-15-

15K 343 27
                                    

-15-
رد في زعيق و سخط :
-مين بيكلم
ليأتيه صوت انثوي متهدج خائف :
-انا صفية..حضرتك استاذ وائل صح
ليتساءل باستغراب :
-صفية مين
تعلثمت في القول :
-هقولك بس مش في التليفون..ينفع نتقابل ضروري في موضوع خطير لازم حضرتك تكون علي علم بيه
فعاوده الفضول :
-موضوع اية
لتكرر في نبرة خائفة :
-صدقني مش هينفع في التليفون
-نتقابل فين!
اخبرته بالعنوان في صوت خافت مما دفعه بظن انها ربما سارقة او قاتلة تتلفح في رداء سيدة خائفة, فأخذ سلاحه و هو يرتدي ثيابه, فورا ما رأي نظرات الفضول في اعين حنين الذي اصطنعت لتو بالنوم, جلس علي الاريكة يرتدي حذاءه, فجلست معتدلة و عكصت خصلات شعرها الي الوراء في حرج.
-هي مين صفية؟
سألته في فضول خجول, و عينيها تترواح الي الغاضب الذي فضل الصمت, فتابعت بحرج :
-طب انت هتروح فين دلوقتي.
رفع بصره اليها, فقالت باسمة :
-انت زعلان مني
و اتجهت اليه لتجلس بجانبه و تشابك ذراعيها بذراعه, و قالت في غنج :
-متزعلش مني يا وائل بس انت مكبر الموضوع..يلا بقي قولي مين صفية 
مازال صامتا, لتقول متظاهرة التهديد و التحذير :
-لو مقولتليش همشي وراك لحد ما اعرف اية الموعد السري دة..
ليقول بلهجة صارمة حادة :
-متتحركيش من البيت لحد ما اجي فاهمة
ليأتيها نوبة الصمت و العبوس و تقهقرت الي الخلف متسندة علي الاريكة في حزن صامت, اتخذ معطفه و خرج من الغرفة لكن تفاجئت به يغلق بابها بالمفتاح لتصدم و تركض اليه في فزع :
-انت اتجننت يا وائل هتحبسني في الاوضة
ليقول في لهجة ساخرة :
-اسف بس انا مش ضامنك
                        ***
اللقي مفاتيح سيارته باهمال فوق طاولة خشبية مستديرة, يجلس مقابلها فتاة نحيلة قمحاوية البشرة لها عينين عشبية, ترتدي في يدها اساور ذهبية و اضاءت يدها اليسري بخاتم ذهبي, وضعت في وجهها بودرة و احمر شفاه بطريقة بدائية تؤكد انها زوجة في اوائل شهورها, جلس مقابلها و مال بوجهه عليه مضيق عدساتيه :
-اية الموضوع الخطير!
-الاول انا الممرضة صفية من مستشفي مدام حنين
قالتها ثم وضعت امامه ملف, تناوله و اخذ يطلع عليه بعينين متفحصة لتقول في ارتباك اثناء قراءته لاوراق :
-دة التشخيص الحقيقي لحالة مدام حنين..الدكاترة قالتلك التشخيص المزيف انها وقعت من السلم
و تابعت بتعلثم :
-الحقيقة المدام تعرضت لتعذيب شديد و اعتداء جسدي و جنسي
ترك الورق من بين يديه فجأة لتضع يدها فوق صدرها و تقول بترجي :
-ارجوك ما تقول لحد اني قولتلك انا هروح في داهية..صدقني كلنا كنا مضطرين اننا نقولك كدة
تساءل بيعينه عن السبب و استفهم بقوله :
-يعني اية مضطرين
-في واحد من مباحث امن الدولة جيه هددنا و قالنا نقول انها كانت مجرد وقعة سلم قوية..
عقد قرون حاجبيه و قال بصدمة :
-من المباحث !
لتقول مسرعة :
-ايوة و كان اسمه عمرو..او عثمان..او عمر..مش فاكرة بالظبط
ليصمت متمهلا و يحاول ان يحرز من الفاعل, فاسرعت بالقول :
-ايوة ايوة عماد اسمه عماد السيد من مباحث امن الدولة و هو الي جيه بنفسه و هددنا بس ارجوك ما تقول لحد اني قولتلك هيحصل مشاكل  كبيرة و انا هتاخد في الرجلين
و تابعت الفتاة بارتجاف :
-هو الحقيقة كان متهم حضرتك انك انت الي اعتديت علي مدام حنين و قال ان عندك مرض نفسي و عشان الفضايح نقول كدة و الي هيقول غير كدة المستشفي هتتقفل كلها..بس انا مكنتش ملاحظة عليك حاجة..حضرتك كنت طبيعي و بتعامل مدام حنين باحترام و حب و كل الافعال اكدت ان كلام عماد دة مجرد كذب لتغطيه عملته السودة..انا متاكدة ان عماد هو الي عمل كدة
ليصرخ بصوت جهوري عال :
-و انتِ ضميرك نقح عليكي دلوقتي..بعد ما اطمنتِ انك هتتجوزي وهتسلكي عادي لو المستشفي اتقفلت بس انا مراتي تولع و انا اولع..وحياة الوالدة لاقفل المستشفي علي دماغكم..
قالها و اخذ مفاتيح سيارته و ملف التحليل الصحيح, و ركب سيارته راكضا الي منزل عماد ابن خالته ذلك العجل الذي ظنه يوما صديقه الحميم الوفي..عماد هو من اذي زوجته, الان تفاهم لمَ توترت من قول اسم المعتدي, و لم يكتف الوقح بالتار الاول بل اعتدي عليها مرة اخري بعد تعذيب قوي الان اتضحت الاسباب في وجه نظر وائل..
عماد ليس مجرد صديق في العمل بل انه جاسوس لاسلام السعدني, و قد استغل براءة حنين ليضرب عصفورين بحجر, يحمي صديقه من انياب اسلام و يساعده بمعلومات خاطئة و يأخذ عرق جبينه من زوجته و يلتهمها بأنيابه هو, نعم عماد الذئب المكار الذي جر رجلها لمنزله و اعتدي عليها بعدما تناول مخدر, و المسكينة خائفة من البوح و تسكت في بكاء مرير لتقول "انا مش خاينة..انا مظلومة", يا تري بما هددها ذلك الخنزير السمين..
قرع بباطن كفه علي باب عماد, ليفتح عماد بعد دقائق كان عاريا الصدر يرتدي بنطال ضيق و يضع في فمه سيجار اعرجت علي اليسار, و قال بسعادة :
-وائل..اية المفاجأة الـ
لم يكمل بكلمة حتي وجدت لكمات تنهال عليه و تسقطه علي الارض كالجثة المترهلة, جلس وائل  فوق صدره و تابع ضربه بلا تأنيب ضمير و هو يصرخ به :
-انت بتخوني انا و تعمل كدة في حنين..والله لاقتلك انهاردة
حاول دفعه عماد لكن لم يقاوم فوائل رغم صغر جسده -مقارنة لعماد بالطبع- فقد استطاع بسهولة ان يتغلب علي جباروته, نزف عماد من انفه و هو يتأوة و يردد :
-صدقني مش انا..انا مليش دعوة
لم يصل لآذان وائل ما يقول, انتقام هذا ما رسم في باله, الانتقام, كانت شيماء تصرخ و تلطم علي وجهها و الاطفال يبكون في هرع و يتراكضون الي الخارج في عويل مستنجدين بالجيران و رجال الشارع..
التف حوله شباب و رجال و حملوا وائل عن عماد الذي فقد الوعي و نزف من كامل وجهه و اخذ الكل ينهره و يؤكد له ستأتي الشرطي و تقحمه, لكن في الوقت نفسه اتصل وائل بزملاءه و امرهم بالقبض علي عماد و تحوليه لتحقيق لاشتباهه بأنه احد رجال اسلام السعدني و قد كان..
ظل في سيارته يسند برأسه الي الخلف و هو يشعر بأختناق في صدره و رغبة في البكاء لا يعرف ماذا دهاة ؟
حنين لم تكن خائنة, حنين خائفة, زفر بقوة و قد شعر انه السبب الرئيسي بما حدث لها, قد انقلبت الايه, هي المظلومة و هو الظالم ليس كما ظن..
فجأة انتباته قشعريرة قوية, و انكب لهيب الخوف في قلبه ان تصاب حنين بسوء, فهي الان وحدها بالمنزل و قد لقي عماد جزاءه, لكن بالتأكيد حنين مراقبة و الجميع ينتظر فرصة خروجه من المنزل بعدما استطاع تجميع كل الادلة ضد اسلام, اسرع بسيارته بلا وعي الي منزله و قد اصابه حالة ذعر و عدم اطمئنان..
وقف امامه, ليجد المنزل هادئا و حين تطلع الي نافذة غرفة حنين, وجد النافذة مبسوطة الذراعين رغم انه اغلقها جيدا, شعر بريبة و تحرك ظل و كأنه مطارد, صعد الي غرفتها راكضا هاتفا باسمها, كانت تبادره بالنداء لكن بصوت مخنوق و مكتوم, فتح بابها علي عجلة و بيد مرتجفة, تفاجئ بجثة رجل ملقاة علي الارض و قد غرز سكين في نصف صدره و حنين تقف مرتجفة مصدومة من فعلتها, تطلعت الي وائل و قالت بفزع :
-انا مقتلتهوش هو الي اتهجم عليا و كان عاوز يخرجني من البيت..
كرر جملتها مستغربا :
-يخرجك من البيت !!
قبل ان ترد انطلق صوت انفجار قوي في المنزل, جعل حنين تقفذ في حضنه صارخة, تمسك بها بأحكام و قد وجدا لهيب النار يندلع بغرفتها كما احتل المنزل بأكمله في غمضة عينو تكرر الانفجار, بدأت تصرخ بقوة و تقفذ علي اقدامها العارية و تردد "هنموت..هنموت"
كتم عويلها بكفه و دفعها الي النافذة و قال صارما :
-نطي بسرعة..
لتنظر اليه بفزع و تقول باتساع حدقتيها :
-مش وقت جنانك دة مش سور المدرسة
دفعها بقوة, لتقول خائفة :
-خلاص خلاص حاضر
وقفت علي اعتاب النافذة و حاولت تجميد قلبها وهي تشعر بلمسات الهواء الساخنة و هي تحتل مسامات بشرتها, اغمضت عينيها و قفزت بقوة علي الارض الخضراء و قد ارتطمت رأسها بقوة كما ألمتها ساقها المجزوع, قفز وائل بجاننبها بخفة عنها و جذبها مسرعا الي سيارته, دفعها داخلا و لكن قبل ان يدخل هجمت عليه رصاصات ثلاثة رجالة, بادلهم طلقات النار مسرعا, ضرب احدهم في صدره و الاخر جاءت في منتصف الرأس و الاخير اخذ الرصاصة في عنقه..
ارتجل سيارته و سار مسرعا بها و لا يبالي بالسيدة العجوز او مبتدأ القيادة او اطفال الشوارع كان يسير بأقصي سرعة ممكنة ليبتعد عن خطر منزله تلفتت حولها جيدا و قالت مرتجفة :
-خلاص بعدوا عننا..هما كانوا عاوزين مننا اية
ركن سيارته في احدي الطرق الفارغة, و مال برأسه الي الامام صامتا, لتربت علي ظهره في أسي, رفع نظره اليها و قال بصوت باكي و عينين متدمعة :
-عماد الي عمل كدة صح
لتقول مستفهمة في قلق :
-عماد اية
-خلاص يا حنين...انا عرفت كل حاجة انتِ كنت الحاجة الوحيدة الي يقدروا يلوا بيها دراعي و استخدموكي انتي قصادي..مكنتش اعرف ان عماد طمعان فيكي بالشكل دة..عماد كمان طلع بيتشغل مع اسلام انا بدأت اشك فيه من ساعة ما بدء يديني معلومات غلط..انا اسف يا حنين انا السبب في كل الي حصلك دة..انا طلعت مش قادر احميكي زي ما وعدتك
لتقول بفزع :
-لا يا وائل عماد مش هو الي اذاني بس عماد فعلا ليه علاقة باسلام..
صمت لفترة و نظرات حنين تتردد عليه في حزن, لم يستطع تصديق ان الملاك الصغير قد تأذي بسببه, بدأت عينيه تزرف دموع صغيرة, لتمسك وجهه بين يديها و قالت :
-متخافش يا وائل انا هفضل معاك مهما حصل
هز رأسه نافيا :
-مينفعش تبقي معايا اكتر من كدة انا مش هستني لما تروحي مني..
و تابع متعلثما :
-حنين انتِ طال..
بترت جملته بأصابعها فوق ثغره و نظرت لعينيه في ابتسام :
-لا يا وائل انا معاك و هفضل معاك
*
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن