الفصل الاربعون

165 8 2
                                    

الفصل الاربعون

حسناء

"اسفة ..اسفة اختي."

أبعدتها عني بعد أن كنت أضمها بكلتا ذراعي إلي بقوة كبيرة .. لكي أنظر لوجهها الشاحب الأليم وأقول لها:" لماذا تتأسفين سارة؟ أنا التي أتأسف لأنني لا أستطيع أن أكون معك طوال الوقت في محنتك هذه."

رأيتها غير قادرة على الحديث وتحتاج للحظات تأخذ فيها أنفاسها .. عندها جذبت الكرسي لها في قاعة الزيارات حتى تجلس عليه وجلست قبالتها أضغط بيدي على يدها حتى استطاعت أن تجمع شتات نفسها .. فقالت لي:" هل أنت بخير؟ انا حقا آسفة لم أستطع القدوم للمحاكمة ولم أتوقع بأن الأمور ستتخذ هذا الاتجاه."

حاولت تطمينها علي .. فلم يكن يهمني لحظتها نفسي .. وجدت بأن السجن يمكن أن يحتمل على غير مصيبتها هي لذلك زدت من ضغطي على يدها وقلت لها:" سارة أرجوك لا تعتذري أنت تعذبينني بكلامك هذا .. أنت أولى بالاعتذار وبالمواساة الآن .. لقد رأيت ما حصل لك في التلفاز وكدت أن أجن في الثلاثة أيام الأولى التي منعوا عني الزيارة فيها كما أني لا أصدق حتى الآن قوتك وقدومك لرؤيتي بعد..."

لم أستطع إكمال كلماتي فقد شعرت بأنني لو فعلت فسأؤلمها لكي أعلم من الدمعة التي نزلت من عينيها بأنني قد سبق وفعلت.

"لقد ماتت يا أختي .. ماتت .. ما كنت أتوقع بأنني سأرى جنازتها وهي في هذا السن."

كنت متأكدة بأنها لم تحضر جنازتها .. فقد شاهدتْها في التلفاز كما شاهدتُها أنا الأخرى في اليوم التالي لإعلان خبر الهجوم المسلح .. ظهر فيها والد الفتاة واقفا أمام قبر ابنته بملابس سوداء ونظرات سوداوية تغطي مشاعر عينيه .. ولكن ملامحه كانت متصلبة وكأنه تمثال حجري .. فقط أم الفتاة من ظهر انهيارها أمام الجميع من عدد المرات التي سقطت فيها على الارض غير قادرة على الوقوف على قدميها وتحمل سماع ورؤية طقوس جنازة ابنتها.

"كنت أريد على الأقل حضور جنازتها ولكنهم ما كانوا ليتركوني أفعل ذلك."

أومأت لها بأسف وقلت:" أعرف سارة فقد رأيت زوجك حاضرا في الجنازة بدونك .. تعرفين أنهم عرضوا جنازتها مباشرة على التلفاز."

أومأت بشرود وكأنها تستحضر صور الجنازة لكي تقول بعد صمت قصير:" أجل لقد حضر الجنازة .. ولولا الإعلام الذي كان حاضرا لما تردد فيليب في منعه من أن يكون حاضرا مع أخته في آخر مرة له .. لقد تركه .. تركه يشيع هو الآخر روحه مع ماريا."

"وكيف حال زوجك الآن؟"

فاجأتني عندما نظرت إلي وقالت:" لا أعرف." ثم أردفت بعد برهة:" لقد اختفى عن الأنظار."

ضممت حاجبي لبعض وأنا أسألها:" ماذا تقصدين؟"

"لم أراه إلا صباح يوم الجنازة عندما خرج من البيت وبعدها في التلفاز مثلك أنت ومن بعد لم يظهر .. كدت أجن بالبحث عنه .. إن صديقه المقرب أتى من أمريكا الى هنا من أجل أن يكون معه في مصيبته ولكنه هو الآخر لم يجده فساعدني بالبحث عنه واتصل بجميع أصدقائهم لعل أحدهم يعرف شيئا عنه .. لكن لم يجدوا له أثراً بعد الجنازة .. حتى ايريكا سكرتيرته حضرت الجنازة وتقول بأنها قبل رحيلها رأته آخر شخص قد بقي عند المقبرة بعد رحيل الجميع .. لقد ترك عمله في ظروف صعبة وتركني وترك حياته وذهب .. ولا أعرف الى أين ذهب."

مذكرات مغتربات(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن