،
الوزر الواحد والعشرون
مئات الأسرّة.. تحتلّها أبدانٌ متوجّعة.. أيادٍ مرفوعة للسماء، تتمسك بآخر الخيوط المنسلّة من الأمل.. ولا زالت تبحث عن الشفاء
وأخرى مطمئنة.. تُمسك بالمصحف بكامل طُهرها، وترتّل بخفوت وتنفث على أوجاعها بركة الآيات.. لعلّها تجدُ في القرآن السلوى والإجابة
وفي أحدِ الغرف.. كان مستلقيًا.. يسامره جهاز تخطيط القلب بالنغمات.. وتسايره قطرات المغذي، والمتسربة من كيس معلّق على حديدة.. إلى داخل أوردته
كم من ساعةٍ مرّت.. وعينه قد ملّت بياض الجدار.. والتلفاز المغلق.. وصوت الممرضين النابع من منتصف القسم
أو العسكري المتكئ على كوعه، ولا يشغله سوى هاتفه.. يراه يجلس بضجرٍ واضح على كرسي بالقرب من الباب.. ويتناوب عليه هو وصديقه
كان يشك بأن رجله مكبّلة إلى السرير.. حرّكها قليلًا.. وحين تقيّدت حركته، وسمع صوت تطارق الحديد بالسرير.. تأكّد من الأمر
سأل بحلقٍ جاف: متى بطلع؟
رفع العسكري رأسه.. ثم عقد حاجبيه: بتعرف
أعاد سؤاله بإصرار: ما سمعت من الدكاترة؟ متى بيطلعوني؟
العسكري: قلتلك.. يوم حزّة الطلعة.. بتعرف.. لا تسأل وايد
تأفف بضجر، وهو يعيد مسح الغرفة بعينيه.. وتُجيب عليه ذات الرتابة والكآبة
يتذكّر كل الأحداث التي مضت، وقلبت حياته رأسًا على عقب.. فقط يتمنى.. بل إنه يدعو الله أن تكون هذه الفوضى التي صنعها بنفسه سببًا للخير.. ومكفّرة عن الذنوب التي تكبّدها خلال حياته
شاهد العسكري الثاني يفتح جزءًا بسيطًا من الباب.. يحادثُ زميله، ثم يدخل للغرفة ليشاركه الحراسة
دقائق مرّت حتى دخلت مجموعة من العساكر.. يبدو بأنهم يحملون بمنتصفهم رتبةً ثقيلة
شاهد رجلًا في منتصف العمر.. على صدره صقر ونجمة، يقفُ مستقيمَ العود، ويديه خلفَ ظهره.. رأسه مرفوع بشموخ، ولا ينظر إليه إلا من طرف عينه السفلي
قال بجلافة: الحمدلله على السلامة
ابتسم المريض لمرآه ابتسامةً واسعة: الله يسلمك يارب
قال بسخرية: ما دريت إن شوفتي هالكثر بتفرحك
سيف براحة: إلا والله إنها أبرك الساعات.. ما توقعت إني شخص مهم بيزورني المقدّم طحنون بنفسه
لا يُنكر بأنه استغرب معرفته به قليلًا
أخفض بصره لاسمه الذي يزين صدره: قريت الاسم من بعيد؟
سيف: لا والله نظري مب قوي لهالدرجة.. عرفتك من المواصفات.. متوسط الطول والعرض، لحية كاملة غامجة شوي لكنها مب سودا وفيها شيب
أنت تقرأ
لا تتركيني للأوزار
Romanceتتحوّل الأقدار وتتبدل، كما يتبدّل اللّيل والنهار في الحياة طُرُق واختيارات.. هنالك من يختار الحق، وهنالك من يختار الضلال، وهنالك فئة مكلومة.. تؤخذ بجريرة الضّالّين عن قسوة الحياة.. الشمس الحارقة، والعيون الجافة، حين يُطلب منها البكاء سنبكي كثيرًا ول...