الفصل العاشر

8 1 0
                                    




في تلك الليلة، ظلت بي ناريا مستيقظة لا يغمض لها جفن وهي تفكر في كل ما حدث.. تفكر في مانيم، الذي لم يكتف بتحطيم حياتها، بل استغل اسمها واسم والدها لتحطيم حياة العشرات والآلاف من المسالمين في هيمانيا.. وهي حقاً تستحق الاتهام لأنها عميت عن رؤية حقيقته.. ورغم أن المستشار حذرها بكلمات مبهمة، لكنها لم تتعب نفسها في تقصي الحقائق لتُجنّب نفسها وشعبها هذا الظلم.. بدت لها مأساتها لا تقارن بمأساة هارولان الذي فقد كل شيء، وكل من أحبهم.. ومع هذا كانت تراه في الوكر دائم الابتسام والضحك مشيعاً البسمة من حوله.. الكل أحبه والكل اعتبره كمثل أعلى في تحمل المصاعب والمضيّ قدما.. أما هي فقد عاملت الكل بجفاء، ومنذ خسرانها لجميع ما تملكه فقد تزايد جفاؤها وتكبرها على الآخرين.. وكأنها تستحق معاملة خاصة لمجرد أنها هي..

لم يحبها أحد قط لذاتها، بخلاف والديها الذي كان حبهما غير مشروط.. وبخلاف هارولان الذي تخلى عنها فور معرفته لشخصيتها، إثباتاً أنها كبي ناريا لا تستحق أي حب أو احترام..

تنهدت بي ناريا بمرارة وهي تتأمل السماء السوداء فوقها عندما سمعت خطوات تقترب منها.. التفتت أملاً في أن ترى هارولان يقترب منها كعادته، لكنها رأت الرئيس يقف غير بعيد عنها قائلاً "لقد وافق الأغلبية على مرافقتك لنا شرط أن تعاونينا بالشكل الذي ذكرته.. ولو كانت هذه خدعة منك فأنا لن أحميك من غضبة رجالي.."

قالت بي ناريا بهدوء "أعطيك كلمتي كملكة سابقة.. ستحصلون على الخرائط فور وصولنا إلى القصر.."

هز رأسه موافقاً واستدار ليغادر، لكنها سألته "وهارولان.. هل وافق؟"

قال وهو يبتعد "سيرضخ في النهاية.."

ملأها الحزن وهي تفكر فيه من جديد.. كيف تمسح الماضي؟.. لو استطاعت أن تستبدل مُلْكها بعائلته التي قتلت لوافقت على الفور.. فملكها الآن لا يساوي في نظرها بسمة ترتسم على شفتي هارولان..

تنهدت من جديد وهي تحاول الاستسلام للنوم ملقية بنظرة على جوين التي نامت غير بعيد عنها.. أما الجنديين فقد تناوبا على حراستها بصمت.. فأغمضت بي ناريا عينيها وهي تسلم عقلها لنوم إجباري استعداداً للغد..

كان موقع بي ناريا متطرفاً عن البقية لذلك لم ينتبه الثوار للحركة الخافتة التي دارت هناك بعد انتصاف الليل بقليل.. صوت شهقة مكتومة تصدر غير بعيد عن موقعها.. وصوت جسد هامد يلقى خلف إحدى الاشجار.. وصوت خطوات تتسلل مستغلة الظلام ونوم الجميع.. وبعدها صوت شهقة بي ناريا المكتومة وهي تشعر بمن يكبل حركتها ويضع منديلاً برائحة قوية على أنفها وفمها.. وقد تسببت شهقتها لدى استيقاظها فزعة في تنشق المزيد من المادة التي خدرت جسدها بسرعة وعقلها يغيب عن الوعي خلال لحظات..

بي نارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن