-2-

32.7K 553 8
                                    


تطلعت اليه في عيون ضاحلة, تضج بسقم و حزن و قالت بصوت متهدج :
-وائل..انا مش عاوزة اخدعك
نظر لها في استغراب و رفع احدي حاجبيه, ليجلس بجانبها و يقول بقلق :
-تخدعيني ! انتِ عيانة ؟
حركت رأسها بالنهي و قالت باضطراب :
-لا..حامل
صمت لوهلة و قال مصطنعا عدم السماع :
-افندم!
وقفت و تقدمت بخطوة الي الامام :
-زي ما سمعت انا حامل في الشهر التاني..
-بس انا عمري ما لمستك
-مين قال انه ابنك
قالتها ببساطة و هي ترفع منكبيها و تابعت :
-دة ابني انا و حبيبي!
جذب ذراعيها بقوة اليه و صك علي اسنانه  و هو يقول :
-بلاش هزار في المواضيع دية يا حنين..
تجهم وجهها و تربكت ملامحها, لكن افلتت ذراعها من بين قبضته و اتجهت الي خزانة الملابس, فتحت الادراج السفلية واخرجت منها ملف اصفر اللون و مدت يدها له بالملف في صمت مريب.
-اية دة..
-دة الي يأكدلك اني مش بكذب عليك..
فتح الملف و قرأ اول السطور في سرعة بصرية و تطلع لها متوجما :
-حامل !
ابتلعت ريقها و تراجعت الي الخلف بين اضطراب خطوتها وقعت علي كرسي مجند, انكمش جسدها و تقوس في خوف من اقترابه لها, فغمغمت :
-لا يا وائل انت اعقل من انك تأذيني..
و تابعت في كلمات مضطربة :
-انا غلط بس ندمت ارجوك انسي..انا مقدرتش اخدعك و انسب الطفل ليك..مقدرتش عشان عارفة انك طيب و متسحقش كدة مني انا بالذات..ارجوك يا وائل..انا بس.
وضع يده علي فمها ليخرس لسانها الكاذب و نظر لعينيها مطاولا فوجدها تهرب بعينيها بعيدا..
-محتاج افهم يعني اية حامل ؟ حامل ازاي !
لمعت عينيها بدموع و ارتجاف, فابعد يده عن ثغرها في بطء فقالت :
-اسفة اني قابلت حبك بكدة..انا اسف يا وائل..سامحني انا مش وحشة اوي كدة..
جلس علي طرف الفراش و كلل رأسه بيده و اخفض وجهه الي الارض صامت بصدمة, كلام غير موزون مازال عقله مصدوم..يحاول ترجمة كلامها لكن تفكيره متوقف..
شعر بيدها الخفيفة التي مسحت علي رأسه و قالت في صوت متلجلج :
-اعتذاري مش هيفيدك..انا عارفة اني ساقطة من نظرك بس انا راضية بأي حاجة و لو عاوز تطلقني دلوقتي حالا موافقة و اوعدك مش هتشوف وشي تاني...بس انا عاوزة ابقي معاك يا وائل مش عاوزة نبعد..
وضعت رأسها علي كتفه و شعر بدموعها الساخنة تبلل ذراعه, ليست لديه قدرة لمواجهه يحاول ان يتمالك اعصابه عن اي فعل غير ارادي..
دفعها عنه بعنف و و خرج من الغرفة مسرعا مع صفعة باب قوية, اربكت جسدها و جعلها تنتصب في مكانها, تخلت عن حصون القوي و بكيت..
                                       ***
اقتحمت الغرفة راكضة اليه متحصنة به, اختبأت وراء ظهره, ذعر من هيئتها ليمسك ذراعيها و يقول فازعا :
-اية اية ؟؟ مالك يا حنين
تشبثت بقميصه و ترجته باكية :
-الحقني بابا هيموتني.
لم تكمل جملتها حتي دلف والدها و عينيه تملأها شرارة شر, احتمت بظهر وائل, ارتعب من ثورته و سأله علي مهل :
-في اية يا عمي؟
التف الحزام حول قبضة يده, و صرخ بهما :
-والله لاوريكم النجوم في عز الضهر!
تناحبت باكية :
-بابا مش متاكدة اني بنت و عاوز ياخدني يكشف عليا
كهفر وائل وجهه و تعالت علي قسمات وجهه ملامح الغضب المدهش :
-اية يا عمي الكلام دة ؟
-حتت عسكري عندي قالي انه شافكم داخلين شقة مع بعض..دة انا هخرب عيشتكم..بقي كدة يا وائل تخون الامانة
التفت وائل برأسه الي حنين و اعاد نظره الي حسين قائلا :
-فعلا انا و هي دخلنا شقة عشان كنا بندور علي شقة مناسبة لما نتجوز..
امسكه حسين من ياقة قميصه و قال :
-انت فاكرني غبي! هو اية الي تدخلها شقة لوحدكم دية
مص شفاهه السفلي و ضغط باسنانه عليها مفكرا و فجأة مد يده ناحية الدرج الخشبي و فتحه ليخرج منه دبلتين احدهما ذهبية و الاخري فضية.
ألبس الذهبية في اصابع حنين و ارتدي الفضية ثم تطلع الي حسين قائلا :
-انا بطلب ايد حنين منك..يلا نقرا الفاتحة في الصالون مع ماما و طنط سعاد
ثم تابع بأكثر جدية :
-سبني 3 شهور بس و هتبقي حنين مراتي و في شقتنا
اتسعت حدقتاي حسين و قال :
-انت بتستهبل يا بني !
اجاب بلا اكتراث :
-يلا يا عمي نقرا الفاتحة و بعدين كمل تهزيق فيا
خرج حسين من الغرفة و هو بين الضحك و الاستغراب, ليجذب وائل يد حنين المندهشة :
-يلا انتِ كمان
-انت مجنون..انت جبت الدبل امتي و ثم فين حفلة الخطوبة
ليقول هازئا :
-حفلة خطوبة اية ! انا معيش جنية في جيبي..انا الصبح صرفت كل الفلوس الي معايا عشان الدبلتين دول..
نظرت الي الدبلة بين اصابعها و تطلعت اليه فارغة الفاه و قبل ان تتكلم, كان قد دفعها الي الخارج و هو يقول ممازحا :
-يلا مش وقته استغراب..
تلك الذاكرة التي لاحت في بال وائل, لتجلعه يبتسم و الدبلة تتحرك في حركات دائرية بين اصابعه, عينيه تلمع في مزيج بين الثور و الشعور بالحماقة, عقله لا يستوعب ما حدث لتو, حنين التي عاشرته اكثر من عشرين سنة و لم يحدث يوما ان عاشرته علي الفراش و قبل ان يحاول يجد منها اجابة جادة و الملامح تتحول لغضب, تذكر في مرة حين لطمت وجهه حينما كانا في غرفة فندق وحدهما, اراد منها بعض التسلية لكن فوجئ بكف قوي علي وجهه و اصرت وقتها علي الرجوع الي القاهرة و طال الخصام بينهما الي اكثر من  اسبوع...
سكت و ما عساة ان يفعل الا السكوت و التفكير بما قالت, حاول ان يتخيل للحظة انها بين ذراعي اخر لكن لا جدوي, حنين خلقت له و لم تخلق لغيره..نظرات عينيها الهاربة منه توشكل دليل قاطع علي كذبها, و اضطراب كلامتها و اخطاء لسانها في الحديث تؤكد ان الموضوع ينقصه الكثير..كيف لها بأن تكون صادقة ؟ هو اكثر الناس عاش معها حتي والديها لا يعرفان عنها ما يعرفه هو..يعرف متي تكذب و متي تكون صادقة, كل الادلة تؤكد بكذبها لكن من اين لها بالطفل!! من اين؟؟
قاطع تفكيره اتصال علي هاتفه, التقطه و رد متوجما :
-الو يا عمي..
ليأتي صوت حسين الممتلئ بغبطة :
-ايوة يا وائل..عاملين اية
رد مختصرا :
-كويسين..
-طب انا و سعاد و الست زينب جايين في الطريق اهوة جهزوا نفسكم..
-تنوروا
قالها و اغلق الهاتف دون ان يبث اي كلمة اخري, اللقي الهاتف جانبا و دخل الي حجرتها, فوجدها هي ايضا يقظة ساهرة مذ ليلة امس البائسة, كانت توليه ظهرها و تنظر الي عبر النافذة, لم تحس بدخوله فقال بصوت اجش غليظ :
-اهلك جايين..
قالها و خرج من الغرفة لتسرع راكضة اليه عندما انتبهت لدخوله, امسكت ذراعيه و  وقفت امامه و سألته بخوف :
-هتقولهم؟؟
ابعدها عن طريقه, و توجه الي دورة المياة, لتقف امامه مرة اخري و تترجاة باكية و هي تسأله :
-هتقولهم يا وائل !
دفعها في شيء من العنف و دلف الي دورة المياة بعدما اغلق الباب بقوة اخافتها, كادت تلطم علي وجهها من فزعها ان عرف والدها نهايتها لن تختلف سوءا عن الموت..
                                             ***
جلسوا في غرفة المعيشة و جلس وائل جوار والدها يتناجيان و يضحكان في مكر, جاءت سعاد و قادتها علي المطبخ و هي تلح عليها ببعض الاسئلة و النصائح لتسعد زوجها, لم يكن بالها مع والدتها بل كان يراقب وائل في كل تحركاته تنظر منه ما يقول تحاول بكل قدرتها ان تقرا حركات الشفاة لكن لم تستطع و استسلمت لثرثرة والدتها..فاجابتها ببسمة خجولة مصطنعة...
جاءتهم بالشاي و الكعك و قدمتهم الي الاكل, ثم جلست جوار والدها من الناحية المعاكسة لوائل, تناولها والدها اسفل ذراعه و قبل رأسها في حنان بالغ و هو يهمس بها :
-وحشتينا يا عفريتة البيت ملهوش طعم من غيرك
ثم لكز وائل و هو يقول متظاهرا الغضب :
-الواد الوحش دة خدك مني
ابتسمت لوائل في ارتباك و تماسكت في والدها, ارتشف  حسين من الشاي فشعر بمرارته الجامحة ليقول لحنين :
-اية دة يا حنين ؟ الشاي مفيهوش سكر!
و واصل ممازحا :
-لحقتي تنسي كل معلقة سكر باخدها يا حنين
ضحكت قائلة :
-لا ابدا يا بابا..استني هجيب السكر
انسحبت من بين ذراعه و اتجهت الي  المطبخ علي مهل, تشاور الجميع و تعالت الضحكات بينهم, بينما هي شعرت بدوار و ارتجاف لكل اعضاء جسدها, حاولت السيطر علي نفسها فنظرت الي الارض مطاولة و هي تغمض عينيها و تفتحها لكن زاد الامر سوءا, انسابت ركبتيها و فقدت وعيها قبل الوقوع علي الارض..
                                         ***
خرج الطبيب من الغرفة و توجه اليهم, الكل توسمه علامات القلق و الارتباك استثناء وائل الذي كان جامدا رغم انتفاضه من قوة وقوع حنين علي الارض, خانه الحنين لوهلة !
تساءل حسين مستفسرا :
-مالها يا دكتور ؟
رد الطبيب ببساطة و ابتسامة :
-عادي عادي دة بيحصل اول الحمل, هي اول 3 شهور كدة بس اول ما تدخل في الشهر الرابع هتكون حالتها اتحسنت
-نعم..حمل اية !!
قالها حسين مستغربا ليواصل الطبيب :
-المدام حامل في نص الشهر التاني..انصحكم براحة تامة ليها و عدم الضغط عليها فأي حاجة لانها معرضة لاجهاض..
قالها و استاذن الطبيب في الذهاب, عقدت سعاد حاجبيها و قالت :
-حامل في الشهر التاني ازاي..اكيد الدكتور بيخرف!
تحولت الانظار كلها لوائل الصامت, الذي لم يبالي بما يقال, فتقدم حسين اليه ببنيته الضخمة و قال بصوت اجش :
-حامل ازاي في الصباحية..تفسير منطقي يا وائل بيه!
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن