-14-

16.2K 338 23
                                    

-14-
لتقول ناهية :
-لا محصلش يا وائل..لا
و صرخت بقوة :
-لا لا
لم يستطع ترويض صياحها المتلاحق و القبض علي حركاتها اللا ارادية, كان صياحها مصاحب لدموع و عويل, اسرعا اليهما ممرضات امسكن بها جيدا و حقونها بحقنة مهدئة بينما خرج وائل محني الرأس مندهش من افعالها, رفع رأسه ليجد ممرضة قمحاوية تنظر اليه في اسي و عينيها تتحدث في صمت لم يفهم اهي تغازله ام تريد افشاء سرا, استدارت عنه و تقدمت مع زميلات العمل لغرفة حنين الصائحة..
اصرح لها بالعودة لمنزل بعدما جبس يدها و تلفعت بوشاح ابيض سميك ثقيل, و كذلك ساقها, فقد اخذت تسير بعكاز يساندها علي الاستقامة في المشي..كان وائل ممتقع الوجه حزين صامت يبتسم لها من كل حين للاخر ليخفف ما بها من الالم و أسي, كان لطيفا لأقصي درجة فما ان عادت لمنزلها حملها علي ذراعيه في خفة و صرامة وجه غير مبالي نظرات الناس, قادها الي غرفتها و اجلسها علي فراشها مستقيمة الظهر..
-انا محتاجة انام..مرهقة
-مش جعانة
سألها مبتسما, لتحرك رأسها نافية, جلس جوارها و خلع ثيابها لاحظ انكماش جسدها لم يتفهم له سبب, ظنه في البداية خجلا لكن حين انكشف ذراعها و ظهر عليه التورم, ضيق نظره لتلمح بصره و خافت ان ينكشف امرها لتقول مسرعة :
-ينفع تلبسني انا سقعانة
ليضع يده فوق منكبها و يقول مستغربا :
-اية دة ؟
تراجعت بجزعها الي الخلف فيما تأوهت بألم و هي تقول :
-لو سمحت كتفي واجعني..
فقال معتذرا :
-خلاص خلاص انا اسف..
و رطب كتفها بمرهم لتورم جسدها, بدل ثوبها بثوب نوم مريح دافئة, و فورا ساعدها في الاستلقاء علي الفراش, جلس جوارها معتدلا و مسح فوق شعرها المختال علي الوسادة, ليقول :
-يلا نامي
فقالت في دلال :
-نام جمبي و اقعد كلمني لحد ما انام
انزلق بجسده علي الفراش مستلقيا جوارها و متخذا جسدها علي صدره, و قال :
-اديني بقيت جمبك اهوة
بسطت مساعدتها السليمة علي صدره و دفست رأسها علي كتفه كطفل مدلل صغير, تفحص ملامح وجهها المتعبة شعر كأنها قط ذو عيون بريئة فكان كلما تلاقي زراق عينها في عينه تليح علي وجهه ابتسامة, سألته مشاكسة :
-وائل عديت النجوم انهاردة
اتسعت ابتسامته الفياضة بسعادة و قال و عينيه لم تزيح عن بدر وجهها :
-لا استكفيت بالنظر لقمر
اخبأت وجهها في منكبه بحياء و رفعت اليه عينيها الخبيثة قائلة في غنج :
-حاسة انك اول مرة تقولي كلام حلو
ابعد خصلات شعرها المزعجة عن عينيها و قال :
-احنا بدأنا صفحة جديدة رغم اني في حاجات كتير لسة معرفتهاش بس انا متأكد انك هتقوليها
-ما تسفرني يا وائل بعيد في مكان محدش يعرفه و لو حتي جزيرة مهجورة نعيش فيها سوا
ليضحك ممازحا :
-بتقري قصص خيالية كتير الايام دية
-صدقني يا وائل ساعتها مفيش حاجة هخبيها عليك
و تابعت بيأس :
-انا عمري في حياتي ما خبيت عليك اد دلوقتي لكن صدقني دة خارج ارادتي..
ليصمت و ينظر لها بشغف و تساؤل عما يدور في رأسها الصغير.
-انت بتحبني ؟
سألتها في تلقائية ليعقد قوسين حاجبه :
-اية لازمة السؤال دة
ارخت رأسها علي الوسادة و قالت :
-بوسني
لم تدرك كيف طلبت بتلك الجراءة لكن وجدته يلبي طلبها بلا تردد و يقبلها بشراهة لطيفة, احيتها قبلته و جعلتها تتعلق به و تتمسك به, لتنام في سلام بين احضانه بلا اي نبضات خوف, نامت علي اللحان انفاس المطمئنة فقط, المطمئنة..
                         ***
مد يده بكوب اللبن و قال مترجيا في حزم :
-يلا يا حبيبتي اشربي
حركت رأسها معارضة و قالت :
-لا ابدا, مبحبهوش
ليقول في ضيق :
-محدش بيحب اللبن بس هو مفيد لعضمك الايام دية
لتقول ناهية :
-مش هشربه برضه
و تابعت في ثقة :
-وريني هتشربني ازاي
امسك بكلتا معصميها في شيء من العنف و قال :
-هشربك بالعافية
حاولت الهرب و التملص من بين يده لكن لم يبدي نفعا اطلاقا, فقد شربت كوبا كاملا و نقاط اللبن تركت بقع علي قميصها, وضع الكوب جانبا و امسك ورق المحارم و مسح اللبن الذي صنع شاربا ابيض فوق شفاهها, كان يتبادلان الضحكات و مداعبات الكراهية الممازحة فقد وعدته حينما يتعب ستشربه بقرة كاملة كل يوم ليجرب عذابها, لثم خديها و هو يعتذر في قهقهات متتالية عما حدث في عراك اللبن كل صباح, دق رنين المنزل, لتقول مسرعة في فزع :
-وائل مش هينفع الضيوف يشوفوا شكلي كدة..
فأخذها الي غرفتها و بدلت قميصها علي عجلة و ظلت جالسة علي الفراش و قد عارضت النزول الا عندما تعرف الطارق..
صعد اليها وائل بعد دقائق معدودة و اطل بوجهه قائلا :
-عماد جية
اصدرت شهقة لا ارادية و قالت ناهية بخوف :
-لا مش عاوزة اقابله قوله نايمة
ليجلس جوارها و يقول معاتبا :
-لا دية اسمها وقاحة يا حنين..الراجل مكلف ننفسه و جي و هو كمان الي خلاني اخد اجازة و اقعد جمبك اليومين دول..
لتقول بصوت باكي :
-لا يا وائل مش هقابله
دق باب غرفتها و اطل عماد بوجهه المستدير الذي انحدر منه لغد ثقيل, نظرت حنين الي وائل و جزت علي اسنانها و هي تقول في سخرية :
-انا الي وقحة برضه
سمعها عماد ليخفض رأسه في حرج و يقول :
-قولت اكيد انتِ تعبانة و مش هتقدري تقابليني
ليجلس علي الاريكة المقابلة لفراشها, اخذ يدعو لها بالسلامات و مجمالات علي جمالها في اثناء تعبها, و قال في حزن مصطنع :
-سلم الفيلا بتاعكم طويل فعلا اكيد اتوجعتي جامد
لتتسع حدقتيها من كذبات الرجل و تقول :
-بجد!
و تابعت في مكر :
-شكلك وقعت كتير من السلم
مسح علي ذقنه و منحها ابتسامة باردة, ليقول وائل مسرعا :
-نسيت اضايفك يا عماد..تشرب شاي و لا قهوة
ليقول عماد :
-لا عاوز مية ريقي ناشف
خرج وائل و توجه الي المطبخ, لتستغل حنين خروج وائل و تقول بصوت محتد :
-والله لاخد حقي من كل واحد فيكم و اخليكم تدقوا الي حصلي واحد واحد..انتم شكلكم نسيتوا نفسكوا انا مش بيتلوي دراعي و لا بيكم و لا بغيركم..و مش هتعرفوا تقربوا لوائل الي انتم كلكم خايفين منه..الحقيقة لازم تخافوا مني انا...عشان انا الي هوديكم في ستين داهية
ليقول ساخرا :
-لسة طفلة زي ما انتِ يا حنين متغيرتيش
لتقول بقهر و هي تشير لنفسها :
-انا الي استأمنتك و مديتلك ايدي اول ما حسيت اني وقعت عشان تساعدني و تحميني انا و وائل طلعت كلب زيهم
-انا اخترت الطريق الصح..انا مش مستغني عن حياتي او حياة اهلي
-هو وائل مش من اهلك يا عماد
تنحنح صامتا و تراجع الي الخلف, دخل وائل محملا صنية المياة و القهوة, تناول عماد كوب المياة و قال :
-انا مضطر امشي يا وائل دلوقتي..
ليقول وائل بضيق :
-انا عملتلك قهوة ما تخليك شوية
فقال معتذرا :
-شكرا يا وائل..
خرج عماد, و اوصله وائل الي الباب ليصعد الي حنين, كان وجهها متوجما هادئا, فقال :
-مالك يا حنين
لتتبسم علي مضض و تقول :
-مفيش يا وائل عاوزة انام..
تماثلت الي الشفاءو بدأت بالتحرك بمفردها بلا عكاز, كان وائل يوميا بجوارها يساندها و يساعدها, يدللها كطفلة في الخامسة و يحادثها كأنثي في الثلاثين لم تكل يوما من معاملته الناعمة لها, رغم ان راوده شكوك حين غسل جسدها و استطاع كشف كل جروحها بدء يسألها و يقول "دة مش وقعة سلم بس" فقابلت سؤال بالضحك و التبسم, و لم تبالي بما يحدث في عقله..
في احدي الليالي جلس جوارها فوق السرير, تقرا كتابا المانيا و تشرب مشروبا ساخنا, كان ينظر لها في اعين متفحصة بها غموض و قال في حيرة :
-حنين
لم تلتفت اليه و ظلت في انتباها لكتاب :
-ايوة يا حبيبي
-انتِ مش حابة تقولي حاجة
لم تتفهم ما يقصده لترفع منكبيها و تقول :
-لا, رميت الزبالة
ليقول في انفعال :
-زبالة اية دلوقتي ! انا بكلم عليكِ انتِ
و سحب من بين يدها الكتاب, لتقول في خجل :
-بس انا لسة تعبانة مش هينفع
ليزداد حنقا :
-مقصدش الي في دماغك..انا بقول عنك انت شخصيا, الي في جسمك دة مكنش من وقعة سلم الجروح اعمق من كدة
بسطت كفها تجاهه و قالت :
-ينفع الكتاب..
ليقول في ضيق :
-مبحبش جو الاستبهال,,انا لازم افهم حصلك اية..
رن هاتفه, فقالت بريبة :
-طب رد و بعدين نكلم
ليصيح بها :
-متغيريش الموضوع,, انا استنيتك لما تقدري تفوقي و تتحسني عشان افهم و انا مش هصبر اكتر من كدة
-صدقني كل دة تهيؤات بس..
استلقت علي فراشها و اولته ظهرها, و صدرها يعلو و يهبط من الخوف و الفزع, لينتشل الهاتف الذي لم يكف عن الرنين و رد في زعيق و سخط :
-مين بيكلم
ليأتيه صوت انثوي متهدج خائف :
-انا صفية..حضرتك استاذ وائل صح
*
*
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن