الفصل الثامن

293 14 3
                                    

الفصل الثامن

حسناء،...

"مذكرتي .. لكم تمنيت إخبارها .. لكم ولكم ولكم .. كم من مرة كتبت هذه الكلمة على صفحاتك .. الكثير .. منذ أيام عديدة مرت .. منذ ذلك اليوم الذي وقفت فيه أمام سارة عند باب مكتب والدي .. كنت قد جئت لرؤيته لطلب العون منه .. على الأقل هو يعرف ما حصل معي وما تسبب فيه رشيد لي .. كنت أريد اخباره بأنني رأيت رشيد قريبا مني .. بعد أن هربت منه آلاف الأميال .. لكنني لم أجد والدي بل وجدت في مكانه سارة التي حاولت كثيرا أن تجعلني أفتح قلبي لها .. لكنني لم أستطع .. كنت أتمنى إخبارها لكنني لم أملك القدرة على فعل ذلك .. ببساطة لأنني لم أكن أستطيع اخبار حتى أبي لو وجدته .. كنت متأكدة من أنني حال أن أراه سأعود أدراجي وأعتذر عن ازعاجي له بحجة واهية .. والدليل الآن هو بعد مرور كل تلك الأيام لم أقل لأحد شيء ولا يعرف بوجود رشيد في بلجيكا سوى دانييل .. ومع كل هذا مازلت نادمة لأنني لم أستطع اقتناص الفرصة واخبارها .. شعرت حينها بأن سارة ليست حازمة وباردة كما تظهر لي عادة.. بل في منتهى الرقة.. شعرت بها تستطيع مساعدتي .. لكن الشعور لا يكفي .. أنا أريد شيئا على أرض الواقع ولن أثق في أحاسيسي التي خانتني سابقا عندما جعلتني أحب رشيد .. لكي أصدم فيه شر صدمة .. بل دفعت ثمنها غاليا جدا .. ومازلت أدفعه لحد الآن.
مذكرتي .. أصبحت أسراري ملكك .. فأخبريني .. فدليني على الطريق الصحيح الذي علي أن أتخذه ..
هل أثق في سارة التي أصبحت تولي لي اهتماما غريبا في الآونة الأخيرة .. وكأنها بحاجة إلي هي الأخرى .. اهتماما قابلته أنا بالتحفظ الشديد.
أم أثق في والدي .. والدي الذي يعرف بما حصل معي .. لكنني أراه بعيدا عني بعد السماء عن الأرض؟ كأنه يحاول الهروب من مشاكلي ومن الصدمة التي أخذ منها حقها هو الآخر قبل عدة شهور؟؟
لكني أعود وأفكر بأن والدي لن يفعل شيئا.. غير بضع كلمات سيخرجها من فمه تطمئنني إلى أنني بأمان بجانبه.. فيها وضوح كبير أانني أثقلت عليه بهمومي ومشاكلي.
ودانييل .. دانييل من سابع المستحيلات أن أخبره .. صحيح بأنه قد أصبح صديقي المفضل .. وعلاقتنا توطدت كثيرا في الآونة الأخيرة إذ أنه أصبح مدمنا على تناول الغداء معي والاستماع إلى صمتي الممل .. لكن مع ذلك تعودت على مرافقته كثيرا بل أصحبت أنا الأخرى مدمنة على رؤيته ..
آااه كم هو شعور الأمان جميل .. جميل .. جميل جدا خصوصا إذا كنت قد افتقدته لمدة طويلة .. ولكن مؤلم إذا كنت تسترجعه فقط بحضور شخص أصبح عزيزا عليك وعند رحيل ذلك الشخص يرحل معه ذلك الأمان والارتياح ..
مذكرتي .. هل تستطعين أن تفهمي هذا الشعور؟ هل تستطعين أن تعطيني تحليلا عن حقيقة شخص دانييل .. ما يفعله بي لا يصدق .. فقط بحضوره يحضر الأمان .. يحضر الأمل .. والراحة النفسية .. وعندما يرحل أعود إلى تلك الفتاة الوحيدة التعيسة؟؟
من هو دانييل هذا؟؟؟"
عند ذلك السؤال الأخير .. أقفلت مذكرتي .. ليس له جواب أعرف هذا .. رفعت عيني إلى باب المطبخ حيث كنت جالسة في غرفة الجلوس الكبيرة على إحدى أرائكها الجلدية .. عندما شعرت بقدوم سارة .. ابتسمت لي وهي تتقدم مني .. فرددت لها الابتسامة لكي تتوقف بالقرب من الأريكة التي كنت أجلس عليها وتقول:
" أتريدين تناول الغداء معي .. أعرف بأنه مايزال الوقت مبكرا .. لكنني سأعده الآن لأنني سأخرج بعد ساعتين."
أومأت لها برأسي .. غير قادرة على الرفض .. فإن كنت في الماضي أتجنبها ولا أهتم بها كما كانت لا تهتم بي .. فالآن أنا أخجل منها من دون سبب .. فقط لأنني كلما رأيتها بهدوئها ورزانتها وابتسامتها لي الرقيقة التي تحاول فيها أن تقول لي اقتربي .. فلن تندمي .. كل ذلك يجعلني أحترمها بشدة .. وفي نفس الوقت أحافظ على تحفظي منها .. لكنني الآن لم أعد أستطيع فعل شيء سوى الرد على ابتسامتها بالمثل حتى لو كنت مازلت أتجنبها.
سمعتها تسألني قائلة:
" لما لا ترافقينني إلى المطبخ .. نعد الطعام معا بدل أن تجلسي وحيدة يوم عطلتك في غرفة الجلوس؟"
شعرت بالتردد للاستجابة لطلبها .. لكنني وجدت نفسي أومأ لها بالموافقة بعد ثانية من التفكير الغير المجدي بالرفض منها بلباقة .. جلبت مذكرتي معي .. وعندما دخلنا المطبخ أنا وهي بصمت وضعتها على الطاولة أمام عيني حتى لا يقترب منها أحد .. التفتت إلى سارة التي كانت تسألني قائلة:
"ما رأيك أن نعد شرائح لحم البقر مشوية مع بعض السلطة .. أو الدجاج المقلي مع البطاطس على الطريقة البلجكية .. أو ربما ...."
لويت فمي امتعاضا .. وأنا أشيح ببصري عنها تاركة إياها تفكر في الأطعمة التي يمكن اعدادها .. لقد ماتت حاسة الذوق لدي.. فمنذ أن أتيت إلى هنا وأنا لا آكل سوى الأطعمة الجاهزة أو الأكل المشوي والمقلي على الطرق الأوروبية السريعة .. لا مذاق به .. لا طعم .. أشعر وكأنني أكل البلاستيك ..لكنني لم أستطع أن أطلعها على أفكاري الحقيقية .. لذلك أعدت نظري إليها وابتسمت بتكلف أقول:
"كما تحبين."

مذكرات مغتربات(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن