الفصل الخامس عشر
أسيل
كنت انظر الى شكلي المنعكس على المراة امامي وانا راضية عليه .. لم يعد ينقصني سوى بضع رشات من عطري واكون جاهزة تماما .. فاليوم علي تناول الغداء مع العائلة ودخيل بدأ يتدرد علينا كثيرا في الاونة الاخيرة مع والدي يبدوا بانه قد كون صداقة قوية معه .. اتمنى لو اني لا ارى وجهه لكنني لم احب ابدا ان ارفض تناول الطعام في الاسفل معهم جميعا حتى لا احرج ابي بدعوته تلك ولا اثبت لذلك الاحمق بأنني أخاف حضوره. أمسكت بيدي قارورة العطر الفخمة لكي ارش ببذخ حولي مستمتعة بعطرها الفواح الذي غمر الاجواء من حولي وتغلغل في انفي بقوة .. اعدت وضعها على طاولة الزينة لكي اتوقف امام المراة انظر الى نفسي بينما افكاري اخذتني الى ذلك اليوم ورائحة عطري تذكرني في نفس الوقت بكلامه في تلك الليلة ...
"عطرك فواح للغاية لدرجة انني عندما دخلت ذلك البيت لفحني الهواء محملا برائحة عطرك."
فتحت عيني على وسعهما غير قادرة على استيعاب كلماته لكي يكمل وهو يقترب بانفه مني :" مازلت اشمه عليك للان."
تمتمت بصوت مظطرب من قربه:" لكنني استحميت بعد عودتي للبيت كيف انك مازلت تشتمه علي؟"
"هذا لانك تفرغين الزجاجة كلها عليك كما اظن." قال ذلك بحدة فاجئتني وهو يرتد للوراء في حركة قصد منها توسيع المسافة التي كانت قد تقلصت كثيرا بيننا .. تلك الحركة التي جعلتني اوقف اظطرابي وهمساتي لكي انهض بقوة من على سريره وقبل ان ابتعد بخطواتي عنه .. امسك بمرفقي .. فالتفت اليه بحدة استفسر عن ما يريده مجددا .. لكي يكمل بصوت لطيف هذه المرة جعل ملامح تلين:" اسيل تاكدي من انني لا انوي اذية اصحاب هذا البيت لا انت ولا والدك او أختاك .. وان شعرتُ بان وجودي بدأ يشكل اي خطر عليكم فسارحل فورا." اضاف عندما راى تحديقي فيه غير مصدقة ما يقول:" انا جدي للغاية."
"سترحل؟" تمتمت بذلك وانا احاول قدر إمكاني الا اظهر له مدى تاثري بكلمته تلك .. لكي يجيبني هو بتعابير حازمة للغاية:" حاليا لم يحصل بعد ما يستدعي هذا."
مططت شفتي في محاولة مني لاستيعاب كلامه وقد شعرت فجاة بالغرابة من نفسي لما كنت احسه بداخلي .. بعدم تقبل ابدا لرحيله مع انني لم افهم حقا ما يعنيه لي سائق غريب الاطوار يعود في الظلام للبيت مصابا بطلق ناري حتى ارفض فكرة رحيله بيني وبين نفسي .. شاهد رشيد تقلبات ملامحي وشرودي وعندها تكلم ثانية يامرني ولكن بطريقة لطيفة تقبلتها اكثر من غيرها:" اذهبي للنوم اسيل ..فانت متعبة."
اومات له وانا اجر خطاي للباب بصعوبة وقبل ان افتحه سمعته يناديني:"اسيل؟؟"
التفت اليه مجددا.. فقال وهو يتكلم بنبرة عرفان بالجميل:"شكرا."
ابتسمت وانا انظر لنفسي في المراة عندما تذكرت ذهولي وصدمتي وانا اراه صباح اليوم التالي يقف بشموخ مع والدي يحدثه في الحديقة بملابسه البسيطة كالعادة ولم يظهر عليه اي تعب او الم حتى انني شككت للحظة بان ما حصل معنا في الصباح باكرا وفي حلكة الظلام لم يكن الا من وحي خيالي وربما كان حلما نسجه عقلي المنهك بكلي ما يحصل معي .. اقفلت فمي بصعوبة عندما التفت الي صدفة ينظر للمطبخ حيث كنت اقف عند نوافذه الضخمة .. فابتعدت عن ناظريه وانا لااستطيع سوى ان اذهل لقوة تحمله العجيبة .. والاكثر انني لحد الان لااعرف ما يمنعني من اخبار والدي عن ما حصل .. لا استطيع .. اشعر بثقة كبيرة في رشيد الرجل الذي ضربني وقبلني بوحشية محطما كبريائي وجارحا لكرامتي .. اشعر بثقة كبيرة بما وعدني به بانه لن يسبب الاذية لنا .. وفي نفس الوقت لااريد انا ايضا اذيته مع انني لا انكر بانني اتمنى لو ادفعه الثمن يوما على ما فعله معي ولكن طبعا ليس لهذه الدرجة الخطيرة بفضح سره.
عندما نزلت الدرج اقتربت من طاولة الطعام الكبيرة كان الكل جالسا عليها في انتظاري لذلك لم احرج لتاخري فقد تعمدت ذلك حتى لا اظهر اي اهمية للضيف جاد وكنت اتمنى لو يفهم مرة واحدة رسالتي بانه غير مرحب به بيننا .. فلا اعرف؟؟ لازلت غير قادرة على مسامحته على تلك النظرات الوقحة التي كان يسلطها على جسدي في ماذبة عشاء ويليام .. ثم كيف أسامحه ونظراته تلك تعود لوقاحتها احيانا عندما ينشغل الجميع عنه في البيت .. جلست بقرب سارة التي كانت تجلس على يمين والدي تقابل جاد الذي جلس على يساره .. بينما حسناء كانت تجلس بصمت لا تنظر الينا حتى .. حالها كان يَصْعُبُ على اقسى القلوب .. لكن لا احد كان يستطيع ان يخرجها من انطوائها ذاك .. اشعر بوالدي سعيد وفي نفس الوقت تعيس .. سعيد لانها نفذت كلامه وابتعدت عن دانييل وتعيس لان حالها تدهور يوما عن بعده .. فهي الان مثل الانسان الالي .. لا نسمع منها غير كلمة نعم وحاضر لوالدي عندما يطلب منها شيئا حتى يجعلها تنخرط في النشاطات الاجتماعية من جديد ولكن تنفيذها لطلباته دوما لا يرضيه ذلك اراه في عينيه كما اراه انا ايضا في عيني سارة .. ولا يرضيني حتى انا .. لم احب ضعفها هذا ابدا واتمنى لو تستطيع ان تقوي شخصيتها اكثر فإما تنسى دانييل نهائيا واما تواجه الكل من اجله هذا ما أراه شخصيا.
بدانا الاكل بعد كلمات من والدي غير مباشرة يعتذر بها بنيابة عني عن تاخري لكي يقابله جاد بكلمات اخرى مجاملة للوضع .. شعرت بانني لااستطيع تنفس نفس الهواء الذي يتنفسه .. لم استحمله وكلماته كانت ثقيلة على سمعي ومجاملاته تافهة ومبالغة بها للغاية .. خصوصا عندما عبر عن لذة الاكل وسأل عن الذي طبخه .. لكي تجيبه سارة بحرج:" للاسف لم اعده انا .. اعده لي طباخ مطعم يجيد طبخ الاكل المغربي."
نظرت اليه لكي اراه يضحك تلك الضحكة البلهاء .. حسنا صراحة الرجل وسيم لديه ملامح عربية ببشرة بيضاء بقوام طويل ورياضي مظهره دوما انيق ببذاخة.. ومع ذلك لا يقارن برشيد .. فرق شاسع بينهما يجعلني استغرب من العلاقة التي قد تكون بينهما .. رشيد اكبر منه بسنوات وذلك واضح كل شيء في رشيد ينطق بالقوة والقسوة وطلته تجعل الجميع يعطيه هبة حتى لو كان فقط بملابس بسيطة على غير جاد هذا .. ايضا فكل شيء فيه جاد ينطق بالمكر والخبث وعيناه لعوبتان جدا .. واقصد بذلك نظراته التي تختلف عند كل واحد فينا .. انه يتلون مثل الحرباء .. فمع والدي يكتفي نظرات الاحترام الشديد والنضج ومع اخوتي الخجل والاطراء ومعي انا .. معي انا قصة اخرى يظهر اسوء ما فيه .. لذلك لا استحمل وجوده ابدا ابدا بل انه يزيد من كرهي له في كل مرة وخصوصا عندما اجاب سارة قائلا " ليس بمعنى انك لم تعديه بنفسك بان ليس لديك دور في هذا الاكل اللذيذ .. يكفي بانك اجدت اختيارطباخ ومطعم يتقن الاكل المغربي في هذا البلد الاجنبي."
ردت سارة على مجاملته تلك بابتسامة صغيرة بريئة منها كالعادة لكي يلتفت جاد بعدها الى والدي ويقول له:" بناتك رائعات سيد عثمان."
شكره والدي بسعادة وفخر لكي يضع قطعة من اللحم المتبل في صحن حسناء ويحثها على الاكل .. وتلك الاخرى اكتفت بالنظر اليه لجزء من الثانية لكي تعيد أنظارها الى صحنها بصمت حزين وهي لم تكمل حتى ربع ما يوجد على صحنها .. بينما انا رفعت عيني حتى اتامل وجه ذلك الماكر احاول ان استكشف السر وراء كل تلك المجاملات البغيضة .. لكي أفاجأ به يتاملني هو الاخر .. قطبت جبيني عندما اغضبتني نظراته الوقحة جدا .. رميته بنظرات يتطاير منها الشرر قبل ان اخفض عيني الى صحني حتى اكمل اكلي بغضب مكبوت بينما رغبة شديدة مجنونة تطالبني بان انهض حالا وافرغ صحني فوق راسه الفارغ ذاك.. لكنها كانت فقط رغبة مجنونة استطعت بمحاولات كبيرة مني كبتها في داخلي واستحمال جلوسي معه على نفس الطاولة .
زفرت الهواء بقوة في المطبخ عندما انتهينا من وجبة الغذاء تلك ونهضت مع الفتاتين بجحة مساعدتهما في اعداد القهوة لوالدي ولضيفه المبجل .. نظرت من نافذة المطبخ الواسعة الى بيت رشيد .. انه ليس هنا .. مختفي كالعادة لايظهر الا عندما يحتاجه والدي .. لكنه عليه ان يعرف بانني لست مطمئنة ابدا لجاد الذي بدأ يحوم حول والدي كثيرا .. صحيح بانني لم اتجرا على سؤاله عن جاد وعن حقيقة معرفتهم ببعض خفية عن الجميع بعد ذلك اليوم الذي احرجني فيه رشيد عندما اخبرني كيف انه يعرف بتجسسي عليه هو وجاد وذلك من رائحة عطري .. لكن هذا لايعني بانني نسيت الامر كما طلب مني .. انا فقط لا املك الشجاعة لسؤاله بل الاصح لا املك الشجاعة لكي اسمع اي جواب منه حول حقيقته هو.
"لما انت شاردة طيلة الوقت؟؟ .. تبدين مثل شبح لا حياة فيه."
استدرت بسرعة مستغربة من صوت سارة الحاد ولم استغرب من ان كلامها كان موجها لحسناء .. نظرت اليها حسناء بضعف وانكسار لكي تكمل سارة بعنف ليس من خصالها:" الم تنسيه .. مازلت تفكرين فيه .. هل انت بلهاء حتى تحبي تعذيب نفسك."
اجابتها حسناء بعند:" ما شانكم بي ان احببت تعذيب نفسي ام لا؟ .. لقد افترقت عنه .. الا يكفيكم هذا؟"
تركتنا ننظر اليها بصدمة وهي تخرج من المطبخ مهرولة لكي يختفي اثارها عنا .. اشفقت عليها كثيرا والمني حالها ذاك .. لذلك خرجت انا الاخرى في اثرها تاركة سارة تقف مشدوهة تنظر الي نفسها وقد بقيت وحيدة بين جدران المطبخ .. وعندما وصلت الدرج اصطدمت بجسد بشري .. رفعت راسي بغيظ اليه .. فقال لي بنبرة لم تنم ابدا عن اسفه:" اسف لم اراك."
غضبت بقوة لجراته وانا اراه يحيط ذراعيه الاثنتين بخصري .. لكنه ابعدهما ببطئ عندما راى نظراتي النارية اليه لكي يرفع يديه في الهواء بحركة درامية وابتسامة خبيثة مرسومة على وجهه وهو يقول:" لا تفسري الامر خطأ امسكتك فقط حتى لاتسقطي جراء اصطدامنا مع بعض."
ابتعدت عنه تاركة مسافة كبيرة بيننا .. ونظرت الى جهة مكتب والدي الذي كان بابه مغلقا عليه .. لكي التفت الى جاد وانا اسمعه يقول:" كنت اريد الذهاب الى الحمام."
قلت باختصار حاد وانا اشير بسبابتي للتجاه الاخر:" الحمام هناك.. وانت تعرف هذا جيدا لانها ليست المرة الاولى التي تاتي فيها لبيتنا"
استدرت بعدها لكي اصعد الدرج بهدوء تاركة اياه واقفا في مكانه وانا اشعر بنظراته من خلف ظهري تلاحقني .. لكن حال ان وصلت الى اعلى الدرج خطوت بسرعة باتجاه باب غرفتها الذي كان مغلقا .. ترددت كثيرا في طرقه وكدت ان اعود ادراجي لولا انني فكرت .. هل انا قاسية لهذه الدرجة؟؟ لدرجة ان اتركهها تموت حزنا وببطئ معذب وانا انظر اليها؟؟ انا اكبر منها .. انا اقوى منها وكل هذا يدل على انني استطيع مساعدتها . فهي تحتاج للشجاعة .. لمن يبث فيها القوة وانا قادرة على هذا .. امعقول ان ابخل به عليها؟؟
وكجواب على اسئلتي طرقت على باب غرفتها بيد واثقة مما تفعله .. لكنني لم اسمع اي جواب لكي اتكلم بصوت حرصت على ان يصل اليها فقط .."افتحي الباب حسناء؟"
زممت شفتي بغضب عندما لم تجبني وانا اقول لنفسي بحنق( هذه الفتاة تجيد حقا تجاهل الاخرين) لكنني لم اتردد في المحاولة ثانيا وقبل ان اناديها مرة اخرى .. مددت يدي الى مقبض الباب بيأس .. اشك بان الباب ليس مقفلا من الداخل .. وللمفاجاة فتح الباب اذ لم يكن مقفلا .. فاطليت برأسي لكي تتقابلا عيني مع عينيها وهي جالسة على سريرها تضم الى صدرها كتاب ما .. اتضح لي فيما بعد وهي تفلته من يدها بانه دفتر .. دفتر مذكرات على ما بدى لي .. لم اهتم بذلك الدفتر الذي سقط على السرير بل اهتممت بها هي التي ركضت بسرعة حال ان راتني ادخل الى غرفتها الى الحمام واقفلت الباب عليها من الداخل قبل ان استطيع الوصول اليها .. غضبت لتصرفها الطفولي ذاك لذلك استدرت حتى اخرج بغضب من غرفتها وانا الوم نفسي على عطفي عليها .. لولا انني توقفت في اللحظة الاخيرة عندما سمعت نشيج بكائها وكانه سمفونية من الحزن والشجن .. اثرت علي .. اثرت علي ببكائها ذاك وبطريقة غريبة جعلتني اقفل باب غرفتها علينا لكي اتقدم من الحمام الملحق بغرفتها .. جلست ببطئ على الارض واسندت راسي على باب الحمام لكي اسئلها بهدوء قائلة:" اتحبينه؟"
.......................
حسناء
تجمدت الدموع على وجنتي وعلقت شهقاتي في حلقي عندما سمعت سؤالها ذاك ..وفكرت ما هو الجواب على سؤالها؟؟ سؤال تهربت منه كثيرا منذ أن تعرفت على الوجه الحقيقي لدانييل .. الجواب هو انني لا اعرف .. اجل انا لااعرف بما أفسر مشاعري .. في البداية سَهُل علي الامر بان افسر ما اشعر به ناحية رشيد خطيبي السابق بالحب ولا اعرف لحد الان هل كنت فعلا احبه بينما انا الان اشعر فقط بانني لا اريد ان اراه ثانية؟؟ لكن بالنسبة لما يتعلق بدانييل فانا اجد صعوبة جدا في تفسير مشاعري ناحيته.. انها مشاعر غريبة علي معقدة للغاية يصعب فهمها ويفرح ويؤلم الشعور بها في نفس الوقت ..
"صَمتِ ثانية؟"
"حسناً." قالتها بهدوء على غيرطباعها النارية التي تجعلها حادة اللسان طيلة الوقت .. اكملت بنفس ذلك الهدوء الغريب عليها وهي تقول:" انت لا تعرفين هل تحبينه ام لا؟ وانا اسوء منك .. انا لا اعرف حتى ما هو الحب؟؟ فلطالما ومازلت استغرب من تلك الكلمة .. حرفين يفعلان بالناس العجائب .. لا استطيع ان استوعب كيف يمكن للشخص ان يقتل نفسه حزنا من اجل شيء اسمه حب .. او تعرفين انت ما المميز فيه؟؟ بل بماذا جعلك دانييل تشعرين حتى تصبح الحياة امامك سواداء بدونه؟؟ هل يستحق كل هذا؟؟"
"واكثر." اجبتها بتلقائية ومن دون تفكير لكي اكمل وانا اجلس على الارض الباردة اتكا بظهري على الباب وارخي راسي عليها انظر الى سقف الحمام وانا لا ارى شيئا امامي غير صورته هو الذي نسجها خيالي امامي لكي اردف بحالمية مدافعة عن حزني وتعاستي لفراقه :" منذ الصغر وانا اسمع باننا لا يمكننا ان نعيش بلا روح .. روحنا هي حياتنا .. لكنني لم أكن اعرف معناها حقا.. الا الان .. اشعر بانني بنفسي نزعت روحي عني .. فطريقي في الحياة كانت مظلمة منعدمة من النور .. لكن بدخوله البسيط اليها انار دربي فيها .. اعطاني هدفا للعيش بعد ان كنت يائسة من السعادة .. حببني في الحياة عندما كنت كارهة لها .. جعلني اتذوق طعم روح الحياة .. ذلك الطعم الذي لم اذقه يوما .. جعلني ارى العالم بعينيه جميلا رقيقا يستحق ان نبذل مجهودا لابل ان نحارب لكي نعيش حلوه ومره."
"كيف؟"
سَألتْ ذلك اسيل من وراء الباب الذي كان يفصل بيننا .. لكي اجيبها بصدق "لقد جعلني بأيام قليلة أجن لقربه وامقت بعاده .. اشتاق له ان اختفى عني فقط لدقيقة واظل احسب الساعات والدقائق والثواني لطلوع شمس اليوم الثاني حتى أراه .. ابتسامته كفيلة لمحو كل خوف في قلبي .. نظراته تجعل وجنتاي تلتهبان من الحرارة .. ليست نظرات وقحة مثل الرجال الاخرين .. انما فقط نظرات ولهة بعيناي .. اشعر به ينظر الي وكانني بدر في سمائه ينظر الي باختلاف شديد عن الاخرين .. كل شيء جميل فيه .. نظراته كلماته لمساته ..." توقفت عن الكلام عندما اهتزت مشاعري بقوة وانا اغمض عيني اتذكر لمساته لكي تحثني أسيل على الاكمال بصوت خافت قائلة:" كيف هي لمساته؟"
" لمساته حنونة جدا ورقيقة للغاية .. تجعل قلبي يرفرف بشعور جميل لم اجربه من قبل إلا معه."
نزلت دمعة حارة على وجنتي شعرت بها مؤلمة للغاية وكانها تقول لي .. انظري اصبح دانييل وكل شيء فيه ليس اكثر من ذكريات راسخة في عقلك تعذبك ليل نهار.
"اذا كنت تشعرين بكل هذا .. فاظن بانك تحبينه."
نهضت بسرعة من مكاني لكي ادير قفل الباب وافتحه .. فوجئت هي الاخرى بخروجي المفاجأ فنهضت بسرعة تقف على قدميها فهي الاخرى كانت جالسة على الارض تتكأ مثلي على باب الحمام الذي كان يفصل ظهورنا عن بعض .. صحت فيها باعلى قوتي ولاول مرة:" اجل .. ان كان هذا يسمى حبا فاجل انا احبه .. هل انت سعيدة باعترافي هذا؟؟ .. اعتراف لن ياتي باي نتيجة بل سيزيد فقط من عذابي."
لم تتحرك فيها ولا عضلة واحدة في وجهها المتناسق الملامح ردا على ردة فعلي المنفعلة معها .. لكنها في الاخير استدارت لكي تقترب من سريري وتجلس عليه ثم قالت ببرود مستفز:" انت جبانة وغبية ايضا."
هتفت فيها بقوة:" لكن ماذا علي ان افعل؟؟"
اجابت بسهولة:"ان تدافعي عن سعادتك ام تريدين قتل نفسك في هذه الغرفة التي يبدوا بانها ملت وجهك نتيجة اختفائك فيها طيلة الوقت حتى لاتواجهي واقعك."
حركت رأسي يمينا ويسارا وانا انظر اليها بضبابية من بين دموعي لكي اقترب منها .. وقفت امامها وقلت بصوت حاولت ان يكون واضحا بجهد كبير:" انا اعرف بانه يلومني لانه يظن بانني تخليت عنه واعرف جيدا كيف تفكرين الان .. قلت غبية لماذا؟؟ اعرف الجواب .. لانني تخليت عنه من دون ان اوضح الامور .. لكن هل تعتقدين حقا بان الوضع كان سيتغير لو علم بما جعلني افترق عنه ؟"
فهمت اسيل قصدي لذلك أومأت لي بهدوء برأسها .. فاكملت حينها قائلة:" لكن يا اسيل لا اظن بان دانييل سيسلم .. صحيح بانه يحترم ديني ولكنه لم يتحدث يوما عن الدين .. بالاضافة الا انني لا يمكنني ان اجتمع به حتى لو اسلم .. سابقى محرمة عليه .. انت لاتعرفين جداي كيف يفكران .. بل لاتعرفان الناس كيف تفكر في مجتمعنا .. ربما اي امرأة اخرى ترتبط بشخص اسلم لتوه سيكون الامر عاديا لها ولكن ليس بالنسبة لي انا .. اتعرفين ماذا سيقول الجميع عني؟؟ .. سيقولون لم تجد من يستر عارها غير اجنبي لا يهمه الامر .. هكذا سينظرون الي .. اتعرفين ما معنى هذا؟؟ معنى بانني ساجلب العار لجداي لوالدي لكم جميعا هناك اكثر مما جلبته .. اتعرفين سبب قدومي الى هنا .. هروبا من المجتمع الذي كانت نظراته تؤلمني اكثر من ما حصل لي .. فكيف اتجرأ على العودة بزواج سيكون فضيحة في اعينهم لا غير؟؟"
كنت ارى اسيل وهي تفتح عينيها على مصراعيهما لكي تتمتم بصوت متقطع من الذهول لكلامي:" مالذي تقولينه؟؟ عن ماذا تتحدثين يا فتاة؟؟"
……………….
سارة
وضعت فناجين القهوة بحدة في الحوض بعد رحيل جاد .. كنت غاضبة من نفسي لاقصى درجة مما فعلته .. شعرت بالندم وفي نفس الوقت كنت اشعر بانني قلت الحقيقة لا اكثر .. على احد ان يوقظها مما هي فيه كما استيقظ منه انا كل يوم لكي اعود الى ذلك الحلم عند رؤيتي لعيناه .. تنفست بعمق وانا ارفع نظري الى الاعلى .. هذا ابدا لا يشفع لي ما فعلته مع حسناء .. ان كنت غاضبة من نفسي فليس علي ان افرغ غضبي في حسناء حتى لو كانت ترتكب نفس خطئي انا .. لا اعرف ما يحصل لي .. اصبحت اغضب كثيرا في الايام الاخيرة .. اشعر بظغط كبير على مشاعري .. كله بسببه .. فقد اصبح رقيقا جدا في معاملتي في المكتب .. اكثر من الاول .. نظراته تذيبني في مكاني ولا استطيع ان افهمها وفي نفس الوقت اموت غيرة لزيارات صونيا المتكررة لمكتبه.. عندما يكون الباب مقفلا عليهما .. يُصبح عقلي وخيالاتي يعملان بلا هوادة .. اعرف بانه لايجب علي التفكير بما يفعلانه بالداخل لكنني حقا لااستطيع وفي نفس الوقت تلك الخيالات والاحتمالات العديدة تتعبني وتنهك قواي وتحطمني كليا .. نهضت من صوت افكاري على صوت كعبي حذاء اسيل القويين وهي تخطوا داخل المطبخ .. فالتفت اليها بسرعة اضم حاجبي الى بعض واسالها قائلة:" اين اختفيت؟"
"كنت مع حسناء اتحدث اليها." غضنت جبيني اكثر مما كان عليه وانا اراها تبدو على غير طبيعتها كانت هناك لمحة حزن في عينيها وغضب ايضا .. لكنها سرعان ما علت تقطيبة جدية جبينها وهي تكمل قائلة:"اريد ان اتحدث اليك بشان حسناء."
"ماذا هناك؟"
اجابتني وهي تقترب بخطوتين مني:" لقد عاملتها بقسوة قبل قليل .. هي لاتستحق هذا."
لم استوعب طريقة حديثها لذلك قلت لها:" هل هي من اشتكت لك .. هل اصبحتما مقربتين فجاة ومتحالفتين ايضا ضدي؟"
نظرت الي ببرود لجوابي ذاك لذلك اردفت قائلة:" انا لست نادمة على ما قلته لها .. انها تعيش في الاحلام .. احلام لن تتحقق يوما احلام تجعلها تعيسة وتعذبها."
"هل يا ترى انت تطبقين النصائح التي تعطينها لغيرك؟ هل انت استيقظت من احلامك؟"
على الوجوم ملامحي وزممت شفتي بغضب عندما اكملت قائلة:" اسمعي سارة .. انا لست غبية .. انت غاضبة جدا ومتوترة هذه الايام يبدوا بانك لا تستطعين أن تستيقظي من احلامك فتحاولين اجبار غيرك على نسيانها كما تتمنين لنفسك .. او ليس كلامي صحيح؟"
"ماذا تعنين؟" هدرت بحدة ناكرة كلامها فتكلمت بهدوء اكثر من قبل وهي تنظر الى عيني مباشرة وكانها تتاكد من الحقيقة في عيني لا في شفتي اللتان تقذفان كلامي:" سارة نحن نعرفك جميعا في البيت .. لكن خارج البيت لااحد يعرف مالذي يحصل معك هناك .. انا متاكدة بان لديك احدا في حياتك وذلك الشخص متاكدة ايضا بانه من طينة دانييل."
علق لساني في حلقي وتجمد في مكانه .. لم اشعر بانني قادرة على اخراج اي كلمة من فمي لا بل لم احس بانني استطيع ان افكر باي كلمة اجيب كلامها الذي لمس الحقيقة .. حقيقة لا ادري كيف عرفتها هي .. هل اسيل نظرتها الينا بكل هذا العمق ونحن نظن بانها لاتهتم لرداة فعلنا ولحياتنا؟. كنت شاكرة جدا لابي عندما دخل المطبخ فجاة قاطعا علينا حديثنا ذاك الذي وتر الاجواء بيننا وهو يقول:" اريد التحدث اليكم يا فتاتي؟"
اجبت عنه انا عندما طلب منا ان نتبعه للصالة حتى يتحدث الينا رافضة بلطف ذلك:" اسفة ابي هل يمكنك ان تقول هنا ما تريد .. لانني بعد دقائق علي الذهاب لكي ازور امي .. تعرف افعلها كل عطلة اسبوعية."
زفر الهواء بملل وانزعاج من كلامي. حركته تلك حاولت تجاهلها وانا اجلس على كرسي المطبخ بقبالته .. بينما اسيل انتبهت لحركته تلك هي الاخرى حيث نظرت اليه بعينيان لم اسبر غور نظراتهما .. لكي تبقى واقفة عند باب المطبخ .. التفت اليها والدي .. فوجدها لم تتحرك من مكانها .. لم يتحدث اذ عرف بانها لن تجلس معنا .. غريب تلك الفتاة كل مرة اقول بان الامور تتحسن بينها وبين والدي اصعق من انها تتارجح مرة اخرى للوراء .. ففقط قبل يومين كانت سعيدة جدا عندما اعطاها سيارته الرياضية وذلك عندما اعادت امتحان السياقة على حسب قوانين هذه البلاد .. والان تبدوا بانها قد نسيت هديته تلك وعادت الى برودها معه من جديد.
"اتعرفون لما اصبح جاد يتردد كثيرا عيلنا في الاونة الاخيرة؟"
التفتنا جميعا لاسيل التي قالت بنزق:" سؤال اتمنى ان يجيبني احد عليه."
تجاهل والدي وقاحة اسيل في كلامها عن جاد واكمل:"لقد اعرب لي عن رغبته في ان يخطب ابنتي .. يريد موافقتها .. حتى يتقدم للخطبة رسميا ويتعرفا على بعض بطريقة كما تدعي الاصول والعادات."
أنت تقرأ
مذكرات مغتربات(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المبدعة maroska حقوق الملكية محفوظة للمتألقة maroska