الفصل السادس عشر

270 12 1
                                    

الفصل السادس عشر

حسناء
" هل الأمر يتعلق بالديانة ؟"
أومأت له وأنا أحرر معصمه من قبضة يدي .. نظرت إليه وقلت بيأس :
" أنا لم أحاول الإبتعاد عنكَ إلا لسببٍ قوي .. لا يمكن أن يكون هناك حب بيني وبين شخص ليس من ديني ."
"لكن هذا الحب موجود بيننا."
هتف بقوة معارضاً كلامي .. لكي أجيبه بسرعة :
"دانييل حاول أن تفهم الوضع .. أجل الحب موجود بيننا ولكنه محرم .. لا أحد سيقبله ولا حتى أنا سأقبله على نفسي .. حاول أن تستوعب ما أشعر به الآن ."
"لكن ما المشكلة أنا أحترم دينكِ ؟"
تأكدت عندها بأنه لا يعرف شيئاً عن الأمر .. تنفست بقوة أحاول تصفية ذهني حتى أستطيع شرح الأمر له بتوضيح أكثر :
" دانييل هذا ليس كافياً .. المرأة المسلمة محرمة على الرجل الذي ليس من دينها ."
أطرق برأسه وبقي صامتاً يحدق أمامه بتعبيراتٍ شاردة لم أستطع قرائتها لكي أعرف فيما يفكر وعندما طال صمته .. قلت وقد شعرت بخيبة أمل كبيرة:
" علي الذهاب دانييل .. أختي تنتظرني في السيارة .. كما إنه عليك الذهاب لعملكَ أنتَ الأخر."
لم يرفض كلامي ذاك بل وافق وهو يومأ برأسه يقول :
" أجل هذا صحيح .. علينا الذهاب ."
شعرت بهزة ألم في قلبي .. شعرت برغبة في الصراخ بأسيل حتى أقول لها .. ( لما أعطيتني أملاً ؟؟ .. لما أملتني في شيء مستحيل لماذا لماذا ؟؟ قلتِ لي بأنه لو أسلم ليس علي أن أهتم لنظرات أو كلام أحد بل علي أن أهتم لسعادتي .. لما جعلتني أفكر كيف أقنع جداي به .. لما جعلتني أمل كثيراً ؟؟"
أثناء صخب أفكاري ذاك نظرت من حولي بضياع لكي أفاجأ بالجميع ينظر إلينا .. وبالنادل يقف من بعيد على إستعداد لكي يتقدم منا عندما أطلنا وقوفنا عند الطاولة بعد ذلك العرض السخيف الذي أقمته أنا في المقهى عندما كنت أصرخ في دانييل باكية وأضرب صدره القوي بكلتا قبضتا يداي .. رأيت وجوهاً أشاحت بنظرها عنا فور أن ظبطتها تحدق إلينا ووجوهاً بعضها كان مستمتعاً لما رأته ووجوهاً أخرى كانت مستهجنة للحب الذي ظهر بين مراهقة بثياب المدرسة ورجل ناضج يكبرها بسنوات عديدة .. لكنني مع ذلك لم أشعر بالخجل بقدر ما كنت أشعر بالألم يفتك بكياني .. أعليّ مجدداً أن أبتعد عنه ؟؟ .. لكنني حقاً لا أستطيع .. تنفست بعمق وكأنني أحاول أن أخرج كتلة الهموم بأنفاسي الحارة تلك والتي كنت أشعر بها تثقل على صدري وكأنها تزن آلاف الأطنان .. خرجنا من المطعم فنظرت إليه ووجدته ما يزال صامتاً ينظر إلى قدماه وهما تخطوان إلى الأمام .. أستوقفته عند الباب وقلت :
" وماذا الآن ؟"
نظر إليّ وفاجأني بإبتسامة صغيرة .. لكي تمتد يده الحانية وتمسد على خدي .. يقول :
"لا تقلقي .. فقط لا تقلقي ."
عندما رأى وجوم ملامحي وشفتاي المطبقتان على بعض بأحباط قال مجدداً بنبرة مصرة لدرجة كبيرة :
" لن أترككِ أبداً .. أبداً ."
وأقترب بعدها مني لدرجة كبيرة كدت أرتد إلى الوراء عندما خفت أن يقوم بفعل متهور أمام الجميع وبالخصوص أسيل التي كانت تراقب كل تحركاتنا وهي داخل سيارتها .. لكنه أراحني وفي نفس الوقت أشعرني بالحرارة والخجل يجتاحاني رغماً عني عندما طبع قبلة رقيقة على جبيني لكي يبعدني عنه حتى يستطيع النظر إلى عيناي بعينيه الخضراوتين .. ثم قال والجدية تعلو ملامحه الوسيمة :
" انا لست مسيحياً ."
نظرت إليه ببلاهة وكأنني أنظر لشيء خيالي .. لكي أرمش بعيني عدة مرات قبل أن أسأله وأنا أبتلع ريقي بصعوبة :
" ماذا تعني دانييل ؟؟"
رفع يده إلى رأسه يمرر أنامله في شعره الأشقر وعلامات الحيرة بانت على وجهه مما زادني ذلك رعباً وأنا أحاول أن أفكر بما ينوي قوله وفي الأخير قال وهو يلوي شفتيه بعدم حيلة :
" لا أعرف كيف أشرح لكِ الأمر."
بصوتٍ مهتز وبجفونٍ لم تتحرك تمتمت بهلع :
" هل أنتَ يهوديّ ؟؟ .. هندوسيّ ؟؟ أو ربما بوذيّ ؟؟"
هتفت في الأخير بعدم تصديق لفكرة أن يكون أيّ من تلك الإحتمالات صحيحاً
"يا إلهي ."
لكنني فوجئت عندما رأيته يحاول أن يكتم ضحكته بصعوبة وهو يرى تحليلاتي تلك التي كنت أقذفه بها بعدم إستيعاب لما ينطقه لساني .. في الأخير تكلم بهدوء وجدية عندما رأى غضبي :
" لالا ليس هذا بالطبع ."
أكمل وهو يتكأ على سيارته الضخمة التي كنا نقف بجانبها :
" أنا عُمدت عند ولادتي في الكنيسة .. ولكنني الآن لا أعتبر نفسي مسيحياً .. فأخر مرة أتذكر فيها أنني ذهبت للكنيسة من أجل العبادة كان منذ أن كنت في العاشرة من عمري .. كنت أرافق والدتي حينها إلى هناك .. لكن بعد أن رحلت عنا لم أشعر يوماً بأنني متدين أو حتى مسيحي .. يمكن القول بأنه لا ديانة لدي .. ثم أنني أخرجت نفسي من المسيحية نهائياً قبل مدة زمن ليست بطويلة كما فعل الكثير غيري على أثر فضيحة الفاتيكان في العالم بأسره لحقيقة تحرشهم الجنسي بالأطفال ."

مذكرات مغتربات(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن