الفصل الثاني عشر

300 17 2
                                    

الفصل الثانى عشر

مددت يدي إلى المرآة التي كانت أمامي ومسحت على زجاجها الذي كان مشوشاً بسبب بخار المياه الساخنة التي استحممت بها قبل قليل .. تساءلت مع نفسي .. من هي هذه الذي تقف أمامي؟؟ أهذه هي أنا؟؟ أهذه أسيل؟؟ أين هما الخدين المتوردين في بشرة وجهي البرونزية بلمعة طبيعية .. لماذا يجتاحني الشحوب وكأنني عدت من الموت .. شفتي اللتان كانت دوماً مثل الكرز ورديتان .. أين هما؟ والأهم عيناي .. أين تلك النظرة القوية .. التي كلها كبرياء وشموخ كلها ثقة؟؟ أين اختفت؟ رفعت أصابعي الشاحبة كحال جسمي كله وبدأت أتلمس وجهي الذي بدا غريباً عني .. شفتي المتورمتان ما تزالان تؤلمانني .. بشرتي متعبة شاحبة .. عيناي منكسرتين محبطتين .. تلمعان بالدموع.

"أبدو بشعة." تمتمت بتلك الكلمات بصوت متحشرج يخلو من الحياة .. أنزلت يدي بضعف كبير وقد شعرت بأنني استخدمت مجهوداً كبيراً حتى أرفعه لوجهي .. بلى أسيل هذه هي أنت .. لم تكوني يوماً جميلة .. المرآة كانت تخدعك .. لكن رشيد هو من أظهر لك حقيقة نفسك التي لم تعد المرآة في استطاعتها أن تخفيها عنك .. أنظري .. أنظري إلى نفسك .. إلى بشاعتك .. كم تبدين قبيحة .. إنها حقيقتك المرة .. فاعترفي بها ..اعترفي بها .. صرخت فجأة وأنا أسقط على الأرضية الباردة:" أجل أجل أعترف بها .. أنا قبيحة من الداخل كما من الخارج." كنت أمسك برأسي بقوة وأنا أبكي وكأنني أريد أن أنزع صوت ضميري الذي كان يعذبني لأنني أخطأت في حق نفسي بالكذب عليها لسنوات .. كنت أريده أن يصمت ويختفي .. أنا أعترف .. يكفي .. صحت بذلك للصوت المعذب الذي كان ينهشني من الداخل بلا رحمة .. استلقيت على الأرض الباردة لغرفة الحمام الكبيرة .. وخصلاتي الرطبة تلتصق بجانبي وجهي ورقبتي بعشوائية .. بكيت حتى ارتوى عطشي.. بل حتى جف حلقي وجفت عيوني من الدموع .. وعندما تعبت وانهرت كلياً .. مسحت دموعي بيد مرتعشة .. نظرت أمامي وأنا مازلت أستلقي على جنبي الأيمن على أرضية الحمام .. وعلى ذلك الرخام الأبيض ارتسمت ذكرى قديمة وكأنها لوحة متحركة لماض جميل حزين في نفس الوقت .. لوحة لطفلة كانت في سنواتها الثمانية الأولى بينما عقلها كان قد حكمت عليه الظروف بأن ينضج أبعد من سنها .. قفطان مزركش بتصاميم جميلة كان ينزل على جسدها الجميل الطفولي .. نظرت لوالدتها التي كانت هي الأخرى في أبهى زينتها بينما شال طويل يحيط برأسها حتى يخفي بعض من ذلك الجمال الهادئ .. كانت تمسك بيدها الصغيرة يتجهان نحو بيتهم في ظلمة الليل بعد أن حضروا عرس الجيران في البيت الذي لم يكن يفصل عن بيتهم سوى بيتان آخران .. قالت لها عندما وصلا لباب بيتهم الصغير الأبيض:" ماما .. أين ذهبت العروس بذلك الفستان الأبيض في نهاية الحفل؟"

"إلى بيتها الجديد .. بيت زوجها حبيبتي .. زوجها هو ذلك الرجل الذي كان يجلس بجانبها والذي تأبطت ذراعه وهي خارجة من بيت أهلها."

بلهجة غير مصدقة صاحت الطفلة الصغيرة:" معقول .. ألن تعود إلى أمها؟"

التفتت إليها والدتها وهي تقول بصبر كبير .. بينما علامات النعاس والتعب بدت شديدة على ملامحها الجميلة والمزينة بإتقان:" ستعود حبيبتي .. لكن فقط لزيارتهم .. فالآن أصبح لها بيت ثان .. كما سيصبح لك أنت فيما بعد عندما تتزوجين برجل تحبينه"

مذكرات مغتربات(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن