فراشـة بولنـدا
الكاتب: بهـاء الاسـدي
انستگرام/ b.aa90البـدايـــة
⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰في عام 1972، تعرضت «تالا» لحادث سير اصطدمت سيارتها بشجرة أثناء عودتها من العاصمة وارسو. الآن، ترقد في مستشفى الجامعة بعد أن أجريت لها أول عملية ناجحة. ومع ذلك، هناك عملية أخرى أكثر خطورة قد تكون في انتظارها. الجميع ينتظر «لاسي» «أركاديوس» والأب «أرماند»، لكن للأسف، «جاكوب» لم يكن هناك، ولم يكن على علم بالأمر. قبل أيام قليلة، كانت «تالا» في العاصمة وارسو، وقامت بزيارة «جاكوب» كانت زيارة ممتعة، وتعرفت أيضًا على السيدة «بيكالا» والدة «جاكوب» التي كانت طريحة الفراش. انتهت فترة الزيارة، وقررت «تالا» العودة إلى مدينة كراكوف. وعند عودتها إلى المنزل بالقرب من مدينة كراكوف، تسببت لنفسها في حادث غامض لم يعلم أحد سببه أو ماذا حدث في تلك الليلة.
عندما اقتربت صفارات الجهاز في المستشفى من العائلة، ساد الهدوء والدعوات الخفية في الصدور. كان التوتر مشحوناً بالدموع والقلق. دخل كادر طبي كبير إلى صالة العملية الثانية في تمام الساعة الثالثة صباحاً.
بينما يركض الأب «أرماند» معهم، يحاول أن يخبر «تالا» قائلاً:
_لا تخافي، نحن معك، ستكونين بخير."
في لحظة مؤثرة، احتضنت «لاسي» الأب «أرماند» وقالت بصوت مليء بالثقة:
_ستكون بخير، أعلم ذلك."
في تلك اللحظة، كان الوقت يمتد كأنه سلسلة من الثواني المتراصة على حافة الهاوية. الجميع ينتظر بتوتر متزايد، والدقائق تبدو أطول من أي وقت مضى
لقد مرت أربعون دقيقة منذ دخولها إلى صالة العمليات.
خرج السيد «كايل» يبحث عن قهوة، وعندما عاد، كان يحمل عدة فناجين بين يديه، بصوت منخفض قال:
_تفضلوا معي، لقد أحضرت لكم فنجان قهوة."
نهض الأب «أرماند» من مكانه بهدوء وقال:
_أنا لا أستطيع أن أشرب شيئًا، شكراً لك."
لكن «كايل» أصر بمودة، قائلاً:
_أرجوك يا سيد «أرماند»، دفئ داخلك قليلاً."
أجاب «أرماند» بصوت حزين ومليء بالألم:
_داخلي يحترق، دعني بمفردي، أرجوك!"
تدخلت «لاسي» بكل عفوية وهي تقول:
_عزيزي، دعني اتحدث مع أبي قليلاً."
رد كايل بلطف:
_لاسي، كوني أكثر هدوء، فالوضع ليس بخير."
لكن «لاسي» واثقة من نفسها، أجابت بصوت مليء بالثقة:
_لا عليك يا عزيزي، أنا أعرف ماذا أفعل."
ثم التفتت نحو «أرماند» وقالت:
_أبي، إذا كنت قلقاً ومتوتراً، فنحن أيضاً قلقون جداً. لكن عندما تخرج تالا وتشاهد انهيار من كان سندها، ستحزن كثيراً."
رد «أرماند» بصوت منخفض ودموع تنساب على وجنتيه:
_حبيبتي لاسي، إنها ابنتي الوحيدة، كيف يمكنني شرب القهوة. وهي لم تتناول شيئًا؟"
أجابت «لاسي» بصوت مليء بالحنان:
_أبي، وهل نسيت أنني ابنتك أيضاً؟ إذًا، سأخبر تالا أنك لم تشرب من يدي وستحزن كثيراً."
هز «أرماند» رأسه راغباً في إنهاء الموقف:
_حسناً، دعيني أشرب الآن فنجان القهوة، وأحضري لي كأساً من الماء."
قدمت فنجان القهوة «لاسي» بعد أن قبلت يد «أرماند» وهي تقول:
_بالتأكيد، يا أبي سأحضر الماء فوراً."
انتهت ساعتان تقريباً من الوقت ولم تخرج «تالا» من صالة العملية. القلق ازداد تدريجياً، والانتظار أصبح أكثر توتراً.
السيدة «أرماس أركاديوس» الأخت الكبرى لـ«لاسي» بعد غياب دام أكثر من خمس سنوات عادت إلى مدينة كراكوف، كانت اللحظة مليئة بالترقب والتحية. عندما سمعت خبر الحادث، طلبت من والدتها «أنيتا» الذهاب على الفور إلى المستشفى. وعند وصولها إلى قاعة الانتظار، وقع اللقاء والتحية. كانت لحظة سعيدة، لكنها في وقت غير مناسب للتعبير عن السعادة.
توجهت «أرماس» إلى قسم الكادر الطبي على الفور وقالت لهم بحزم:
_أين مدير المستشفى؟ أحتاج إلى مقابلة مدير الأطباء على الفور!"
الكادر الطبي رد بلطف:
_بالطبع، تفضلي."
ثم تحدثت «أرماس» بصوت يملؤه الثقة:
_مرحباً، أنا الدكتورة أرماس، اختصاصية في جراحة الأعصاب، هل يمكنني المساعدة؟"
مدير العام والكادر الطبي، رحبوا بها مجدداً:
_مرحباً بك، بالطبع، يمكنك التدخل في العمل فوراً ومساعدة الدكتور المختص في هذا المجال."
«أرماس» سألت بعد ذلك:
_بالتأكيد يمكنني ذلك، لكن ما هي حالة تالا وكم استغرق الوقت؟"
أحد الأطباء أجاب:
_لقد تمت العملية الأولى بنجاح، ونحن الآن مستمرون في العملية الثانية، وهي أكثر خطورة وتعقيد. لقد مر على الوقت ساعتان."
نظرت «أرماس» الى ذلك الطيب وهي تقول:
_وما هي تلك العملية الأكثر خطورة؟"
أجاب الطبيب الكبير بالسن:
_جراحة الدماغ والأعصاب التفقدية."
في تلك اللحظة المشحونة بالتوتر، تتجه الممرضات بسرعة مذهلة نحو غرفة المدير العام. أصوات أحذية الطاقم تتراقص على تلك الأرضية، والقلوب تنبض بسرعة مع الخبر الذي
أعلنته إحدى الممرضات:
_حالة المريضة حرجة، هناك انخفاض في ضربات القلب والطبيب بحاجة إلى الحضور على الفور."
مدير العام، الذي كان يجلس في مكتبه بتركيز على أوراقه، نهض من الكرسي بذهول. عيناه تلتقطان الجدية في وجوه الممرضات، لم يكن يتوقع أن يكون هذا اليوم مليئاً بالتحديات الطارئة.
استدار وهو ينظر إلى «أرماس» ويقول:
_دكتورة أرماس، تجهيزي فوراً وتبعيني إلى صالة العمليات.
بدأت «أرماس» التحضير على الفور، قلبها ينبض بشدة وهي تتوجه بسرعة نحو صالة العمليات، مستعدة لمواجهة التحدي الكبير لإنقاذ حياة «تالا» الوقت الذي مر يبدو كأنه قد تجمد في لحظات الانتظار. وكان وجود الدكتورة «أرماس» معجزة لا محال. دخولها إلى صالة العملية كان مذهلاً ودقيقًا. أشرفت على الساعات الأخيرة بالكامل، وكانت الأمل الوحيد في إنقاذ «تالا»،
وبعد مرور تلك اللحظات المخيفة، خرج الدكتور من صالة العملية. الجميع كان ينتظر بفارغ الصبر لسماع الأخبار.
_دكتور، ما هي حالة المريض؟"
_هل هي بحالٍ جيدة؟"
_هل نجحت العملية؟"
_دكتور، من فضلك، هل يمكنك إخبارنا بالتفاصيل؟"
أجابهم الدكتور بصوت مطمئن:
_من فضلكم، هدوء جميعاً، لقد تمت العملية بنجاح. تالا بخير، ننتظر ساعات اليقظة للتأكد من حالتها بأنفسنا."
_يا إلهي، يا إلهي! شكراً لك."
ثم قال لهم:
_سيتم تحويل تالا إلى غرفة المراقبة، ولا يمكن الآن الدخول أو المراجعة قط!"
في غرفة المراقبة، يتجمع الجميع حول نافذة الزجاج، وأصوات الأجهزة تتراقص في الهواء. الأطباء يتابعون الشاشات بتركيز، تصدر أصوات من داخل الغرفة مخيفة، كأنها تحمل أسراراً لا يمكن للكائنات البشرية أن تحتملها.
انقضت الساعات حتى بزوغ الشمس، حيث حان وقت استئذان الدخول لزيارة «تالا» لشخص واحد فقط. «أرماند» والد «تالا» يقف أمام الباب، يحمل في عينيه القلق والحب. يتردد قليلاً قبل أن يدفع الباب ويدخل.
يقول أحد الممرضين بصوت هادئ:
_حسناً، يمكنك الدخول الآن، سيد أرماند."
يتحدث معها بكلمات مليئة بالمشاعر، وقلبه ينبض بقوة:
_أنا والدك، أرماند."
يواصل «أرماند» وهو يحاول إخفاء قلقه وراء ابتسامة:
_لقد نجحت العملية، يا عزيزتي انتي الآن في غرفة المراقبة، ويترقب الجميع عودتك في الخارج، متلهفين لرؤيتك."
وأضاف أيضاً بلطف وصوت حنين:
_لكن الدكتور لا يسمح للجميع أن يكونوا قريبين منها، سأخرج بعد لحظات لكي تدخل ابنتي لاسي وتتحدث معها."
خرج السيد «أرماند» وهو يقول:
_صغيرتي لاسي، يمكنك الدخول. تالا بالانتظار.
في تلك اللحظة، انطلقت ابتسامة على وجه «لاسي» كأنها قد رسمت بألوان السعادة. نظرت إلى وجه «أرماند» وكانت عيناها تنبض بسعادة.
ردت «لاسي» بصوت مليء بالحماس:
_حسناً، هل استيقظت تالا، يا أبي؟"
أجابها «أرماند» بصوت مطمئن، محاولًا تهدئة قلبها المضطرب:
_لا، لم تستيقظ بعد، إلا أنني أحسست بذلك."
دخلت «لاسي» بخطوات بطيئة. كانت تلك اللحظة تعني لها الكثير. توجهت نحو «تالا» التي كانت تستلقي على السرير، محاطة بالأجهزة الطبية والأنابيب.
قالت «لاسي» بصوت هامس، كأنها تخشى أن تقطع الصمت الذي يحيط بالغرفة:
_تالا، حبيبتي، أنا لاسي. هل تسمعين؟ أعلم أنك تستطيعين السمع."
تنظر «لاسي» إلى وجه «تالا» كأنها تحاول قراءة أسرار الروح المختبئة خلف الجفون المغلقة وهي تقول:
_لا تقلقي، أشعر بذلك الشيء بالطبع، سأخبر السيد جاكوب مهما كلفني الأمر."
تلك الكلمات تنبع من قلب «لاسي» وهي تعلم أن «تالا» تحمل في داخلها أملاً كبيراً في العودة إلى الوعي.
تابعت «لاسي» وهي تمسك بيد «تالا» بلطف:
_سنغادر معاً هذه الغرفة، أعدك بهذا يا جميلتي."
مقبرة وارسو
في الثامنة صباحاً
ما بين ذلك الضجيج البشري وناقوس الكنيسة وصوتها المرتفع، تمكن الصمت أن يحل بداخلي، ويسود كل مكان. كأنني محاط بجدار زجاجي، يفصل بيني وبينهم. لا أفهم ماذا يقولون. أدركت أنني بمفردي في تلك المقبرة الكبيرة.
مهما ازداد الضجيج البشري، لا يمكنهم أن يتقاسمون الخسارة معك. وجودهم مجرد مساعدة لتخطي ذلك الفقد المخيف. كان جاكوب يتحدث مع نفسه بصمت، ودموعه تودع ذلك النعش.
لقد تفرق الجميع لم يبقى سوء «جاكوب» بين حبات الرمل الباردة، تلاصق تربة الارض على ملامح وجهه حتى الصباح
عقب وفاة والدته، السيدة «بيكالا»، وجد «جاكوب» نفسه بمفرده في المنزل، بدأت الغرف تبدو مظلمة و مهجورة بعد رحيلها. لقد تحول ذلك المنزل الكبير الى ساحة ذكريات، قرر جاكوب بيع المنزل، لينهي فصلاً من حياته ويبدأ مرحلة جديدة تخلو من ذكريات الفراغ و الحزن، وارسو عاصمة الاحلام باتت مدينة حجرية لا تعني له شيء، لقد كانت كراكوف هو المكان والقرار الصحيح،
بعد انتهاء إجراءات النقل وترتيب الأثاث، انتقل «جاكوب» رسمياً إلى مدينة كراكوف استأجر منزلاً يقع على بعد مسافة قريبة من نهر فيستولا، حيث يمكنه الاستمتاع بجمال الطبيعة وهدوء المكان.
بسبب إقامتها في المستشفى، لم تكن «تالا» على علم بالأحداث الأخيرة، كذلك لم يكن «جاكوب» يدرك برقودها هناك حيث كان مشغولاً بترتيبات الانتقال وتجهيزات المنزل الجديد.
على الرغم من أن «جاكوب» كان يأمل في جعل هذه اللحظة مفاجئة لـ «تالا» إلا أن الظروف كانت تختلف تماماً.!!⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰
يتبـــع>>
أتمنى أن ينال عرض الحلقة العاشرة إعجابكم
أنتظر منكم تفاعل يروي عطش الإبداع
وانتظروا مني الحلقة الحادية عشر التي ستكون كنسمة ربيع
تحمل معها عبق الأزهار
تحياتي الكم حبايب قلبي❤️
أنت تقرأ
فراشة بولندا
Mystery / Thrillerفي هذه الرواية المستوحاة من أحداث حقيقية، يقودنا الكاتب في رحلة استكشافية عميقة إلى عالم، الحـب الــذي لا يـكـتـمـل لا يـنـتـهــي !!