تمهيد

339 10 1
                                    

،

اهـداء ذات معنى

إلى من تقلّد بـ شارة الفخر في النهار، ومن ضحى في الظلام.. لأجل ثرى الوطن
وإلى من مشى إلى النور، رغمًا عن أنف الحياة

الرواية للجميع، ولكم خصيصًا

.

تمهيد

تنفّست الصعداء ما أن عثرت على كرسيٍّ خالٍ.. رمت بنفسها عليه رغم أنه كان متهالكًا.. فإن صبغته البنية مقشّرة.. وحدائده مخضرّة
بفضولٍ لمست خشبه، فجرح إصبعها من قسوته.. لعقت إصبعها وعضّته لتخفف ألمه.. ثم استراحت بجلستها
تجاهلت الفوضى في عقلها، التساؤلات، والرعب والخوف من المستقبل.. تجاهلت كل شيء واستراحت في مكانها، تلتقط أنفاسها.. فإن رجليها لا تسعفانها، ولا حتى ظهرها.. الذي كان يشتعل وكأنه ملغّم بالسكاكين

كانت تحدّق بالناس أمامها.. ضجيجهم، وحركاتهم.. غابت لوهلة معهم.. بين ضحكات الأطفال، وأحاديث الأمهات وشجار الأخوات
غادرت إليهم.. ابتسمت معهم.. تسللت فرحتهم إليها.. ابتسمت ابتسامة واسعة أظهرت جزءًا بسيطًا من أسنانها
كان المنظر دافئًا جدًّا.. أدفىء من برودة قلبها، وباردًا.. أبرد من لهيب الطقس حولها

ولكن قرصات الجوع داهمتها.. وأعادتها إلى واقعها
تذكرت كيس البقالة بجانبها.. فتحته والتقطت كيس البسكويت لتفتحه.. سمت بالله وأكلت
أخذت نفسًا عميقًا وهي تمضغه ببطء.. براحة.. توازي فرحتها بهذه القضمة
كانت تحاول السيطرة على ابتسامتها.. وبهجتها به
هل يتصوّر أحد.. بأن بسكويتًا بنصف ريال قد يكون بهذه اللذة؟

كانت تتمهّل بقضماتها لكيلا تنتهي لذّتها بسرعة.. تضع أصابعها حول شفتيها، لتزُجّ كل ما يتناثر خارج فمها
بالطبع تعاني.. كونها تجهل كيفية الأكل بالنقاب.. ولكنها كانت تحاول قدر الإمكان ألّا تلوّث ملابسها
فإن الغسيل أبعد عن نجوم الليل والنهار
سقطت من فمها فتاتة على الأرض.. هرعت لأخذها.. فكل قطعة تعتبر فارقة بالنسبة لمعدتها الفارغة.. ولكن طيرًا سبقها وحلّق بعيدًا
رفعت ناظرها إليه تتأمله بصمت.. وسبّحت الله في داخلها
ثم همست لنفسها: مب نصيبي

أعادت بصرها إلى المكان حولها مرة أخرى.. عوائل.. أطفال.. عالم
يسترقون النظر إليها.. يتهامسون قليلًا.. ثم يعودون لممارسة متعتهم
كانت تتخيّل أحكامهم عليها.. كونها فتاة تجلس لوحدها بدون أطفال أو أي أحد في كرسي بالٍ في حديقة عامة، وفي زاوية منعزلة كهذه.. وتعذرهم حتى.. فإن شكلها شاذٌّ عن بقية المتواجدين

كانت ثابتة في مكانها.. بينما كان الوقت يجري.. حتى شاهدت الناس تلمُّ حصيرها وطعامها.. يغادرون شيئًا فشيء
وهي باقية.. إلى أن خلا المكان تمامًا

غفت.. لم تشعر سوى برأسها وهو ينحني بطريقة مؤلمة قطعت غفوتها القصيرة
فتحت عينيها فكان المكان ساكنًا تمامًا.. سوى من صراصير الليل
كان مظلمًا.. إلا من الأضواء البعيدة
كان وجودها يثير الريبة والخوف لأي شخصٍ يراها
فمالذي قد تفعله فتاة إنسية، عاقلة، في وقت كهذا، وفي مكانٍ كهذا.. ولكن أبيد حيلة؟

أحكمت الإمساك بسكّينها.. وهي تحاول النوم مرةً أخرى باستقامة
وهي تشكر الله على التدريب القاسي الذي تلقّته مؤخرًا

،

لا تتركيني للأوزارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن