الفصل الثالث

10 1 0
                                    




لم تدر بي ناريا كم دامت بها الغيبوبة التي خلفتها صدمة عمرها.. لكن عندما عاد إليها الاحساس بما حولها كان أول ما شعرت به هو البرودة في جسدها وقسوة الفراش تحتها.. هبّت جالسة مما أثار الدوار في رأسها فأمسكته بيديها وهي تفتح عينيها ناظرة لما حولها بصعوبة.. كانت الإنارة خافتة في الغرفة الصغيرة الموحشة.. جدرانها مطلية بلون قاتم يزيد المكان كآبة.. والمكان خالٍ إلا من سريرٍ قاسٍ فوقه لحاف خشن مهترئ، ما إن رأته حتى هبّت واقفة باشمئزاز.. ودارت بعينيها في الغرفة المقرفة بالنسبة لها وهي التي لم تر من الغرف إلا أفضلها وأجملها وأوسعها..

تنامى الغضب أكثر وأكثر في صدرها وهي تستعيد ما حدث منذ دخول مانيم مع الرجل الغريب إلى قاعة العرش حتى نهوضها في هذا المكان.. وبخطوات حانقة أسرعت إلى باب الغرفة وطرقته بقوة صائحة "افتحوا الباب.. لا يمكنكم فعل هذا بي.. ليس أنا.. ليس بي ناريا.."

لم يستجب لها أحد وهي تطرق بيديها الاثنتين وصراخها يزداد "ستنالون العقاب إن لم تخرجوني.. أيها الحراس.. اخرجوني وإلا كانت غضبتي عليكم عظيمة"

فُتِحت فتحة صغيرة في الباب يطل منها أحد الحراس وهو يقول "اهدئي يا امرأة.. الصراخ سيضرّ حنجرتك بلا فائدة.."

صرخت في وجهه "امرأة؟ أنا مولاتك أيها الحقير.. أخرجني وإلا أمرت بقطع رأسك مع أول خطوة أخطوها من هذا الباب"

قال الحارس بدون انفعال "لا داعي للصراخ.. إنها أوامر الملك مانيم.."

فوجئ بها تدفع يدها من الفتحة محاولة الإمساك به وهي تصيح "تباً لك.. أتجرؤ على تسميته بالملك؟ هذا التافه يصبح ملكاً ويرميني أنا في السجن؟"

ابتعد الحارس عن الفتحة وهو يقول متوتراً "الكل في القصر أصبح يعرف بأمرك وأمر تزييف الملك السابق لحقيقتك.. لا نستطيع تجاهل أوامر مانيم مع كل الإثباتات على أحقيته بالعرش"

ثم أغلق الفتحة ليتركها في الظلام وهي تصرخ راكلة الباب "كلا.. هذا غير صحيح.. تلك لعبة من ألاعيبه.. كان دائماً يطمح للعرش وهو بارع في الاكاذيب"

وتهاوت على الأرض ودموعها تجري على خديها وكلماتها تخرج من بين نشيجها "كان دائماً يلهث خلفي ويحاول كسب رضاي.. إنه يكذب.. يكذب.. سيعود ذليلاً إليّ من جديد وعندها سأرفسه.. لن أرحمه أبداً"

تدافعت دموعها بغزارة وهي تنظر حولها في تَيْه قائلة "انا لا أستحق هذا.. لم أفعل شيئاً في حياتي لأستحق هذا.. لماذا يا أبي.. لماذا مت وتركتني الآن.. لماذا كذبت عليّ؟"

وأغرقت في نشيج مرير وهي تسند ظهرها إلى الحائط دافنة رأسها بين ركبتيها مرددة بدون ملل "لماذا يا أبي.. لماذا يا أبي.. لماذا؟"

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن