💞 نور 💞
الحلقة 17
نور: لم أنم في تلك الليلة، كنتُ أتمنى أن لا تنتهي احاديث عليّ الرائعة، لم تكن كلماته عابرة، لم يكن من ذلك الكلام الذي يمرّ هكذا دون أن يلامس شغاف القلب ويدغدغ الروح، نعم كلّ كلمة يقولها تسكن روحي، كنتُ أراقبه من بعيد، بحث عن شيءٍ يفرشه على الأرض فلم يجد غير حصيراً قديماً فرشه، وأخذ المصلى ثناها وجعل منها وسادة له، ثم جاء بطاولة صغيرة من زاوية المطبخ تستخدمها ماما آمنة لتاكل عليها، ووضعها كفاصل حتى يشعرني بأنني في غرفة منفصلة، فالكوخ لم يكن إلا عبارة عن غرفة ومساحة مفتوحة تستخدمها الخالة كصالة ومطبخ وغرفة ضيوف، وبها سرير صغير هو ما أنام عليه، وحمام صغير في زاوية الكوخ. بعد قرابة الربع ساعة شعرتُ أنّ عليا خلد للنوم، وكان عليّ أن اخفف من وهج الفانوس وانام، ولكن النوم في تلك الليلة قد جفاني، فسؤال عليّ ما زال يلاحقني: فهل أنا أحب جابر؟ شعرتُ بضيقٍ في صدري، فلمحتُ القرآن وقد وضعه علي بالقرب من رأسي، تناولته وإذا به قد وضع شاهده على سورة يس، فبدأت في قرآتها، كنت أستشعر انّ الله يخاطبني، تمعنت في كلّ آية وحين وصلت إلى قوله تعالى: { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} أحسست بأنّ الله رحيم إلى درجة أنه عز وجل يفتح باب الأمل لكل إنسان مهما كبر همه، ومهما شعر أن ابتلاءه عظيم، ومهما شعر أن حلمه مستحيل، لأنّ الله هو من بيده تغيير الموازين، وتحقيق الصعاب، وهو فقط يحتاج إلى ثقتنا به، وتمسكنا بحبله.. أغمضت عيناي، وراح فكري بعيداً، ربما لا تصدقون بما فكرت، ولكني بصراحة فكرتُ بما لم أفكربه قط، رغبت في حياة جديدة، تصنع نور من خلالها ذاتها من جديد، فقد اكتشفت أنني في غفلة، وأنّ حياتي المنصرمة لا قيمة لها، ليتني أستطيع أن أبدأ من جديد، تنهدتُّ، وأسندت رأسي للجدار، وكانت قد مرت قرابة الساعتين وأنا على هذا الحال، وفجأة إذا بعلي يستيقظ، ويمشي بهدوء، تظاهرتُ بالنوم لأرى ما سيصنع، وإذا به وفي هذا الجو البارد يتوجه إلى دورة المياه، ثم يأخذ سجادة الصلاة ويقترشها ويبدأ يصلي، فتسائلت في نفسي: هل يا ترى هذا ما يسمونه صلاة الليل، راقبته بهدوء، فشهدت شابا ملائكياً يصلي بكلّ توجه يعطي كلّ ركنٍ حقه، فراجعت صلاتي التي تشبه نقر الغراب، سريعة ودون تركيز،كي لا يفوتني مسلسل هنا، أو حديث هناك، فعضضت شفتي ندما، حينما انتهى عليّ من صلاته كان أذان الفجر قد رُفع،
نور: فجلستُ على السرير وناديته: عليّ، ففزع لأنه كان يظن انني نائمة، استدار نحوي وكررت ندائي: علي، فقال نعم يا نور أفزعتني، توقعت أنكِ نائمة، فقلت مجدداً: عليّ، فابتسم وردّ بحنان: نعم، فقلت له: علمني، فقال: أعلمكِ ماذا، فقلت: ما فعلته هذه الليلة، علمني كيف تخاطب الله، علمني كيف أصنع ذاتي من جديد، علمني كيف استيقظ من غفلتي، علمني كيف أخطو نحو الجنة؟جلس على الكرسي الخشبي: رفع رأسه للسماء ومن ثم نظر إلي وقال: هل تسمعين صوت الأذان، فقلت نعم، فقال: إنه نداءُ الحب، وبالحب كلّ شيءٍ يتغير، إنه الإكسير الذي حيّر العلماء، هو السرّ الذي به يكون ما يعجز عنه كل شيء، فقط أفرغي قلبكِ من كلّ حب إلا حبه وستخضع الدنيا تحت قدميكِ، ولن تحتاجين حينها لأحد كيّ يعلمكِ.
يتبع