الفصل الثامن

12 1 0
                                    




في صباح اليوم التالي، انتشر الضباب الكثيف مغطياً الأفق ومتسللاً بين الجدران المتهدمة يزيدها وحشة.. ورغم أن الضباب يوفر لهم تغطية ملائمة، إلا أن القلق استعمر الثوار وهم ينتشرون بين الأطلال مراقبين ما يمكنهم مراقبته وسط الصمت التام.. ظلت بي ناريا قلقة بدورها وهي تتوقع هجوماً للجنود في أي لحظة، ولما رأت الثوار يتجمعون حول رئيسهم، أسرعت تقترب منهم لتعرف ما الذي يخططون له.. فسمعت الرئيس يقول لهم "سأرسل خمس فرق عليها أن تجوب المنطقة حولنا وتتحسس الجنود.. كل فريق مكوّن من رجلين، وعليكم التزود بالأسلحة احتياطاً لأي مواجهة قد تتم بينكم وبين الجنود إن عثروا عليكم.. لكنني أشدد على تلافي الاشتباك معهم قدر المستطاع، وأن لا تكشفوا وجودكم لهم.. كونوا حذرين أشد ما يكون.."

ونادى رجاله بأسمائهم معيّناً كل رجلين كفريق ومحدداً وجهتهم.. وكما توقعت بي ناريا كان هارولان من ضمن إحدى تلك الفرق.. ولما امتطى هارولان التوكور ماراً بها ورأى وجهها قال "علام كل هذا القلق؟"

خفضت بصرها دون أن تجيبه وإن بدا انفعالها واضحاً على وجهها، فابتسم قائلاً ليطمئنها "لا تقلقي.. هي مهمة استطلاعية ليس إلا.."

تنحّت عن طريقه بصمت لينطلق مع رفيقه بسرعة في وجهتهما.. ولما ابتعدا قال الرجل لهارولان ملاحظاً الابتسامة التي شاعت على وجهه "لم كل هذه السعادة؟ هل قالت لك شيئاً لم أسمع أنا؟.."

قال هارولان "بلى، قالت لي الكثير.. ألم تفهم معنى نظراتها هذه؟ إنها تعني لي أكثر مما تتخيل.."

أما بي ناريا فقد جلست قريبة من الرئيس متوترة، تستمع إليه يلقي بتعليماته لرجاله صامتة.. وتتأمل المكان حولهم بحثاً عن جندي يباغتهم أو فوهة سلاح توجه إليهم.. كان الانتظار والترقب أصعب من المواجهة، لكنها لم تكن تملك من أمرها شيئاً وهي جالسة بانتظار المجهول.. وبعد مرور ساعة وهم في قمة توترهم، سمعوا طلقاً نارياً تردد صداه في الأجواء محطماً الصمت، تبعته عدة طلقات من جهة بعيدة.. وقفت بي ناريا والقلق يغزو ملامحها بينما هبّ بعض الرجال إلى ظهور التوكور ليستكشفوا الأمر.. لكن الرئيس استوقفهم قائلاً "لا تغامروا.. قد يؤدي ظهوركم إلى كشف موقعنا وتعريضنا للخطر.."

تساءل أحد الرجال "وماذا عن رجالنا هناك؟"

أجابه "إنهم قادرون على حماية أنفسهم.. لا أريد التضحية بالكل لأجل شخصين.."

رغم قسوة قوله إلا أن أحداً لم يعترض عليه.. أما بي ناريا فقد أخذ القلق ينهشها وهي لا تدري في أي اتجاه ترددت تلك الطلقات.. أهو في اتجاه هارولان؟ ولو كان كذلك هل سيكون بخير؟.. هذه المرة اعترفت لنفسها بحقيقة كانت تتفاداها.. إنها تخشى عليه.. تخاف أن يصيبه مكروه ولا تعلم لماذا.. قطبت وهي تفكر في سبب كل هذه المشاعر التي لم تعرفها سابقاً، لماذا تهتم به وهي بالكاد تعرفه؟ ألأنه أبدى بعض اللطف تجاهها منذ ابتدأ الآخرون يعادونها؟ ألأنه مدح جمالها وكرر ذلك دون أن يردعه جفاؤها؟ أم لأنه شعر بما لا تعترف هي نفسها به من دواخلها؟.. ألأنه لمس ضعفها الحقيقي وشجعها على الاعتراف به؟.. لا تدري حقا ما تصف به شعورها، كل ما تعرفه أن اهتمامها به يتجاوز اهتمامها بأي شخص آخر..

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن