الـبـــارت الثــالـث عَــشـر "سـر الإنتقـال"

996 90 66
                                    

كانت ليلى تُشاهد إخوتها وتسمع حديثهم حتى ظنت أن صُراخ إبراهيم بتِلك الكلمات السامة قد صم أذناها فأعمت أعينها طبقة كثيفة من الدموع، لم تستطع منع ذاتها أبدًا من البُكاء، بل أنها كانت تشهق وتنوح ولكن الأخرى كانت تطبق كفها الناعم على فم ليلى بقوة كانت تؤلم ليلى في البداية ولكنها فور سماعها لكلمات إبراهيم لم تعد تشعر بأي ألم حقًا سوى في ذلك الصغير بين أضلعها...

قاطع كل ذلك تحديق ريا المصدوم بأخيها الذي فتح باب دورة المياه الموجودة بالغرفة بعنف شديد، وهُنا أزالت يدها من على فم ليلى بفزع من دخوله المُفاجئ ليظهر صوت نحيب ليلى الذي يقطع أنياط القلب.. على الرغم من إشتياقها الغير محدود لإخوتها إلا أنها لم تستطع أن تُزيل عينيها من على أخيها إبراهيم، لم تستطع أبدًا حتى عندما إنتبه لها ونظر لها!، رأت في عينيه الدموع والندم القاتل، ولكنها كانت في عمق النار كما تظن، كانت في عمق الصدمة والحزن والكره، كانت في عمق كل المشاعر السيئة، حدجته بنظرة متحطمة تمامًا، لتُصبح كأنها سِهام تُصيب قلبه مُباشرتًا، قبل أن تتفاجأ بيد كبيرة تُمسك الساعة مانعة ظهور الشاشة الزرقاء الشفافة فقد أطبق عليها بيده قبل أن يدفع يد ريا التي تثبت يد ليلى على الطاولة ويأخذ الساعة صارخًا:
" ريــــــــــــــــــــــــــــــــــا، ريـــــــــــــــــــــــــــــــــــا! "

لم تأبه ليلى لكل ذلك، ولا حتى لعدم معرفتها بوجود ذلك الرجل الضخم-أطلس- مُسبقًا، هي فقط كانت تُحدق في مكان الساعة بأعين حمراء كالدماء ووجه مُصفر كالليمون..
تماسك الآخر للحظة فور رؤيته لـ ليلى بتِلك الحالة، وهُنا دفع الطاولة بشئ من القوة من أمامهما، قبل أن يركع على ركبتيه أمام ليلى ناظرًا لها بعطف، صمت يجمع رباط جأشِه قبل أن يردد بأكثر نبرة حنونة يملكها في العالم أجمع:
"أكبر دليل أن ذلك الحديث مُجرد حديث غاضب أنه لم يجرؤ على البوح به أمامك. 
ليلى، لا يوجد أخ يكره أخته ليلى، لا يوجد أخ لا يُحب أخته بل ويعشقها.." 
لم تنظر له، نظراتها ثابتة أمامها وكأن الزمن توقف بها ودموعها تأبى الوقوف بينما ترتجف شفتاها في منظر مُفزع حقًا ليردد الآخر بهدوء مُحاولًا التماسك أمام هيئة الفتاة المُنهارة:
"ليلى.. عزيزتي.. أانتِ بخير؟" 
وهُنا وجهت نظرها إليه وكأنها لتوها إنتبهت لوجوده!.. تفاجأ بها تشهق فجاه وكأنها أضحت غير قادرة على التنفس قبل أن تسعل بقوة، وقف يبحث عن كوب ماء سريعًا ومد يده لها بها لتمسكها، أمسكتها ولكن فور أن وقعت عينيها على ريا حتى ألقت الكوب بجانبها لتتحطم أثر إصطدامها بالحائط..!

وقفت بهدوء يسبق العاصفة، قبل أن تركض خارجه من الغرفة.. وهُنا خرج أطلس حقًا عن السيطرة، أغلق الباب وراء ليلى بقوة شديدة أفزعت ريا، ليصرخ مُجددًا وهو يعيد شعيراته الطويلة نسبيًا للوراء:
"ريــــــــــــــــــــــــــــا، ريـــــــــــــــــا، كيف تفعلين ذلك كيف يا ريــــــــــــــــــــــــــــــــا!" 
وقفت هي لتردد:
"أطلس، لا تتدخل بتِلك الشئون انت لا تفهم ما.." 
قاطعها هو فور أن أمسك بإحدى التُحف ليلقيها بقوة وهُنا أصدر صوت تحطمها صوتًا مُهيبًا جعلها تقف بصدمة في حين صرخ الآخر حتى كادت ترى أحباله الصوتية:
"ريــــــــــــــــــا، تبــًـــــــــــــــــا لكِ ولشئونك ريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا، تبًا للساعة ولحياتـــــــــــــــــــك ريا، تبًا لمُحمد علي ولقصره ولكل ما يملك ريـــــــــــــــــــــــــــــا" 
وهُنا أخذ يضرب بكفيه على الحائط كالمجنون مُرددًا:
"تبًا تبًا تبًا تبًا ريا تبًا ريا!"
نظر لها بأعين حمراء مُرددًا بعدم تصديق:
"انتِ... انتِ كيف.. كيف يمكنك فعل ذلك!، كيف يمكنك تدمير  تِلك الفتاة فقط لتذهبي الى ذلك العصر القذر؟!، انتِ كيف تحولتي الى ذلك الوحش البشع؟!، انتِ.. انتِ.. لعنة الله عليكِ وعلى ساعتكِ وعلى خططك وعلى كل ما يخصُك ريا، لعنة الله عليّ حتى أنني طاوعتك وأتينا هُنا!"
"أطلس!.. الوضع لا يتحمل توترًا أكثر من ذلك، لا تزيدها عن ذلك، مُجرد حديث قاله أخيها وسمعته لم أفعل شئ أنا ولم أجبره على قول شـ.." 
شهقت بصدمة شديدة فور أن وجدت أطلس يرفع يده في حركه فُجائيه استعدادًا لصفعها.. نظرت له بصدمة كبيرة، كبيرة حقًا، ولكنه فجاه ابتسم مُرددًا بهمس:
"ريا.. الوضع لا يحتمل توترًا أكثر من ذلك، لا تزيديها عن ذلك، مُجرد صفعة كدت اصفعها لكِ ولكني لم أفعل شئ وانتِ من أجبرتيني على رفعي لتِلك اليد التي لم تُرفع يومًا إلا لتدليلك ولتُلاعب شُعيراتك ريا..
بئس الأخت انتِ ريا!، بئس المرأة، أحقًا؟!.... أحقًا تدمرين فتاة يافعة فقط من أجل حقدك وغلك تجاه جدتها؟، أتدمرين فتاة صغيرة حتى تعودين انتِ الى مكان لا تنتمي له بأي شكل؟، لا عُمرًا ولا عائلة ولا شئ؟، ريا.. انتِ ولا شئ... انتِ ولاشئ بدوني ريا!.. انتِ ستذهبي هُناك لتجديكي بلا مأوى، بلا عائلة، بلا شهادة جامعية حتى تعملي بها، تظنين أن أسماء التي أضحت عجوز سوف تساعدك؟،  أتظنين حقًا أنها لن تقتلك إن علمت ما فعلته بحفيدتها وكيف أسمعتها حديث أخيها حتى ترفض العودة الى عالمها فتستطعين إستغلال آخر فرصة متاحة الآن للإنتقال عبر الزمن!"
تساقطت دموع الأخرى وما كادت تتحدث حتى صرخ الآخر:
" اصمتــــــــــــي.. صمتي مرة واحدة.. مرة واحدة اصمتي ولا تجيبي!، لا تجيبي ريا، أحتاج فقط أن أسمع صمتك ريا!
انتِ لستِ ريا.. انتِ لستِ ريا، انتِ مَسخ، انتِ وحش، انتِ وحش كونه الغل والحقد والحسد والطمع والجشع، ريـا.. اليوم انتِ جعلتي تِلك اليتيمة تفقد إخوتِها كما فقدت عائلتها.. وأنا اليوم أيضًا سأجعلك تشعرين بذات الشعور... مُنذ اليوم أنا لستُ أخيكي، أنا عدوك اللدود ريا، أنا لن أساعد سوى ليلى ومحمد علي، أنا لن أفعل أي شئ يضرهما حتى وإن كنتِ ستضررين، انتِ اليوم فقدتي أخيكي مِثلما فقدتِ عائلتك ريا..
العين بالعين ريا... العين بالعين والمُرتجف قلبي!
أم تعرفي..؟
العين بالعين وبئس ذاك القلب المُرتجف على وحش مِثلك ريـا.. "

لــيلــى وأخـواتُـهـاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن