الحلقة الثامنة

132 41 90
                                    

فراشـة بولنـدا
الكاتب: بهـاء الاسـدي
انستگرام/ b.aa90

البـدايـــة
⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰



في أروقة المستشفى، حيث يفترض أن يسود الهدوء، قطعت صفارات الإنذار ذلك السكون، معلنة عن وضع طارئ. "نداء إلى كافة الطاقم الطبي، التوجه الفوري إلى سيارات الإسعاف"، تكرر الإعلان عبر مكبرات الصوت، محدثاً قلقاً يسري في زوايا المستشفى. «تالا» التي تقف في صفوف الطاقم الطبي للمرة الثانية، لم تتردد بخطوات متسارعة توجهت نحو سيارة الإسعاف، متخطية الممرات والأبواب الزجاجية بسرعة، وهي تحمل على كتفيها وزن المسؤولية والإصرار على التصدي لما قد يحمله القدر. وفي أعماق الممرات البيضاء، دوى الإعلان العاجل مرة اخرى

"يرجى الإسراع إلى سيارات الإسعاف، تحطمت طائرة مدنية في غابات نازان" انطلق الطاقم الطبي نحو الغابة، وعند وصولهم، واجهوا مشهداً مأساوياً.

النيران تشتعل وتبتلع ما تبقى من الطائرة، وتصدح صرخات النجاة في الهواء «تالا» وسط الفوضى، شعرت بالدوار والعالم يدور حولها، وفي لحظة خارت قواها وانهارت أرضاً. تم إسعافها فوراً إلى الخيمة الطبية، وبعد دقائق، فتحت عينيها مجدداً.

تهمس بكلمات متقطعة:
_اتركوني أعود، هناك من يحتاج وجودنا،"

كانت تلك الكلمات التي ترددت بين جدران قلبها المثقل بالأسى والعزم. ركضت مفزوعة، تخترق رائحة الموت الأجواء، تلك الرائحة التي لا تفرق بين صغير وكبير. الأكياس السوداء تحتضن أجساداً فقدت الروح، والأرض تستقبل جثث تركت لقلة سيارات الإسعاف وكثرة المصابين. ليلة مروعة، حيث تنقل الأحياء والأموات من مكان إلى آخر، وكادت «تالا» أن تفقد عقلها من هول الكارثة.

لكن الأمل لم يفارق قلوب الناس، فسرعان ما انتشر الخبر، وهب سكان المدينة لمساعدة الكادر الطبي. دراجات نارية وسيارات مدنية تتحول إلى سيارات إسعاف مؤقتة، في ليلة تشبه الجحيم، حيث الذعر يسيطر على الجميع وأصوات صفارات الإنذار تملأ المكان. «تالا» بعيداً قليلاً عن مكان الحادث، جثت على ركبتيها، ودخلت في موجة بكاء، تضع يديها الداميتين على أذنيها.

وتصرخ بصوت مرتفع:
_لقد ارتفع عدد الضحايا، يا رب ادركنا،"

وفي تلك اللحظة، وصلت «لاسي» مفزوعة من هول المشهد، تبحث عن «تالا» تسأل هذا وذاك، لكن لا أحد يعلم، ومنهم من لا يعرف حتى من هي.

وأخيراً، سمعت صراخ «تالا» من بعيد، ركضت نحو الصوت حتى وصلت إليها، وهي تبكي، سقطت بجانبها وأخذتها بالأحضان، والبكاء يجمعهما في لحظة إنسانية تتجاوز كل الكلمات.

وقفت «لاسي» هناك، تحاول جاهدةً أن تكبح مشاعرها المتأججة.

وتنطق بكلمات تحمل وزن العالم على أكتافها:
_يجب أن نكون هناك، إنهم في أمس الحاجة إلينا. أنهضي أرجوك، تالا."

فراشة بولنداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن