-6-

20.2K 406 8
                                    

-6-
هتفت الطفلة بصوت طفولي :
-بابا
فاخذ قبلة سريعا من شفتاة الصغيرة جذبها الي صدره, لتقول ناهد :
-انت هتفضل علي الباب..ادخل
افسحت له الطريق لدخول, فدخل و هو يداعب الصغيرة التي اخذت تلامس تفاصيل وجهه بيدها الصغيرة, كان يشاكسها من حين لأخر, بأن يوهمها بالتهامه لاصبعها او بالقائها بعيدا, كانت تدندن بضحكات عذبة, حتي اتت والدتها و وضعت صنية الشاي, و سألته قائلة :
-انت كام معلقة سكر..
فقال و هو يكمل مداعبته لمايا الصغيرة :
-لا مش عاوز اشرب حاجة..كفاية السكر دة
فنادته مكررة :
-باباة..
نهرتها والدتها غاضبة :
-اسمه خالو يا بنت..انتي اي حد تشوفيه تقوليله يا بابا كدة..
و تابعت و هي تنظر لوائل :
-عملتلي نفس الحركة في المطار و الراجل الي قاعد جمبنا هو و مراته قعدت تقوله بابا بابا..
فضحك وائل لتقول ناهد بصوت ضاحك :
-و عينك ما تشوف الا النور مراته كانت هتعيط, عشان باين انهم كانوا في شهر عسل في ايطاليا و لسة راجعين مصر..و قعدت اعتذرلهم بالنيابة عن الغلبوية دية..
مسح بيده علي شعر مايا و قال في حنو :
-خليها تقول الي هي عاوزاة..انا حبيتها اوي
اخفت الصغيرة وجهها بيدها, فقالت ناهد باسمة في غبطة :
-و حنين اية اخبارها ؟ كبرت زيك كدة..انا سمعت انكم اتجوزتوا خلاص..
فقال وائل مؤكدا :
-اه من حوالي شهر..
-خلاص..لو جبته بنت سموها علي اسم عمتها "ناهد"
و من ثم امسكت بيده و قالت :
-مش مصدقة اني شوفتك اخيرا يا وائل..انا كنت اكاد اكون نسيتك بسبب المسافات..اكتر من 14 سنة و مبنكلمش الا تليفون كل فين و فين
فطوق ذراعيها و جذبها برفق الي صدره, فتركت رأسها فوق صدره و هي تقول بصوت متهدج :
-صعبانة عليا نفسي..بجد كان نفسي نبقي دايما مع بعض و مفيش اي مشاكل تفرقنا زي اي اتنين خوات..بس ظروف وفاة بابا بقي
حاول ان يتلاشي الموضوع المؤسف و قال :
-جوزك و مامتك عاملين اية ؟
-كويسين..بس انا فجأة زهقت و قولت انزل مصر اقضي شهر معاك..كنت خايفة متجيش تقابلني
-و اديني جيت
و تابع في حماس :
-و كمان انتِ هتيجي تعيشي معايا انا و حنين
لتقول في سعادة خجولة :
-بجد يا وائل
و واصلت حديثها في لوم و عتاب :
-كدة متجبش حنين معاك..انا نفسي اشوفها..بس انت وشك ماله ؟
فقال مستغربا :
-ماله ؟
-مخطوف و لونه اصفر !
بالفعل كان وجهه شاحب, و عينيه اصبحت جاحظتين, و انحدرت منها هالات سوداء من السهر و التعب, لقد تشابه مع اعراض الحنين البائسة الكئيبة..
فرفع منكبيه بلا اكتراث :
-لا عادي..الشغل و مشاكل متاخديش في بالك
فسألته بخبث :
-انت متخانق مع حنين و لا اية ؟
فضحك طويلا و ازدادت قهقهته و قد نظر اليها قائلا في سخرية :
-اة و هنطلق
شهقت في صدمة :
-اية تطلقوا لية ؟ اية السرعة دية..انتم لسة متجوزين و ممكن تلاقي حنين حامل !
قال هازئا :
-الاقيها ! لا هي حامل في الشهر في التالت
ابتسمت في ود و لحظات و رفعت حاجبها الكثيف مستغربة :
-التالت! انتم مش متجوزين بقالكم شهر
وضعت يدها علي فمها سريعا و قالت في ضحكة ماكرة :
-اسفة..اسفة فهمت..
ليقول بلا اكتراث و هو يمسح علي شعر مايا النائمة فوق صدره :
-لا متتأسفيش عادي..الاهل بقي زعلوا لما عرفوا و قال ان الولد هيبقي ابن حرام و كل واحد قال ان اتبريت منكم..
عقدت حاجبية متؤثرة و ربتت عليه قائلة :
-يا عيني..الاهل كبروا الموضوع شوية..بس برضه لية تتطلقوا
احتضن الصغيرة و هو يقول خاتما  للحديث :
-مش متفقين
                                                     ***
عاد الي المنزل في الثالثة صباحا, وجد قناديل غرفتها مازالت مشتعلة, لم يكن جديدا عليه ان يدرك باستيقاظها حلما يصل,لكن ما استغربه استمرارها علي العادة حتي بعد تلك المشاكل الكبيرة التي ولدت بينهما و زرعت الجفاء و الحقد..
حيا الحارسين البديلين لحارسين الصباح,  صعد الي الطابق العلوي, صار في الرواق علي مهل ليلحظ اطفأ القناديل تأكد انه لو دخل لأولت ظهرها اليه و اصطنعت النوم, دلف الي دورة المياة و استحم بالمياة الباردة..و من ثم دخل الي الغرفة ليرتدي ثيابه, فسمع انين حنين, اول ما لاح في عقله انها تتظاهر كي يحن عليها و يناولها حضنه و يتهامس بأذنها "الف سلامة" لكن الخدعة لم تسر عليه تلك المرة, فأخذ يدندن و يلحن بصفير مزعج, حتي جاءه اتصال هاتفي من اخته الغير شقيقة "ناهد", اجاب عليه بصوت عالٍ :
-ايوة يا حبيبتي
-وائل انت نسيت ساعتك عندي ابقي افتكر تاخدها بكرة..
-فعلا شكلي نسيت ساعتي في البيت..خلاص بكرة و انا اجي هاخدها..تصبحي علي خير و بوسي حبيبة بابا
قالها و هو يتأكد ان حنين تسمع كل كلمة يقولها, انهي ارتداء ثيابه و خرج من الغرفة لينزل علي السلالام متمتعا بما فعل..
استلقي علي اريكته في غرفة المكتب بعدما اطلع علي بعض الاوراق المهمة و نام نوم عميق, و استيقظ بعد ساعات –كما اعتقد- علي ايدي حنين التي ربتت علي ذراعه..فتح عينيه غاضبا انها لم تتركه نائما لوقت اطول..
جلس مستقيما بظهره و مسح بيده علي وجهه ليمحو اثار النوم, فوجدها تجثم علي ركبتيها عابسة بملامحها في ضيق ليزفر حانقا قائلا :
-عاوز اية علي الصبح!
فردت بنفاذ صبر :
-صبح ! الساعة 3 العصر يا وائل
قفز من مكانه و قال بزعيق :
-انتِ بتهزري ازاي تنسي تصحيني
اسرع الي دورة المياة, فلاحقته علي مهل و هي تقول بغضب مكتوم :
-علفكرة انا بصحيك من الصبح و انت مش راضي..اصل هتصحي ازاي من سهرة امبارح
سمعت صوت صنبور المياة, لتسند بظهرها علي الباب و تشابك ذراعيها قائلة متظاهرة عدم الاهتمام :
-و في واحدة اتصلت بيك و لما قولتلها انتِ مين ؟ ضحكت و قالتلي اية دة لسة متعرفيش و بعدين قالتلي هتبقي تعرفي بعدين
و تابعت :
-صحيح يا وائل مين حبيبة بابا دية؟ انت مخلف و انا معرفش
خرج من المرحاض و صرخ بها :
-ابعدي عني..بطلي رغي دلوقتي انا مستعجل
امسكت ذراعه و صاحت فيه :
-انت متتهربش مني؟ مين الست الي بتكلمك
صمت للحظات و فكر بما تكون الاجابة, اراد ان يتلاعب بأعصابها قليلا فقال بابتسامة عريضة صفراء :
-مراتي
ابعدت يدها عنه و تراجعت الي الخلف و قد صعقتها الدهشة فقالت بفزع :
-اية مراتك ! انت متجوز
و تلجلج صوتها المرتعش :
-و مخلف
اتجه الي الخزانة و بدل ملابسه في عجلة و هو يقول مسرعا :
-و خلي بالك هيجوا يعيشوا معانا من بكرة
صرخت به ثائرة :
-مين دول الي يعيشوا معايا..البيت دة بتاعي و انا مش هسمح بكدة
ربط رابطة عنقه و هو يقول :
-بس البيت مكتوب بأسم مين ؟
فارت من الغضب و قالت :
-مش معني انه مكتوب بأسمك ان يبقي ليك الحق انا دافعة زي زيك فيه
رفع حاجبيه قائلا :
-الورق بيقول ان وائل محمود هو الي دافع
و ارتدي حذاءه, فأطالت النظر اليه و قالت في تحدي :
-ماشي يا وائل وريني هيعرفوا يقضوا ليلة معايا ازاي
أتاة اتصال, فرد و هو يتعطر :
-ايوة يا عماد
فقال عماد متأسفا :
-اسف يا وائل مش هاجي انهاردة يوم تاني..
فنظر الي حنين عبر المرآة و قال بابتسامة خبيثة سعيدة :
-مفيش مشاكل يا جينرال..
و اغلق الهاتف, ليقول باسما :
-خلاص يا حبيبتي هما هيجوا من انهاردة جهزي نفسك لاستقبال..
خرجت من الغرفة مسرعة و هو تغمغم بالسباب و اللعن عليه, ليضحك و يقول بأنتقام ساخر :
-هجننك لحد ما تعترفي بكل حاجة !
                                              ***
بسط ذراعه و قال باسما :
-ادخلوا بس استنوا اقولها..
و جثم علي ركبتيه ليقابل طول مايا و قال مشاكسا :
-بطلي شقاوة لحد ما حنين تيجي فاهمة
اماءت رأسها في طاعة و ابتسمت ابتسامة خجولة, فأسرع بالصعود علي الدرج اليها, دق بابها و هو يقول بضحكة خبيثة :
-افتحي يا حنين
لم يسمع فرد, فردد ثانيا :
-افتحي يا حنين,.
يكره الانتظار و الصبر كثيرا, ففتح الباب علي مصرايعه, ليجدها تستلقي علي الفراش و توليه ظهرها, و عينيها مفتوحتان تنظر اليه بريبة و خوف, جلس علي طرف الفراش و قال :
-يلا قومي
حركت رأسها ناهية و تعالي وجهها السقم و الحزن, فجذبها بخفة من السرير, فوقفت معه و قالت بصوت متهدج :
-سبني مش عاوزة اروح في حتة انا تعبانة
و تابعت بتأوة :
-راح..راح
عقد حاجبيه و قال مستغربا :
-مين الي راح ؟
امسكت كفه بأحكام و تساندت عليه و هي تقول :
-البيبي راح
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن