دار هارولان بالتوكور قرب سور المدينة الضخم، والذي يرتفع عالياً مغطياً المنازل والقصور التي يضمها في قلبه تغطية تامة.. ظلت بي ناريا تنظر لتصرف هارولان بتعجب وهو يحث التوكور على السير رافعاً بصره بين فينة وأخرى ليتأمل أبراج المراقبة الموزعة على مسافات متساوية وقريبة من بعضها.. ثم غمغمت "كيف تنوي أن تتسلل للمدينة؟ هل تنوي القفز من فوق السور بالتوكور؟"لم يبتسم لمزاحها وهو يقترب من إحدى القنوات المائية التي تعبر المدينة والسور لتنطلق وسط الساحات العشبية حتى تصب في بحيرة صغيرة تتوسط الغابة القريبة.. كانت المدينة تمتلك سبع قنوات مائية موزعة بشكل متساوٍ في أنحائها مستغلة كثرة المصادر المائية الطبيعية قرب يناسّا من بحيرات وأنهار ومنابع.. علقت بي ناريا وهي تراه يراقب المكان "لا تفكر في الأمر.. القنوات محمية ببوابات حديدية تمنع المتسللين للمدينة، وإلا ما فائدة الأسوار إذاً؟"
غمغم "هل تصمتين قليلاً حتى أنتهي؟ لست بالحمق الذي تظنينني به"
أطبقت بي ناريا فمها بشيء من الحنق.. لماذا يعاملها الجميع كشيء مهمل لا داعي لاعتباره؟.. وبعد لحظات صمت طويلة، ترجل هارولان عن التوكور وهو يقول "تظاهري بأنك تعبئين الماء في الحاوية لديك"
تبعته نازلة من التوكور وتناولت الحاوية من جرابه، لتنزل الدرجات القليلة المؤدية إلى القناة المنخفضة، وانشغلت بتعبئة الحاوية بالماء وهي ترى هارولان يغسل وجهه من مياه القناة التي كانت على شيء من البرودة قبل أن يغمغم "سنبقى هنا حتى حلول الظلام.. ثم سنسلك طريقنا إلى المدينة عبر هذه القناة.."
قالت بي ناريا مقطبة "هل سمعت شيئاً مما قلته قبل قليل؟ كيف تنوي تجاوز البوابة الحديدية؟ وألم تلاحظ أن ستة جنود على الأقل يراقبونك من الأبراج القريبة؟"
لم يعلق على اعتراضها، فزفرت بضيق وهي تجلس على حافة القناة صامتة.. ولم تلبث أن رمت حذائيها جانباً ودلّت قدميها في الماء متأملة نقاوته ومستشعرة برودته.. تنهدت وهي تود لو ترمي نفسها في الماء، فقد مرت عدة أيام منذ حظيت بحمام نظيف، هذا إن كان يمكن اعتبار ما تستخدمه في الوكر حماماً.. التفتت إلى هارولان لتجده يقترب ممسكاً بلجام التوكور ليقربه من الماء ويسمح له بشربه.. كانت تودّ لو تلحّ عليه بالسؤال عن خططه، لأنها تخشى أن يقعا في قبضة الجنود وهي قاب قوسين أو أدنى من النجاح.. لكنها عزفت عن ذلك مع معاملته الجافة لها وتجاهله لتساؤلاتها..
مر وقت ليس بالقصير وهما يتشاغلان قرب القناة متظاهرين بانتظار رفع الحظر عن المدينة.. ولكن عندما غابت الشمس وعمّ الظلام التام المكان، كان هارولان وبي ناريا يتسللان مقتربين من سور يناسّا ومن الفتحة التي تخترقها القناة عبر السور والمحمية بباب حديدي قوي ذو أعمدة غليظة.. أشار هارولان لبي ناريا لتبقى مختبئة في موقعها، ونزل إلى القناة العميقة بهدوء وغاب فيها تماماً..
أنت تقرأ
بي ناريا
Fantasy((رواية خيالية)) التمع الرضى في عيني بي ناريا وهي تتأمل نفسها بإمعان.. كانت جميلة.. خلقت بهذا الجمال الفتّان الذي لا يناسبه إلا العرض البلوري.. وهذا ما كان يؤكده لها والدها الملك دائماً.. من غيرها يستحق أن يكون وريثاً لعرش المملكة الشاسعة التي تضم أ...