بدأت الشمس رحلتها نحو المغيب، صابغة الموجودات بألوان نارية مذهلة.. ورغم ذلك لم يبدُ لهذا المنظر المبهر من تأثير على الثوار الذين استمروا في طريقهم والصمت يعلوهم كالعادة.. وكذلك لم تكد بي ناريا تراه وفكرها مشغول بهارولان.. كانت عدة ساعات قد مضت منذ غادرها، وهو قبل رحيله لم يقل لها كم ستستغرق مهمته تلك وأين موقعها بالضبط..وقبل الغروب، التقى الثوار بإثنين من رجالهم قادمين من إقليم سيرالدا القريب حيث قال أحدهما للرئيس بعد توقف المركبات "لقد استطلعنا الطريق حتى دخولنا إلى إقليم سيرالدا، الطريق آمن تماماً ولا أثر لحركة مشبوهة للجنود فيه.."
وأشار إلى موقع في الخارطة التي يملكها الرئيس مضيفاً "هذا موقع آمن يمكنكم قضاء الليلة فيه.. إنه بعيد عن أي طريق مستخدم، وأقرب قرية تبعد عنه أميالاً.. حتى لو أشعلتم النار فلن يعرضكم هذا لخطر.."
قال الرئيس "أحسنتم عملًا.. سنتجه إلى هذا الموقع على الفور.. يمكنكم المضي قدماً في طريقكم وسنلتقي عند حدود إقليم يانا"
غمغمت بي ناريا متسائلة وهي تسمع نقاشهما "إلى أي مدىً أرسل الرئيس رجاله في استكشاف الطريق؟"
أجابها تيمين "لقد أرسل عدداً من رفاقنا لاستكشاف الطريق بطوله إلى يناسّا، والبحث عن أنسب الأماكن وأءمنها لمبيتنا.. إن التحرك بمجموعة كبيرة من الثوار من الخطورة بمكان.. وهجوم الجنود علينا يعني القضاء على مجموعة كبيرة منا دون قتال"
قالت "لكن الجنود هجموا علينا في هيمانيا ونجونا بأقل الخسائر"
قال "لو فكرت في الأمر جيداً لوجدت الجنود قد استعجلوا بإطلاق النار علينا.. لقد قادنا الدليل إلى هذا الكمين عمداً وأوحى لنا أنها بقعة آمنة.. ولو انتظروا حتى نزولنا عن ظهور التوكور لكانت خسارتنا بالغة.."
عادت تسأله "وماذا عن أجهزة الإرسال؟ الثوار يملكون عدداً كافياً منها كما رأيت في المخبأ.. فلم لا يستخدمونها في التواصل بدل قطع المسافة هذه كلها ذهاباً وإياباً؟"
أجاب تيمين "حذر الرئيس الشديد دفعه لاتخاذ هذه الخطوة.. إمكانياتنا التقنية متدنية، ولن يصعب على مانيم التنصت على حواراتنا بإمكاناته التقنية العالية.. وهذا ليس في صالحنا بالتأكيد.."
غمغمت بغير تصديق "هذه مبالغة في الحذر.."
قال تيمين "بل هي مبالغة في الحرص على حياة كل هؤلاء الذين تقع مسؤوليتهم عليه.."
استمرت القافلة بالتحرك في طريق جديد بإتجاه البقعة التي حددها الرجال على الخارطة.. ولم يكد الظلام يخيم عليهم حتى كانوا قد استقروا في معسكر صغير بعيد عن الطريق ووسط الاشجار التي تناثرت مانحة المكان وحشة أكثر.. لم تتعود بي ناريا على قضاء الليل في أحضان الطبيعة، لذلك ما إن يحل الليل حتى تشعر بأن المناظر البهيجة والجميلة صباحاً تتحول إلى لوحات موحشة وكئيبة تفزعها.. ومهما تغير المنظر تظل الوحشة هي ذاتها.. ورغم ذلك، شعرت هذه الليلة بالوحشة تزداد وبالغابة تكاد تطبق على أنفاسها.. تعجبت من حالها.. أهذا بسبب غياب هارولان عنها؟.. تذكرت ما كانت عليه وما كانت تؤمن به في حياتها كأميرة في يناسّا.. أهذا هو الحب حقاً؟ ما الذي يجعلها تشعر بالأمان لوجود رجل بعينه؟ رغم الكثيرين المحيطين بها والذين لا تشك أن أحدهم سيحميها من أي خطر يتهددها، لكنها في تلك اللحظة لم تشعر إلا بحاجتها لوجود رجل واحد.. شعرت بصدرها يضيق بأفكارها وتفكيرها المنحصر في هارولان.. ماذا لو أخطأت الظن به؟ ماذا لو كان قاسياً؟ لو كان نذلاً كما كان مانيم؟ ألن تنكسر روحها إن حدث شيء من ذلك؟ ألن تفقد ثقتها بنفسها وتلعن قلبها الذي تذلل بحثاً عن الحب؟..
أنت تقرأ
بي ناريا
Fantasía((رواية خيالية)) التمع الرضى في عيني بي ناريا وهي تتأمل نفسها بإمعان.. كانت جميلة.. خلقت بهذا الجمال الفتّان الذي لا يناسبه إلا العرض البلوري.. وهذا ما كان يؤكده لها والدها الملك دائماً.. من غيرها يستحق أن يكون وريثاً لعرش المملكة الشاسعة التي تضم أ...