3- مِسيو الشِّيخ!

190 28 37
                                    


سُبحانَكَ اللهم رَبَّنا
تُنجي عِبادكَ

بالليلِ نُذنِبُ ذَنبنا
وبالنِّهار تُنزِلُ أستاركَ

غُفرانكَ اللهمَّ رَبَّنا
اغفِر لجميعِ عِبادِكَ

- رغد أيمن

_______________

في شَقَّة "عُديّ"، حيثُ أفاقَ مِن نَومه، واستحمّ.. ثم ارتدى ثياباً صيفية مُكونة من قميصٍ قُطنيٍّ باللون الرماديّ، وبِنطالٍ باللون الأسود، وصفَّف شعره الأسود الكثيف بعناية.. ثم جلس على الأريكة باسترخاء، ينتظرُ وفودَ طلبته..

ربع ساعةٍ، وسمع جرس الباب يرنّ، تلاه دُخول ثلاثة شبابٍ، وإلقائهم السَّلام عليه.. قبل أن يتَّخذوا أماكِنَهم على الكراسي..

- امّال فين زميلكم الرابع، عَيّان ولا ايه، مقاليش حاجة؟!

ابتلعوا ريقهم جميعاً، قبل أن يستلم واحدٌ مِنهم قيادة الحَديث، قائلاً بنبرةٍ مُتلعثمة:
- أصل يا مِيسو، هو يعني..

هنا، وابتسم "عُديّ" باتساعٍ وقد فَهِم ما يَدور جيّداً!
فهذا الشابُّ الذي تغيَّب، هو ذاته الذي نصحه "عُديّ" في المرة الفائتة عن حُرمانيّة حديثه مع الفتيات!
يَبدو أن الفَتى لم يُعجِبُه الأمر، فلجأ لتركه نهائياً..

عقد الثلاثة حواجبهم، وقد شعروا بالدَّهشة تتملّكُهم حين استمعوا لضحكات "عُديّ" التي ارتفعت..
ما لَبث مُعلِّمهم أن تراخىٰ بمَجلسه بعدما كان مُعتدلاً.. ثم بدأ حديثه قائلاً بنبرةٍ أقرب للتهكّمِ:
- ايه يا شباب، عيب عليكم! فاكريني ابن امبارح ولا ايه؟! ببساطة، زميلكم ده أنا نصحته نصيحةً ما، لأني مُستحيل أقول ايه هي.. ايه اللي حصل؟ هوب هو معجبتهوش النصيحة.. بس كدة؟ إطلاقاً، هو طِلِع من عندي لأني قِفل ومُعقَّد، ومش فَرفوش ولطيف زي ما هو عايز!

ثم صمتَ ثوانٍ يأخذُ أنفاسه، وهو يُجيلُ بصره بين الثلاثة يَرى أثر حديثه على وجوههم المَصدومة، من كيفيّة معرفته لذلك الأمر.. فأكمل هو بهدوء، وهو يعودُ بجسده للأمام حتى يكون قريباً من الطاولة التي تفصلُ بين أربعتهم:
- مُشكلتنا إننا بنبقى عايزين اللي يطبّلنا على غلطاتنا.. أو على الأقل مينبّهناش أنه ده غلط! غير كدة هيبقى وِحش وقِفل ومكلكع!
ومُشكلتنا برضو إننا بنتعامل مع الذنوب كأنها تجربة! "ايه ده، معوقبتش يبقى اشطا أكمّل في الذنب! ايه ده، ربنا ابتلاني، يبقى هسيب الذنب ده مؤقتاً كدة لحد ما ربك يفرجها".. نسأل الله العافية والله يا شباب!

ثم تنهّد بعُمقٍ، وهو يفتحُ الكتاب الذي أمامه ويبدأُ بالشرح لهم، حتى لا يُضيع وقتهم أكثر من ذلك..

_______________

بعد ساعتين وبضع دقائق، وبعد انتهاء "عُديّ" من الشرح، أو امتحانهم..
ظلَّ "عُديّ" جالساً باسترخاءٍ على الأريكة، بينما يجمعُ طلبته حاجياتهم..

إلا أنه لاحظ التردد الواضح، لواحدٍ منهم.. حتى أن زميله صاح بتساؤل:
- ايه يا عم، أنتَ سرحت! مش يلا عشان نمشي؟!

ولكن الآخر أجابه بهدوء:
- بُص، استنوني تحت.. أنا هسأل المِسيو على حاجة كدة وجاي!

هَزَّ زميله رأسه بالإيجاب.. وما إن خلا المكان إلا من "عُديّ" وطالِبه.. تحدث الأخير ببعض التوتر:
- كُنت عايز آخد رأي حضرتك في حاجة خارج المادة.

أشار له "عُديّ" برأسه باهتمام، وقد ارتسمت على ثغره ابتسامةٌ هادئة..

فقال الشاب بعدما تنهّد:
- أنا عارف أنه لِسة بدري شوية على تفكيري ده، بس أنا كُل ما بقولهم في البيت إني بفكّر أدخل كُلية معينة هما مش حابينها، يقعدوا يقولولي إنها ملهاش لازمة، أو ملهاش مُستقبل كويس.. فـ يعني أنا كنت حابب حضرتك تديني رأيك!

اتسعت ابتسامة "عُديّ" أكثر، وقد شعر بالسعادة أن هناكَ من يرغبُ برأيه، بل ويُقدّره أيضاً!

أخذ "عُديّ" نفساً، وأخرجه بهدوء قبل أن يقول:
- مبدأياً، هو التخطيط لمُستقبلك ده مش شيء له وقت مُعين، إطلاقاً!
ثانياً بقا، موضوع الكُلية.. أنا بس هوجّهك لكام حاجة مُهمة لازم تعملها..
١- إنك تعمل اللي عليك في المُذاكرة، بحيث أياً يك نتيجتك ايه، تبقى مُتأكد إنك سَعيت بما فيه الكِفاية.
٢- ادعي ربنا يختارلك الخير، لأنه مهما كُنت حابب الكُليّة، أو شايف إنها جميلة.. ربنا ﷻ، وحده العالم بالخير ليك.
٣- ولنفترض يا عَمّ أنه جاتلك كُلية مش حاببها؟! هتفضل تبكي على اللبن المَسكوب، ولا الصح إنك تاخد كورسات في مجالات مُختلفة، ومش عيب أصلاً إنك تشتغل شيء تاني غير شهادتك.

استمع الشابُّ جيداً لحديث "عُديّ"، قبل أن يشكره بحفاوةٍ على مُساعدته بترتيب أفكاره.. وبعدها جَمع حاجيته وخرج من المنزل براحةِ بال..

_______________

تساقطت الأيّامُ، كتساقطِ أوراق الشَّجر في فصل الخَريف.. حتى مَرَّ أسبوعٌ كامِل، وأتى يومُ الجُمعة التالي!

- قوم يا ابن الموكوسة، شوف اللي بيسأل عليك، قوم يضنايا!

فَتح "عُديّ" عينيه ببعض النُّعاس، وهو يُجيبُ والدته بعدما جلس على السَّرير:
- ليه بس يا ماما تشتمي نفسك، حصل ايه؟!

حرّكت الأم شفتيها بحركةٍ سوقيّةٍ تنمُّ عن السخرية، وهي تُجيبه بتهكّم:
- حصل ايه؟! أنتَ يا واد مالك ومال البِت المِسلوَعة دي!

عقد حاجبيه بشدّة، ورفع خُصلات شعره بأصابعه وهو يقول بعدم فهم:
- بِت مين يا ماما، هو أنا عُمري كَلّمت بنات؟! فيه ايه أنا مش فاهم حاجة!

- البِتّ اللي اتخانقت معاك الأسبوع اللي فات! أم "رانيا" جارتنا بتقول إنها عمّالة تزعق في الشارع، وحالفة توديك قسم الشرطة!

يُتّبع...

*****

🫣👀

سالخير، متنسوش تقولولي رأيكم، والڤوت اللطيف بتاعكم👀🩵
وبإذن الله بدايةً من الفصل القادم الفصل يِطوَل عن كدة وأحداث ضرب نار.☄️

مع السلامة🫣

خَطّانِ لا يَلتقيان!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن