،
الوزر الثـاني
شاهدت نوف خطوات ناصر تتباطئ وكأنه يتفحّص المكان خلف الزجاج.. ثم ركض فجأة وهو يصرخ: ابووووووويه
غصّت بريقها وهي تركض مباشرةً خلفه.. لحقت به برجلين هلامية، لا تعلم كيف أوصلتها إلى الشارع
المكان مزدحم.. وفوضوي.. والغبار يصعّب الأمر أكثر.. هنا عيون فضوليّة خففت من سرعتها لتشاهد الحادث، وأخرى احتدّت بغضب، على الفئة الأولى لأنها عرقلت السير
وعيونٌ أخيرة تعلّقت بالمشهد بقلق شديد.. أصحابها توقّفوا مباشرة على أكتاف الطريق ليهمّوا بالمساعدة
فالمساعدة هنا، واجبة في عرفهم.. من إنسان إلى إنسان
لا يهم أصله وفصله أو لونه، أو لهجة لسانه.. المهم أنه إنسان.. وما من مهمّة أعظم من إنقاذ إنسان على حافة الموت
كانت سيارة والدهم مصطدمة بعمود الإنارة.. وعلى بعد أمتار كانت سيارة أخرى.. سيارة المتسبب بالحادث.. ولم تكن بحالٍ افضل من حال سيارة والدها
زجاج.. حطام.. بقايا.. كانت اجزاء السيارتين مبعثرة في الشارع بشكل مفزع
سمعت ناصر وهو يتصل بالشرطة بملامح مرتعبة.. سمعته يقول بغصة: "ابويه اندعم عند المطعم"
كانت تشاهد ضيق نفسه وهو يعطيهم العناوين.. صبره.. وهو يستقبل اتصالاتٍ متكررة ومتتالية من الإسعاف، والنجدة، ودوريات الشرطة
يستفسرون عن نوعية الحادث، وحجم الضرر ليتم إرسال المساعدة اللازمة والملائمة
كان التجمّع ضخمًا حول السيارتين.. والناس تُحاول إخراج المصابين
ركض إلى المكان وهو يصرخ: لا تحركونه!
سأله أحد الشباب: من الأهل؟
رد بغصة: أبوي
هز الشاب رأسه بأسف: لا حول ولا قوة الا بالله.. الله يطلعه منها سالم
اقترب ناصر حتى شاهد والده غائبًا عن الوعي.. كان بابه مفتوحًا.. أفسح له الرجل ما أن شاهده
وضع ناصر يده مباشرةً على عنق والده.. يجسُّ نبضه.. وحمد الله ما أن شعر بالنبض، حتى ولو كان ضعيفًا
ثم حرك ناظريه على المكان.. كان الزجاج مهشّمًا ومتناثرًا في كل مكان.. والدم.. الذي طش من وجه والده.. وقطعة زجاج ضخمة قريبة من كبده.. يتسرّب منها الدم
ورغمًا عن كل شيء كان جسمه ثابتًا في مكانه مثبّتًا بحزام الأمان
شعر بدفعة خفيفة على كتفه.. قال الشاب: خلنا بنطلعه ياخوي.. اقل شي نطلع هالزجاج
ناصر: لا تحركونه.. مب زين.. الزجاج حابس الدم إن طلعته بينطش (يتسرب) كل مكان
قال أحد الرجال: يا ريال اذكر الله وخلنا نوديه بعيد عن هالزجاج والدم والخياس
أنت تقرأ
لا تتركيني للأوزار
Romansaتتحوّل الأقدار وتتبدل، كما يتبدّل اللّيل والنهار في الحياة طُرُق واختيارات.. هنالك من يختار الحق، وهنالك من يختار الضلال، وهنالك فئة مكلومة.. تؤخذ بجريرة الضّالّين عن قسوة الحياة.. الشمس الحارقة، والعيون الجافة، حين يُطلب منها البكاء سنبكي كثيرًا ول...