15

8 3 0
                                    


بعد اللقاء الأول مع فهد، كانت هند تحس بشيء غريب يجذبها له، ومع ذلك لم تستطع تجاوز مشاعرها تجاه خالد. شعرت أن حياتها أصبحت أكثر تعقيدًا، بين محاولات فهم مشاعرها تجاه خالد وظهور هذا الشخص الجديد. لكن ما زاد الأمور تعقيدًا هو حديث فهد عن خالد، وكأن بينهما سرًا أو رابطًا خفيًا لم تفهمه بعد.

في أحد الأيام، اجتمعت العائلة في مزرعة جدهم. كانت الأجواء مليئة بالضحكات، وكان عبدالله ومحمد يتبادلون النكات مع الأقارب. لكن وسط كل هذا، كانت هند تشعر بشيء مختلف، وكأنها تترقب حدوث شيء غير متوقع. جوري لاحظت توترها وسألتها: "هند، إيش صاير معك؟ تحسين أنك مو هنا!"

هند حاولت تجاهل أسئلتها وابتسمت بخفة: "لا يا جوري، بس أفكر في بعض الأمور."

لكن جوري لم تستسلم بسهولة، وقالت بجدية: "لا تخليني أحس أنك تخبّين عني شيء، أنا معك دائمًا، وش اللي مضايقك؟"

هند ترددت قليلًا، ثم قررت تكشف لها بعض مما يختلج في صدرها: "جوري، أتوقع أني فقدت الطريق. مو عارفة مشاعري تجاه خالد، وظهور فهد زاد تعقيد الأمور."

جوري تفاجأت: "فهد؟ وش دخله؟"

هند تنهدت وقالت: "ما أدري، بس حسيت بشيء لما شفته. كأنه جاي يغير شيء بحياتي."

جوري حست بحيرة واهتمام، وقالت: "طيب خالد؟ وش قررتي تسوين معاه؟"

هند هزت رأسها، وكأنها تحاول التخلص من الأفكار المزدحمة: "ما أعرف، كل ما أحاول أبتعد، يرجع لي من جديد."

وفي وسط الحديث، دخلت سارة ومعها نظرة حماس: "يا بنات، جدتي تبينا نتجمع حول النار الليلة! تقول تبي تقول لنا قصصها القديمة."

فرحت هند بهذا الاقتراح، فقد كانت بحاجة إلى شيء يخرجها من دوامة التفكير. اجتمعوا كلهم حول النار في المزرعة، وكان الجو مليئًا برائحة الحطب وأصوات العصافير البعيدة. جدتهم بدأت تسرد حكاياتها القديمة، عن حبّها الأول، وكيف قاومت الظروف الصعبة لتبني عائلتها.

بينما كانوا يستمعون، كان خالد يجلس بعيدًا ويراقب المشهد بهدوء. لاحظت هند وجوده، وكانت مشاعرها تتأرجح بين الغضب والحنين. في لحظة من اللحظات، رفع خالد عينيه ووقعت عيونه على هند. لم تستطع هند الهروب من نظراته الحزينة، لكنها كانت تشعر بالغضب الذي يشتعل داخلها بسبب قراراته القديمة.

في صباح اليوم التالي، قررت هند تواجه خالد بعد كل هذه الفترة. كانت ترغب في إنهاء هذا الصراع الداخلي، سواء كان بالمسامحة أو المواجهة. وجدت خالد جالسًا في الحديقة، وكأنه ينتظر هذا اللقاء. تقدمت ببطء، وهي تشعر بثقل خطواتها.

قالت بصوت منخفض: "خالد، أحتاج نتكلم."

خالد رفع رأسه ونظر لها بعمق، ثم قال بهدوء: "أدري يا هند، حنا محتاجين نتكلم من زمان."

جلست هند بجانبه، وشعرت بارتباك يجتاحها، لكنها قررت تتحدث بصراحة: "خالد، ليه كل ما أحاول أنسى، ترجع تذكّرني في كل شيء؟ ليه ما قدرت تختارني أو تختار تبعد تمامًا؟"

خالد تنهد، وكأن كلماته ثقيلة عليه: "هند، ما كان القرار سهل. كنت أحاول أحميك من أشياء كثيرة، لكن يبدو أني أخطأت في كل شيء."

هند رفعت رأسها بغضب: "إيش كنت تحاول تحميني منه؟ من حبك؟ أو من جرحك؟"

خالد حاول يفسر، لكن كلامه كان ملتبسًا، وهند لم تكن راغبة في سماع المزيد من الأعذار. وقفت فجأة وقالت بحدة: "خالد، أنا ما أقدر أعيش في هذا الغموض. لو فيه شيء تحاول تخفيه، الأفضل تبتعد تمامًا."

بعد هذه المواجهة، شعرت هند بشيء من الارتياح، لكنها لم تستطع تجاهل نظرات خالد وهي تبتعد عنه. عاد خالد إلى بيته، وكان داخله شعور بالفشل. تذكر ماضيه مع هند، وكيف كانت تلك الأيام مليئة بالحب والضحك. لكنه أيضًا تذكر تلك اللحظة التي قرر فيها أن يبتعد، ولم يكن يعلم حينها أن قراره سيترك آثارًا لا تنسى.

بينما كانت هند تحاول استعادة توازنها بعد هذا الحديث، ظهر فهد من جديد. كان يأتي أحيانًا لزيارة العائلة، وكان يبدو دائمًا وكأنه يحمل في جعبته سرًا كبيرًا. في أحد اللقاءات، اقترب فهد من هند وقال لها بابتسامة هادئة: "أعرف إنك محتارة، لكن أنا هنا لو احتجتي تتكلمين."

كانت كلمات فهد بسيطة، لكنها كانت تحمل عمقًا، وكأنها وعد غير معلن. بدأت هند تشعر بأنها تقترب من معرفة شيء جديد، شيء قد يغير حياتها بشكل كامل.

وفي يوم من الأيام، قررت هند أن تخرج مع جوري وسارة للتسوق في أحد الأسواق التقليدية. كانت الأجواء مفعمة بالحيوية، والألوان المتنوعة تغطي المحلات. كانوا يتنقلون بين المحلات ويشترون الهدايا، وفي تلك اللحظة، رن هاتف هند برقم غريب. ترددت في البداية، لكنها قررت ترد.

قال الصوت من الطرف الآخر: "السلام عليكم، أخت هند؟ أنا فهد، حبيت أكلمك عن شيء مهم، ممكن نتقابل؟"

هند ترددت للحظة، لكنها وافقت بصوت هادئ. كانت تشعر بفضول يسيطر عليها، وتريد معرفة ما يحمله هذا الشخص من أسرار. اتفقوا على اللقاء في مقهى قريب.

عند وصولها للمقهى، وجدت فهد يجلس على طاولة بعيدة، وينظر إليها بابتسامة خفيفة. جلست مقابله، وسألت بصوت مستقيم: "وش عندك تبغى تقول لي؟"

فهد أخذ نفس عميق وقال: "في شيء يخص خالد، وأعتقد أنك بحاجة تعرفينه. بس قبل ما أقول، أبغى منك توعديني ما تحكمين بسرعة."

هند شعرت بأن الأمر جاد، وأومأت برأسها.

بدأ فهد يحكي لها قصة عن خالد، وعن سبب ابتعاده. حكى لها عن الضغوطات اللي واجهها، وعن الظروف اللي خلت قراراته أصعب مما تخيلت. كانت هند تستمع بتركيز، وكل كلمة تقال كانت تقلب في داخلها مشاعرها المختلطة.

عندما انتهى فهد، كانت هند في حالة من الذهول. لم تتوقع أن تكون الأمور معقدة لهذه الدرجة. شعرت أن قلبها ينكسر، لكنها في نفس الوقت بدأت ترى خالد بنظرة جديدة.

خرجت هند من المقهى وهي تشعر بأن حياتها بدأت تأخذ مسارًا جديدًا، لكن مع كل خطوة تخطوها، كانت تعلم أن القرارات القادمة لن تكون سهلة.

حبيتك يالحبيب بعد غيابك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن