الحلقة الخامسة

206 78 75
                                    

فراشـة بولنـدا
الكاتب: بهـاء الاسـدي
انستگرام/ b.aa90



البـدايـــة
⊱━━━━⊰✾⊱━━━━⊰






اخر ايام الجامعة




في زحمة الأيام وتقلبات الزمان، تقف «تالا» على عتبة الحياة، شابة في الثالثة والعشرين من عمرها، تحمل في قلبها خمس سنوات من الجد والاجتهاد في رحاب الجامعة. تترقب بلهفة وصبر نهاية هذه المرحلة بتفوق ونجاح يليق بآمالها وطموحاتها.


كل يوم سبت، كانت تجلس في الكنيسة، ترفع صلواتها ودعواتها إلى السماء، تأمل أن تلتقي مرة أخرى بذلك الشاب الذي غادر المدينة لكنه لم يغادر قلبها. كانت تعلم أن من يدخل القلب معززاً، يبقى فيه حتى يحل اليأس محله أو يأتي آخر يستحق مكانه.


كانت تشعر بالسعادة والحيرة في آن واحد، لا تعرف كيف تتصرف أو ماذا تحكم. فالقلوب عندما ترتوي بالحب، تعمى الأبصار وتتوقف العقول، وتتراكم المشاعر حتى نتصور أن الفارس المنتظر قد وصل أخيرًا. منهم من يستمر في الوفاء، ومنهم من يتخلى ويهرب.


تقف «تالا» في زحمة الحياة، تنتظر لحظة هدوء تجمعها بـ«جاكوب» القلب يخفق بين الأمل والشك، بينما العقل ينشغل بالأحلام الأكاديمية. اللقاء الذي تتوق إليه يظل معلقاً بين الواقع والمستقبل، والخوف من المجهول يلوح في الأفق. «تالا» تعيش اللحظة، تتأرجح بين الحنين والطموح، تبحث عن توازن بين قلبها وعقلها.


أرماند، الأب الذي لا يعرف الكلل، يظل ملاذ تالا الدائم. في الليالي الطويلة، يعد القهوة ويشاركها الصمت والحديث، يضيء وجهها بابتسامة تشبه الفجر. يعطي دون انتظار، يرتب غرفتها ويغطيها بالحنان، كأنه يغطي الوردة بالندى. يراقبها وهي نائمة، يرى فيها صورة أمها، ويغفو على كرسي الذكريات، مطمئناً بأنها تحت رعايته.


استيقظت «تالا» من نومها، تدفع النوافذ لتستقبل نسمات الصباح الباردة. تتلألأ عيناها بابتسامة وهي ترى الغرفة مرتبة بعناية، تعكس حنان أبيها الذي لا يتوانى عن رعايتها. "كم أنا محظوظة بوجودك، يا أبي العزيز"، تفكر تالا وهي تشعر بالامتنان لهذا الحب الصامت الذي يغني روحها كل يوم.


تخرج «تالا» من غرفتها، تتلفت حولها باحثة عن والدها. البيت يبدو خالياً، والصمت يثقل الأجواء. "إلى أين ذهبت يا أبي؟" تهمس لنفسها بقلق ممزوج بالامتنان. تعلم أن مهما عاشت ومهما قدمت، لن تستطيع رد جميله وعطائه اللامحدود.


فجأة، يفتح الباب ويظهر «أرماند» محملاً بأكياس تفيض بخيرات الأرض، الفواكه والخبز والأجبان الفرنسية والبيض. يشرق وجهه بابتسامة تذيب كل القلق.

فراشة بولنداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن