الفصل الثاني

15 1 0
                                    




سارت بي ناريا في أرجاء جناحها الجديد الشاسع وهي تتأمل زواياه.. كان هذا الجناح حتى البارحة يخص والدها الحبيب.. لكنه اليوم أصبح لها.. كلما تلفتت إلى أية  جهة تراءت لها صورة الملك السابق وهو ينظر لها بحب أبوي لا يمكن إغفاله..

تنهدت وهي تقف قرب النافذة الضخمة المواجهة للشمس التي بدأت رحلتها نحو الغروب صابغة الموجودات بلون ملتهب.. كانت النافذة تعطي منظراً شاملاً لجزء كبير من المدينة، والتي كان والدها يهوى الوقوف عندها مطولاً ليتأمل مدينته الحبيبة..

تنبهت بي ناريا على اقتراب إحدى وصيفاتها التي قالت بصوت هادئ "مولاتي.. جميع الترتيبات قد تمت لانتقالك إلى هذا الجناح.. فقط بقي القليل من......"

قاطعتها بي ناريا "دعوا كل شيء مكانه.. سأبقى في جناحي السابق.."

بهتت الوصيفة لثوان قبل أن تقول "لكن مولاتي.. هذا هو الجناح الخاص بملك المملكة.. جميع الملوك السابقين ومن ضمنهم والدك الملك الراحل سكنوا هذا الجناح.. ولا يعقل...."

قاطعتها بي ناريا مجدداً "لهذا سيبقى هذا الجناح خالياً، محتفظاً بذكرى أروع ملك شهدته المملكة.. لا أريد رائحة الملك أن تزول من هواء هذا المكان"

انحنت الوصيفة قبل أن تغادر لتباشر تنفيذ أمرها.. فيما تقدمت وصيفتان أخريتان ساعدتا بي ناريا على ارتداء المعطف الملكي، الذي صمم مسبقاً خصيصا من أجلها، وهو من قماش مخملي ناعم بلون سماوي مشرق، مطرز بخيوط مذهبة ومرصع بمختلف الجواهر الرائعة البريق..

ثم البستها الوصيفة تاجاً بلورياً سماوياً مرصعاً بالألماس بمختلف الأحجام والأشكال فوق شعرها الفاحم المصفف بعناية.. نظرت بي ناريا إلى صورتها في المرآة المقابلة.. لم يكن المعطف والتاج يغطيان جمال وجهها بل يزيدانه بهاءً.. شعرت بالثقة التي يشوبها غرور لم تحاول كبحه وهي تستدير مغادرة الجناح ووصيفاتها ينحنين لها وهن يباركن لها أول يوم تتولى فيه حكم المملكة الشاسعة..

وفي قاعة الحكم، التي امتلأت ثناياها بالوزراء وبعض حكام الأقاليم ممن كان في العاصمة في تلك الأيام والأشخاص ذوي المناصب الرفيعة، والذين تجمعوا لتعزية بي ناريا بوفاة الملك السابق وتهنئتها بتوليها الحكم.. دلفت بي ناريا بشموخ وهي لا تلتفت الى أحد من الحضور حتى جلست على عرشها المذهب حيث وقف المستشار الأول عن يمينه.. كانت بي ناريا قد أمرت باختصار حفل التنصيب إلى أقل ما يمكن حزناً على والدها الراحل.. فاكتفت فقط بالاجتماع بذوي المناصب لأداء قسم الولاء لها دون مظاهر صاخبة واحتفالات باذخة.. أما الملكة الأم فقد فضّلت عدم الاشتراك في الحفل لحزنها الشديد..

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن