* خدام الحاجة زهرة
الثانية فجرًا شتاء ١٩١٠
خرج من وسط حقول الشامي إلى الطريق الرئيسي الترابي يتلفت حوله وهو ممسك ب لمبة الجاز رقم ٩ التي اوقدها عند خروجه من بيته
أكمل طريقه بجانب حافة المصرف المائي يسمونها(( مجرة طورينة)) حتي سلك أحد الحقول مرة اخرى وهو يفسح بيده بين عيدان الشامي الطويلة يكاد يرى تحت قدميه
حتى خرج من الحقل ليجد أمامه وعلى مرمى البصر أشخاص يجلسون أمام مسجد كبير وبجانبه مقام وملتفين حول نار للتدفئة
زاد من وتيرة سيره حتى وقف أمامهم والدخان يخرج من فمه من شدة البرد قائلا
_ السلام عليكم
الجالسون: وعليكم السلام يا حاج رمضان اخرت ليه
رمضان: معلش كنت في الأرض
وقف احد الرجال وهو يمسك بيده قنديل شامي قائلا: هو احنا هنبدأ امتى الجو رصريص والرجاله تعبانين
رمضان: طب يالا بينا يا سيد
سيد مشيرًا للرجال : يالا بينا يا رجالة
هم الرجال ومعهم ادوات الحفر وقطعوا الطريق الترابي امامهم حتى وصلوا إلى منزل كبير من الطوب اللبن ينتظرهم أمامه رجل يرتدي عمة بيضاء وقفطان بلون رصاصي ويمسك بيده لمبة جاز عكس ضوئها ظله على جدار البيت من الخلف
ظل يشير للرجال المقتربين منه حتى وصلوا عنده
رمضان: السلام عليكم يا حاج ابراهيم
إبراهيم: وعليكم السلام يا رمضان.....جبت الرجالة
رمضان: ايوه...... اهم وجاهزين بالعدة
إبراهيم: فهمتهم هيعملوا اي ؟!
رمضان: ايوه وجايبين العدة وكل حاجة
ابراهيم: عفارم عليك ..... حنحفر جوه وهنشوف هيودينا فين
رمضان: طب ندخل الأول لحسن حد يشوفنا
ابراهيم: يالا بينا يا رجالة
تقدم الحاج ابراهيم الرجال دخولًا إلي باحة المنزل الكبير المبني من الطوب اللبن ثم قادهم إلي غرفة تقع في النصف الثاني من المنزل الكبير وقد كان مقسم لنصفين
أقاد الحاج ابراهيم عدة شعل بأحد غرف المنزل المقرر الحفر بداخلها
الحج ابراهيم وهو يشير بيده إلي الأرض للرجال هنحفر هنا اربعة متر
رمضان: يالا يا رجالة على بركة الله
بدأ الرجالة بالحفر لمدة تقارب من الساعة ونصف حتى وصلوا لما يشبه الباب الخشبي فنادى
أحد الرجال من الحفرة ويدعي عويس
عويس: اي يا حاج رمضان نرفع ولا اي
ابراهيم: شيل يا ابني
سيد وهو رئيس العمال: بس احنا متفقناش على كده يا حاج رمضان احنا اتفاقنا كان واضح احنا نحفر وبس لكن نشيل وندخل والكلام ده ملناش دعوة بيه
رمضان: اهدى يا سيد
ابراهيم: بس اللي هيطلع كتير وانتو عارفين ....... مش هترجع بعدين تقول انت والرجالة فين ناصيبنا
سيد: وانت فكرك في حاجة هتطلع......انا مش غبي يا حاج ابراهيم انا عارف اللي فيها صحيح انا مش من البلد بس عارف
ابراهيم: عارف اي ؟!
سيد: عارف حكاية مسجد الشيخ ياسين والسراديب اللي تحته اللي بتوصل لأكتر من كنز في اكتر من أرض في البلد وان الرجالة قبلنا حاولوا ينزلوا من الطريق اللي تحت المسجد ومعرفوش وماتوا تحت زي ما انا عارف ان الحاج احمد العمدة محرج ان حد يحاول بس ينبش في الموضوع
ابراهيم: ومين قال اننا بنحفر علشان السراديب اللي تحت المسجد
سيد: ما انا عارف انك الوحيد يا شيخ ابراهيم اللي عارف مكان بعض الأراضي في البلد اللي فيها كنوز واللي بنوصلها عن طريق السرادين اللي تحت المسجد والمقام وان اللي عليك هما اللي قايلين ليك على مكانهم علشان كده اشتريت البيت ده والأرض اللي جمبه
وكذا مكان تاني
ابراهيم وقد لمعت عيناه من الغضب: طب اسمع يا ابني محدش فيكوا هيخرج من هنا غير لما اللي عايزه يطلع
رمضان: اهدى يا حاج ابراهيم
سيد: هو انت بتهددنا يعني ولا اي يا شيخ
ابراهيم: انا اللي عندي قولته فمتأذيش نفسك
سيد: ومقام سيدي يس ما هو حاصل(( الحلفان بغير الله شرك))
رمضان: مينفعش كده يا سيد اعقل ده مهما كان الشيخ ابراهيم
سيد: بلا شيخ ابراهيم بلا الشيخ يس اطلعوا يا رجاله .....يالا يا ابني انت وهو ملناش عيش هنا...احنا عملنا اللي اتفقنا عليه وبس
ابراهيم محاولا تهدأة الموقف: اهدى يا سيد يا ابني وخلينا على الإتفاق وانا اللي هنزل وليكوا نص اللي هيطلع واللي معايا دول هيساعدونا مش اكتر
هدأ سيد قليلا ثم قال: محدش فينا هينزل احنا هنحفر وبس ولو عايز تنزل انت براحتك احنا كل واحد فينا سيب وراه وليه وكوم لحم يشحتوا من غيرنا ومش مستغنيين
الشيخ ابراهيم: خلاص ماشي بس يلا ارجعوا اشتغلوا
عاد الرجال للعمل مرة أخرى محاولين إزالة ذلك الباب الخشبي الثقيل والذي يقع خلفه سلالم تقود لنفق تحت الأرض
سيد: ها يا شيخ هنعمل اي
ابراهيم: ثواني يا سيد
أخذ الحاج ابراهيم رمضان مساعده الخاص بعيد عن الرجال ثم قال
الشيخ ابراهيم لرمضان: بقولك يا رمضان
رمضان: ايوه يا شيخ !
ابراهيم: هو حد شافك. وانت بتتفق معاهم او بتكلمهم
رمضان: لا محدش وعيلي خالص
ابراهيم: طب خد لمبة الجاز دي وعاود بيتكم نام
رمضان: وه ليه يا شيخنا
ابراهيم: اعمل اللي بقولك عليه
رمضان: تحت امرك يا شيخ
خرج رمضان حاملا لمبة جاز من الغرفة ومن المنزل عائدا لبيته
سيد متعجبًا: هو رمضان راح فين؟!
ابراهيم: راح يحضرلكم لقمه تاكلوها شكلنا مطولين
سيد: تمام بس الرجالة كده هتعوز نفر تاني علشان يحوشوا الباب ده
ابراهيم: طب انزل معاهم عقبال ما رمضان يرجع يا ابني خلينا نخلص
سيد: بس انت عارف انا مش بشتغل بإيدي يا شيخ
ابراهيم: هحاسبك على نفر تاني يا ابني بس خلصونا قبل ما حد يوعالنا
سيد: إذا كان كده ماشي
نزل سيد للحفرة وحاول مع الرجال فتح الباب الخشبي الثقيل بينما وقف الحاج ابراهيم على رأس الحفرة وهو يمسك بلمبة جاز لينعكس ظله على جدار الغرفه من خلفه وهو يتمتم ببعض الكلمات
سيد: بقولك اي يا حاج الباب مش راضي يفتح
ابراهيم: هيفتح دلوقتي .........
سيد: هيفتح ازاي؟!
لم يرد الشيخ ابراهيم عليه وظل يردد بصوت مرتفع: ثم قدم روح الهبة لفاتح الباب خمسة كما أراد الحارس مقدمة من خادمك الضعيف إبراهيم......
قال الشيخ ابراهيم تلك الكلمات بصوت مسموع عدة مرات فبدأ المكان بالإهتزاز بقوة وبدأت عدة خيالات في الظهور من خلف الشيخ ابراهيم وهي تركض على جدار الفرفة خيالات لكائنات صغيرة بحوافر وقرون ماعز طولها يقارب المتر بدأت تقفز من كل حدب وصوب تجاه الرجال بالحفرة والرجال بالأسفل يصرخون من الألم وتلك الكائنات تمزقهم كقطع الملابس ثم بدأت الحفرة تردم ويغطي التراب الحفرة برجالها الذين أخذوا بالصراخ بقوة ومد أيديهم تجاه الشيخ ابراهيم الواقف على رأسها ولكن بدون فائدة فقد ظل ينظر لهم وهو يبتسم حتى خفت صوت الخمس رجال بالحفرة بالإسفل اوشكت الحفرة ان تردم نهائيا وقبل ان يلتفت الشيخ ابراهيم للخروج وجد من يدفعه تجاه الحفرة ليسقط بها التفت الشيخ لينظر للذي رمى به في الحفرة ليجد رمضان يقول وهو ينظر له من الأعلى
رمضان: سلاااام يا مولاانااااا
ثم أخذ لمبة الجاز ورحل وردمت الحفرة على الشيخ ابراهيم والرجال
ومن بعدها ظل منزل الحاج ابراهيم مقفول تتوارثه الأجيال بعد الأجيال لم يجرأ أحد من الورثة على المكوث فيه بسبب تلك الأصوات التي كانت تعلوا به ليلًا والصرخات التي تضج به من وقت لأخر أما عن الأراضي التي حوله باعها ورثته لأشخاص حولوها لمنازل سكنوا بها بما فيهم قطعة الأرض الأخرى التى تحوي أحد انفاق مسجد الشيخ ياسين والتي لم يرتاح ساكنوها ايضا لأن من أطلق باب الشر نسي أن يغلقه
صيف٢٠١٠ ***
الساعة الواحدة ظهرا
التقطت مصحفها ووضعت الإيشارب على رأسها ليظهر من أسفله شعرها البرتقالي اللون نزلت تلك السلالم الطويلة جدا عليها هي القصيرة التي لا تبين من أرضها متوجهة إلى أسفل البيت تنتظر ابناء عمومتها الكبار فتيان وفتيات للذهاب لكتاب الشيخ عبدالله لتعلم القرآن
الجميع يخاف حضور ابناء العم هؤلاء للكتاب فحضورهم يعني ان لا أحد سيفلت اليوم من عصا الشيخ
الجميع سيتذوق الألم اليوم
وقفت اسفل بيت العائلة تقرأ سورتها تلك العنيدة التي لا تكف عن مناكفة الجميع
انطلق الجمع الكريم من ابناء وبنات العم متوجهين الي كتاب الشيخ
بينما ذات الشعر البرتقالي تسلك طريقها المعتاد إلى الكتاب هي بالفعل إعتادت الطريق ولكن لم تعتاد مرورها بجانب ذلك البيت ذو البوابة الخضراء الكبيرة الذي لا يسكنه أحد مجرد مرورها بجانبه يشعرها بقشعريرة غريبة بجسدها إحساس الخوف لدى طفل سيأكل قدمه الشبح إذا أخرجها خارج البطانية ليلا
تمر سهيلا ذات التسع سنوات بجانبه وهي تمسك بمصحفها وتنظر له وإلي بابه وشبابيكه المغلقه لطالما راودتها كوابيس مزعجة ليلا بالطبع هذا ليس غريب بالنسبة لطفلة في عمرها ولكن الغريب هو كيف ترتبط كل كوابيسها بذلك البيت
تتسارع خطواتها عند مرورها بجواره ولكن تظل تتطلع إلى نوافذه لعلها تلتقط مشهد غريب ترويه إلى أصدقائها او ترى ذلك الشبح الذي يحدث كل تلك الجلبة في هذا البيت
مازال الفضول يداعب عقلها ورغبة عارمة في إكتشاف ما يحدث بالداخل ولكن تمر تاركة ذلك المنزل ذو الباب الأخضر الكبير حتى تمر بالبيت القديم المصنوع من الطين اللبن والتي تجلس به الحاجة زهرة وهي سيدة كبيرة في السن طيبة القلب تسكن ذلك المنزل التي تدور حوله الأقاويل منذ زمن بعيد عن ان الأشباح تقطنه هو الآخر لاريب في ذلك ولكن كيف تعيش تلك السيدة مع الأشباح اسئلة راودت عقل الصغيرة سهيلا بالطبع والتي من المؤكد لم يخلو قلبها من الريبة هي الأخرى تجاه تلك السيدة الكبيرة وليس كتلك الفتاة ذات الضفائر التي تسمى شيماء تلك الصغيرة التي تخرج الآن من منزل السيدة زهرة ممسكة بيدها سندوتش من السكر صنعته السيدة زهرة بيدها خصيصا لتلك الفتاة التي تمر بها كل يوم لتسلم عليها ولا كتلك الفتاة الهادئة التي تسمى ايه والتي دائما ما تسلم على الحاجة زهرة عند مرورها من أمام المنزل قائلة بكل براءة
إزيك يا ست الحاجة ..... رغم خوفهما من تلك الخفافيش التي تسكن المنزل والتي تعشش بسقفه ولكن هي براءة الأطفال لا اكثر
تغلق الحاجة زهرة بابها في المساء لتخلد لفراشها في ذلك المنزل الفسيح بمفردها لتجد من ينظر لها من خلف الباب وهو يبتسم والتي لا يرعبها مظهره بالرغم من كونه..... كائن قصير القامة يعبأ الشعر جسده بالكامل ذو عينين واسعتين وفم واسع بأسنان بارزة حادة وقرون كقرون الجدي وأقدام ماعز وصوت حاد رفيع كفحيح أفعى ، فتنادي عليه قائلة
الحاجة زهرة: ماذا تريد يا قنديش
قنديش: احضرت لك الطعام يا سيدة زهرة
الحاجة زهرة: حد الله بيني وبين اكلك خذه وامشي
قنديش: اما زلتي لا تريدين التعاون معنا
الحاجة زهرة: لا ..... ولن تحصلوا على ما تريدون ولو كان الثمن حياتي يكفي من ماتوا ستبقى سراديب جامع الشيخ يس مغلقة للأبد وسيحرسه من يأتي بعدي ويتصدى لكم.
# تمت
#خدام_الحاجة_زهرة
#امنه_محمد_ابوالخير
أنت تقرأ
كبسولة رعب.
Terrorالعالم أكبر من انت تراه بعينيك وأبشع من أن تنجوا منه قصص قصيرة مرعبة ومخيفة تفتح عينيك على أفاق جديدة مرعبة... أطفأ مصباح غرفتك وأقرأ.