الفصل الرابع

8 1 0
                                    




لم تكن الشمس قد بانت بعد عندما شقّت طائرة ملكية السماء المظلمة.. لا يسمع لها صوت إلا أقل القليل ولا يرى منها إلا أنوارها التي تدل عليها.. وفي الطائرة، قال والي سربين لقائدها "كم بقي من الوقت قبل أن نصل إلى سربين؟"

قال قائد الطائرة "القليل يا سيدي.. نحن على مشارف الإقليم وتبقت لنا ساعة لنصل إلى عاصمته.."

قال الوالي بتذمر وهو يتململ في جلسته "هلّا أسرعت قليلاً؟ هناك أمر عاجل ويجب أن أحضره مع بداية الصباح.. أي تأخير غير مقبول بتاتاً"

لم يجب القائد وهو يغمغم متطلعاً إلى أجهزته "ما هذا؟"

قطع تساؤله صوت انفجار في الهواء هزّ الطائرة والقائد يدير المقود مغيراً اتجاهه، بينما تساءل الوالي بذعر "ماذا حدث؟"

قال القائد دون تصديق "إنهم يحاولون إسقاطنا.."

صاح الوالي "من؟ من؟.."

أما بي ناريا فقد فوجئت باهتزاز الطائرة بعنف مما جعلها تنكمش مغمغمة "أي قائد يطير بطائرته بهذا العنف؟ لو كنت الملكة لجردته من عمله على الفور.."

عاد الاهتزاز بشكل أعنف وقد خيّل إليها أنها سمعت انفجاراً يليه صراخ من غرفة القيادة.. ازداد توترها وهي تحاول فتح الصندوق دون أمل عندما تسربت إلى أنفها رائحة الاحتراق الواضحة الناجمة عن الانفجار مما زاد من ذعرها.. هل احترق المحرك؟ هل تعرضوا لهجوم ما؟ مستحيل.. هل الطائرة تهوي؟.. مستحيل.. مستحيل..

ظلت بي ناريا تهمس لنفسها بهذا وهي ترتجف وتشعر أن توازن الطائرة لم يعد ثابتاً وكأنها تهوي بسرعة نحو الأرض.. حاولت مرات ومرات أن تفتح الصندوق وهي تصرخ منادية وقد بات اهتمامها باختبائها منعدماً.. ثم جاء الارتطام القوي الذي تضعضعت له أجزاء المركبة وهي تصدر صريراً قوياً وهديراً صمّ الآذان قبل أن تفقد بي ناريا وعيها لقوة الارتطام..

وعندما فتحت عينيها، بعد مدة لا تعلمها، صدمت بي ناريا للهدوء والسكون اللذين يحلان بها، بالإضافة إلى الظلام الدامس.. وبعد سقوط الطائرة العنيف لم يبق لديها تعقل وهي تصرخ وتضرب جوانب الصندوق بقوة بيديها.. لم يعد يهمها أن ينكشف أمرها، ولم تخشَ من محاولة إعادتها للقصر ولمانيم.. كل ما كانت ترغب به أن تخرج من هذا الصندوق الشبيه بالقبر.. صرخت وصرخت حتى بحّ صوتها دون أن تجد استجابة.. بينما انتشر الألم الحارق في ذراعيها لكثرة ما ضربت بهما الصندوق الثقيل..

يبدو أن الصناديق كانت محصنة بشكل جيد كي لا تتأثر من الاهتزازات أثناء الطيران أو الهبوط، وهو ما حافظ على حياتها.. كما أن تصميم الطائرات الحديث يجعل أي احتراق يصيبها ينحصر في جزء بسيط ولا يتعداه إلى باقي الطائرة، وإلا لقضت بي ناريا نحبها محترقة أو على الأقل مختنقة.. لكن هل هو حظ حسن؟ يصعب قول هذا وهي في هذا الصندوق المغلق بإحكام..

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن