الفصل الأول

24 1 0
                                    




ألقت الشمس بأشعتها الدافئة على مدينة يناسّا، عاصمة مملكة البلور، في ذلك الصباح البارد ككل صباح يطلع على المدينة.. فتلألأ القصر الواقع على ربوة مرتفعة بفعل تمازج النور بجدران القصر البلورية الشفافة.. وخفقت الرايات على أبراج القصر بنعومة وهدوء.. بدا منظر القصر المتلألئ فوق الربوة الخضراء خرافياً وكأنه ظهر من إحدى القصص الخيالية..

وفي داخل ذلك القصر، بدأت الحركة تدب رويداً رويداً في ممرات القصر وجوانبه والخدم والجنود يسارعون لتأدية أعمالهم اليومية دون إبطاء.. وفي أحد الممرات المفروشة بالسجاد السماوي المزخرف، أخذ الجنود يسارعون للاصطفاف على جوانب الممر وهم يحنون رؤوسهم ويتصلبوا في وقفتهم تبجيلاً للمارة أمامهم..

سارت الأميرة بي ناريا (ابنة البلور بلغة هذا الكوكب) على السجاد الغليظ دون أن تعير الجنود أدنى  انتباه، حتى وصلت إلى إحدى الشرفات، فدلفت إليها متأملة المدينة الناعسة التي بدأت تتحرك وتمد يديها إلى الشمس طلباً للدفء..

وضعت بي ناريا يديها على حد الشرفة البلوري.. وضغطت عليه رغم برودته التي تغلغلت عبر بشرتها الناعمة.. لكنها لم ترفع يديها وكأنها مستمتعة ببرودته وهي تتأمل المكان حولها.. حتى وقع بصرها على صورتها المنعكسة على أحد الجدران البلورية الصافية.. كانت بي ناريا ذات وجه دائري أبيض ببشرة صافية تكاد ترى الدماء تجري في عروقها.. يحيط الوجه شعر أسود غزير منهمر كالليل بطول ظهرها كله.. وعيناها واسعتان بحدقتين زرقاوين تنافس البلور المواجه لها في الزرقة والنقاء.. أنفها مستقيم ملكي بشمم.. وشفتيها حمراوان كالدم.. ويكمل ذلك الجمال قامتها الرشيقة وخصرها الصغير.. التمع الرضى في عيني بي ناريا وهي تتلمس خصلات شعرها الأملس وتتأمل نفسها بإمعان.. كانت جميلة.. خلقت بهذا الجمال الفتّان الذي لا يناسبه إلا العرش البلوري.. وهذا ما كان يؤكده لها والدها دائماً.. من غيرها يستحق أن يكون وريثاً لعرش المملكة الشاسعة التي تضم أرجاء الكوكب البلوري بأكمله؟ ابتسمت وهي تتخيل نفسها جالسة فوق العرش والتاج الملكي على رأسها يزيدها جمالاً..

صحيح أن جمالها لم يكفها أبداً لتنال حب ورضى الشعب عنها.. لكنها لم تهتم يوماً بهذا.. رغم ترديد والدها الملك في كل لحظة من لحظات حياتها أن رضا الشعب هو الأهم، لكنها ترى في هذا مبالغة شديدة.. ما الذي سيعنيه لها رضى الغوغاء وهي جالسة على العرش، وهو أمر حتمي لا تشك بحدوثه؟..

سمعت في تلك اللحظة صوت باب الشرفة يفتح، فالتفتت بانزعاج لترى المتطفل على خلوتها، والتي لا يجرؤ أحد على قطعها إلا والدها ووالدتها، وهما نادراً ما يفعلان ذلك.. لكنها رأت شاباً فارع القامة وسيم القسمات يدلف عليها بابتسامة قائلاً "كيف حال أميرتي هذا الصباح؟"

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن