تمايلت الحقول الشاسعة التي التمعت تحت نور الشمس الدافئة بفعل نسمات الهواء التي حركتها برقة.. فبدت وكأنها خيوط ذهبية تنثني لتلمس الأرض بخفة ثم ترتفع منتصبة من جديد.. وفي الطريق الحجري الذي يعبر بين الحقول سارت فتاتان تحملان سلالاً من الفاكهة في طريقهن لمنازلهن وإحداهن تقول وهي تعدل من وضع الوشاح الذي يمنع شعرها من البعثرة بفعل الهواء "لقد حان الوقت مرة أخرى هذا العام.. يبدو أن أوان حصاد الحقول قد أزف سريعاً وسينشغل الجميع بهذا العمل.."علقت الفتاة الأخرى وهي تتأمل الحقول مبتسمة "رغم التعب الذي نلاقيه، إلا أنني أحب رائحة هذه الحقول.. وما إن ينتهي الحصاد حتى أفتقد مرأى هذه الأمواج الذهبية اللامعة.."
كاد وشاح الفتاة الأولى يطير بفعل الهواء الذي ازدادت قوته شيئاً ما، مما جعلها تسقط سلتها في محاولتها الإمساك به، وتناثرت فاكهتها تسابق بعضها البعض في الطريق المنحدر، والفتاة تصيح "لا.. فاكهتي.."
ضحكت الفتاة الأخرى وهي تساعدها في التقاط ما تطاله منها.. بينما تذمرت الأولى وهي تركض خلف فاكهتها المتدحرجة، حتى توقفت عند قدمين اعترضتاها وسط الطريق.. فرفعت الفتاة رأسها لتطالع فتاة أكبر منها عمراً، ترتدي ثوباً أبيض بسيطاً وقبعة تظلل وجهها من الشمس، فيما ينسدل شعرها الفاحم الطويل خلف ظهرها في تباين ملفت مع ثوبها والهواء يلاعب خصلاته بنعومة.. لم تتفوه الفتاة الأولى بكلمة وهي تقف بعد أن جمعت فاكهتها.. فلاحظت في يد الفتاة الغريبة بعضاً من الفاكهة، مدت يدها بهم إليها وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها، فتناولت الفتاة ذات الوشاح الفاكهة وهي تبادلها ابتسامة مترددة..
كانت الفتاة الأخرى قد وصلت قرب رفيقتها، وبعد أن جمعتا ما سقط منهما تطلعتا إلى الغريبة التي أكملت سيرها صاعدة الطريق الحجري بصمت وعبقها يملأ أنفيهما.. فهمست الأولى "أهذه هي؟"
أومأت الأخرى موافقة وهي تضيف بهمس "أجل.. رأيتها عدة مرات عندما كنت أذهب برفقة أمي لمساعدتها في منزلها.."
غمغمت الأولى "حقاً إن فتيات العاصمة يختلفن اختلافاً كلياً عنا.. هيئتها وجمالها واهتمامها بمظهرها.. كل هذا يجذب الأنظار ولا شك.. بم تنادونها؟ هل تجبركم على مناداتها بمولاتي؟"
قالت الفتاة الأخرى مبتسمة وهما تكملان طريقهما "بل نناديها بي ناريا.. فقط بي ناريا"
أما بي ناريا، فقد سارت صاعدة الطريق المار بين الحقول والمؤدي لهضبة صغيرة مشرفة على المحيط الشاسع خلفها.. وبعد سير قصير، كانت تقف على الهضبة تتأمل المحيط بمياهه شديدة الزرقة وهي تضرب الصخور تحتها بصوت مدوٍ.. اشتدت الريح قليلاً مبعثرة شعرها، فسارعت للمّه من جديد وإرساله على صدرها وهي تتخلل خصلاته الناعمة بأصابعها كما اعتادت دائماً.. تنهدت وهي سارحة في الأمواج المتتالية لا تشعر بنفسها وفكرها يدور حول كل ما مرت به منذ الليلة التي غادرت فيها يناسّا الأحب إلى قلبها.. ورغم اعتراضها وإضرابها فور وصولها إلى بيران، إلا أن الجو الهاديء والطبيعة المذهلة التي تراها تتبدل كل يوم بشكل خيالي، قد جعلها تهدأ نفساً وهي تفكر عميقاً في حياتها..

أنت تقرأ
بي ناريا
Fantasy((رواية خيالية)) التمع الرضى في عيني بي ناريا وهي تتأمل نفسها بإمعان.. كانت جميلة.. خلقت بهذا الجمال الفتّان الذي لا يناسبه إلا العرض البلوري.. وهذا ما كان يؤكده لها والدها الملك دائماً.. من غيرها يستحق أن يكون وريثاً لعرش المملكة الشاسعة التي تضم أ...