الفصل التاسع والثلاثون
حسناء
لم أجد نفسي سوى إني نسيت كل شيء من حولي و أرحب بقبلته تلك بكل شوق لرائحته لدفأه لحبه ولمشاعر ما كنت أعرفها إلا معه .. قبلته كانت و مازالت كالمرهم السحري الذي يشفي كل الألم .. هل يعلم بأنه لو قبلني منذ مدة لنهضت من سبات حزني في المستشفى وتركته بجانبي يرويني من عشقه؟؟ هل يدرك هذا؟؟
لا أظن فلو كان يدرك بمدى تأثري بها لما سأل لماذا لم أريده أن يعرف عن ماضي ولماذا لم أريده أن يقترب مني في المستشفى ولكان قد حطم كل الغضب الذي كان بيننا بمرهمه السحري .. قبلته التي أشفت جروحي.
شعرت بشفتيه تطلقان سراح شفتي بهدوء بعد ذلك الجموح المجنون الذي انهال به عليهما أمام عيون الكل .. وأنا مازلت بين أيدي الشرطة مكبلة منقادة لبيت المجرمين الذي يضم بكل تأكيد أبرياء ضعفاء أمثالي.
نظر إلى عيني بحزن وحب في آن واحد .. فتكلمت أنا حينها وأنا أخفض بصري عنه:" ألست متحرجاً من تقبيل مُجر..."
انتفضت في مكاني عندما فاجأني وبَتَر كلماتي بقبلة أخرى أقوى من سابقتها وهو يضمني إليه غير مدرك بأنه كان يسحق عظامي بين ذراعيه .. يسحقني كم بدت لي كلمة جميلة حينها .. فلغيري قد تكون مؤلمة أما لي فما أحببت غيرها في تلك اللحظات .. سحقه لي تقبلته باستسلام عاشق راغبة فيه بكل جوارحي .. ولكنه كان أدرى مني بجسدي الذي كان يئن ألماً تحت قوة عضلاته ورغم القلب الذي كان عكسه يئن حباً بقبلته تلك .. لكي تتوقف شفتيه عن التهام شفتي بقوة مجنونة ضاربة بكل قواعد التفنن في القبل عرض الحائط لكي تتحول بعدها لقبلة ناعمة يتحرك بها على شفتي بكل نعومة ورقة .. لم يوقظنا من عالمنا ذاك إلا قسوة الواقع حيث الشرطة التي كانت ما تزال تحوطنا ولكي اشعر بان لمسته الحبيبة لذراعي قد شاركتها لمسات أخرى لأيادي قاسية كانت للشرطة التي حثتني على المغادرة .. ونحن نسمع صوت أحدهم منهم يقول:" علينا الذهاب."
لكن دانييل لم يتركني بل أحسست به يزيد من ضغطه على ذراعي ويزيد من التصاقه بي متجاهلاً كلمات الشرطي لكي يسند بعدها جبينه على جبيني قائلاً:" أحبك كما أنت .. أحبك ولن يتزحزح هذا الحب من قلبي قيد أنملة ومهما حصل .. سأفعل المستحيل لإخراجك من هناك .. لن تبقي لا أنت في السجن ولا طفلتنا ستولد هناك وعد مني حبيبتي."
أحنيت رأسي غير قادرة على الوثوق في ذلك الوعد قبل أن أسمعه يقول لي بنبرة متوسلة:" أرجوك أنظري إلي .. أنظري إلي وثقي بي لأنك لم تثقي بي من قبل فإياك أن تحرميني مجدداً من فرصة أن تمديني بثقتك."
"لطالما وثقت فيك دانييل .. كل ما حصل في السابق كان نتيجة لأنني لم أكن واثقة في نفسي وليس العكس."
"أنا وأنت واحد لا فرق بيننا .. إن ثقت بي يعني بأنك تثقين بنفسك .. عديني .. عديني حبيبتي."
"قلنا لكِ هيا أو سنستعمل القوة."
أغمضت عيني بألم لكلام الشرطة ذاك قبل أن أفتحهما عندما سمعت دانييل يقول لهم بنبرة تحولت من الرقة والدفء إلى الوحشية والغضب:" مع من ستستعمل القوة؟؟ مع من هيا اخبرني؟؟ مع امرأة زيادة على إنها حامل."
"أنت تعطلنا .. القاضي أصدر حكمه بأن يكون مكانها الآن السجن."
"دانييل .. دانييل أرجوك." كانت تلك كلمات ويليام الذي نزل درجات المحكمة بسرعة لكي يمسك بذراع ابنه مطالباً إياه قائلا:" دانييل من أجل زوجتك وابنتك لا تُثر المشاكل .. لا تُعقد قضيتها أكثر مما هي معقدة .. أنت عاقل وهادئ وتعرف بأن التهور لن يُفيدك بني."
شعرت بقبضته تشتد على ذراعي وهو ينظر إلي غير ملتفت حتى لوالده والألم متجسد في عينيه .. عندها حثثته قائلة:" والدك معه حق .. إثارة المشاكل لن تنفعك في شيء غير الزج بك في السجن أنت أيضاً."
لكنه فاجأني بقوله:" لو كانوا سيزجون بي في نفس الزنزانة التي ستضمك فاقسم لك بأنني مستعد لهذا بكل لهفة وسعادة."
لم أعرف لما ابتسمت في تلك اللحظة .. ابتسامة مريرة اعتلت شفاهي المحمرة من قبلاته الجامحة .. لكن والده أعاده لرشده بعد أن أفقدته إياه ابتسامتي الغريبة تلك عندما هتف فيه مجدداً:" أرجوك دانييل كن ْعاقلا وفكر بمنطقية .. زوجتك وابنتك تحتاجانك خارج السجن واقفاً على قدميك بكل قوتك حتى تدافع عنهما وتعيد لهما حريتهما وحياتهما الطبيعية بجانبك في بيتك بين أحضانك وتحت رعايتك."
طأطأت برأسي حتى لا يرى ألمي لفراقه ورغبتي بأن يظل معي:" اذهب دانييل فحتى لو افتعلت المشاكل حتى يزجوا بك في السجن سيكون حلماً خيالياً أن يضمونا معاً في زنزانة واحدة."
"إذاً فلتعديني أولاً .. عديني إنك ستثقين في روحنا الواحدة."
صمت ولم أجب عندها كرر كلامه بحسم قائلاً:" لن أتركك إن لم تقومي بوعدي."
"أعدك." قلت تلك الكلمة لكي أرفع رأسي إليه ببطء عندها اقترب مني وطبع قبلة ناعمة على شفاهي من جديد قبل أن أقطعها بنفسي عندما ابتعدت عنه واستدرت للشرطة أحثها على المغادرة حتى لا أتهور أكثر مما فعلت وتجتاحني نوبة من هستيريا البكاء والضعف من جديد وألم الشوق فأبدأ بتوسله أن يظل معي وذلك ما كان مستحيلاً .. وفي التفاتتي تلك لمحت بطرف عيني والدي يراقبني بعين بائسة من أعلى الدرج .. وتمتمت له مع نفسي .. آسفة حقاً آسفة لثورتي عليك ولكنني متألمة لأقصى درجة.
أسيل
سقطت جالسة على الأرض أضم ساقي إلي وأنا أتمتم بصوت متقطع مصدوم:" لقد أطلق النار .. أطلق النار .. رشيد قاتل .. يقتنص أرواح الناس."
"ما الذي تفعلينه هنا؟"
شهقت بفزع وأنا أنتفض في مكاني .. وبقيت منكمشة على نفسي أنظر لذلك الوجه الذي كانت ملامحه مشوشة علي ولم أستطع معرفة أن من يقف أمامي هو الشرطي إلا عندما قال لي:" لماذا صعدت إلى هنا؟ ألم أقل بأن على الجميع البقاء داخل الكنيسة."
لم أجيبه .. وهو الآخر كانت قد رقت ملامحه عندما رأى دموعي والصدمة التي كانت تجعلني أرتعش مع أن أطرافي مجمدة .. لكي يمد يده إلي ويمسك بذراعي يحثني على النهوض من مكاني قائلاً:" انهضي ودعيني أدخلك للداخل .. لا تخافي ستكونين بأمان."
الشرطي المسكين يظنني خائفة على نفسي من طلقات الرصاص التي كنا نسمع دويها .. ولا يعرف بأنني رأيتها تطلق حية بأم عيني .. ومن يطلقها هو زوجي.
على إثر كلماتي الأخيرة والتي كانت كمن صفعتني بقوة تضيف لي حقيقة أخرى مرعبة كنت كمن نسيتها .. إن رشيد ليس فقط الرجل الذي أحبه بل هو أيضاً زوجي .. أنا متزوجة بقاتل .. قبل قليل فقط اتهموني بأنني إرهابية لكي يؤكد لهم رشيد هذا بفعلته هذه فمن تتزوج بقاتل فهي لن تعتبر سوى مثله لا تفرق شيئاً عنه.
استدرت خلفي برعب وأنا استوعب أخيراً معنى وجود شرطي معي في ذلك البرج .. ونظرت إلى سطح تلك البناية .. ولم أعرف هل تلك الزفرة الصغيرة التي أطلقتها من بين شفتي هي تنهيدة ارتياح عندما لم أرى أي وجود لرشيد وللرجل الذي كان يرافقه فوق سطح تلك البناية وكأنه ذاب في الهواء كما يذوب الملح في الماء أم ماذا بالضبط؟؟
"هل هناك من خطب؟؟ لما تنظرين إلى تلك الجهة؟"
"لا لشيء." تمتمت بذلك وأنا أشيح بوجهي عن تلك البناية حريصة على ألا أنظر إلى المقهى و أرى الفاجعة التي حصلت هناك .. يكفيني صدمة أن رشيد كان السبب فيها.
ثم سمعت الشرطي يضيف وهو يجذبني بإصرار أكثر حتى أنزل من البرج:" عودي إلى الأسفل .. ولا تنظري لذلك الشارع فالشرطة هناك تسيطر على الأمور."
نزلت الدرجات بوهن شديد وقلب خاوٍ وأنا أجيب الشرطي بهمسات لم تصل لمسامعه:" بعد ماذا؟؟ الشرطة الآن لا تفعل سوى لملمة الجثث .. لملمة جثتها الصغيرة."
أنت تقرأ
مذكرات مغتربات(مكتملة)
Romansaرواية بقلم المبدعة maroska حقوق الملكية محفوظة للمتألقة maroska