل ليحضر معنا."⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰
يتبـــع>>
أتمنى أن ينال عرض الحلقة الحادية عشر إعجابكم
أنتظر منكم تفاعل يروي عطش الإبداع
وانتظروا مني الحلقة الثانية عشر
التي ستكون كنسمة ربيع
تحمل معها عبق الأزهار
تحياتي الكم حبايب قلبي❤️
أنت تقرأ
فراشة بولندا
Mystery / Thrillerفي هذه الرواية المستوحاة من أحداث حقيقية، يقودنا الكاتب في رحلة استكشافية عميقة إلى عالم، الحـب الــذي لا يـكـتـمـل لا يـنـتـهــي !!