-20-
-صدمة موت جوزها مأثرة عليها لدرجة انها مش قادرة تطلع طاقة حزنها..واضح انها كانت متعلقة بيه جدا فـدة الي مصعب الموضوع..
هذا ما قاله الطبيب لوالديها, بعد مرور اكثر من شهر علي قتل وائل من بين احضانها, هي صامتة لا تحادث احدهم, قررت المبيت في بيت زينب, البيت الذي طالما احتواها طوال عمرها, لم تبك منذ فراقه الا فوق صدره و هو يلفظ اخر انفاسه..ارتدت قميصه الفضفاض فنبعثت منه رائحة جسده كانت تحتضن ثيابه داخل صدرها كل ليلة, اصبحت تتناول الطعام فقط لصحة طفلها اما هي فلا شهوة لطعام, لحديث, لحياة..
في بداية الايام بعدما وقعت عليهم صعقة موته, ذهبوا اليها ليصدموا بسكوتها و جلوسها مضمومة الساقين الي صدرها, كانت ناظرة الي النافذ بعين شاردة, حادثوها فلم ترد, اخبرهم الطبيب انها فترة لن تطل, ستعاود الثرثرة و الكلام لكن حالتها النفسية أستحوذت علي جسدها كله و استسلمت بسهولة..
مات و هو يقبلها, مات و اخر شيء تركه لها لثمة فوق الجبين و جنين داخل احشائها, ستحافظ عليه سيكبر, سيكون الافضل, ستحادثه عن شجاعة والده, لن تتخل عن يونس ابدا. بحثت الشرطي كثيرا حول مقتل وائل و تبعت اثار المجرم لكن لم يصلوا الي حل, هي متأكدة من القاتل ذلك المجنون طالما عشقها فقابلت العشق بالتجاهل و الان عاد لينتقم بتلك الوحشية...يا تري ماذا سيريد في امراة انتهت حياتها و اصحبت جسدا يسير علي اقدام هاشة, تهوي كل دقائق من الضعف, جسدا ما عاد ينبض حياة بل قسوة و انتقام, لو رأته ستقتل و لن يهدأ بالها حتي تخرج طاقة حزنها في قتله..
لم تعد هناك حياة, مات وائل حبيب عمرها, شريك اجمل لحظاتها, سند انكسارها, انتهي هذا العناق الدفئ و القبلة الحنونة, انتهي من تشكو لها ألمها..تذكرت الليلة التي قضتها في حضنه طوال اليل يومها اخبرته انها تعرف مقدار حبه العظيم لها, فلولا الحب لطردها من اول ليلة في القصر و اتهمها بالخيانة و الخداع بل و ترك علامات ضرب قوية فوق جسدها و سلمها الي اهلها بكل اهانة..وقتها اجاب باسما "حاربت سنوات لأجلك و انتظرت طيالة حياتي حتي تكوني زوجتي رفيقة عمري بالتأكيد القدر أحب التلاعب بصبري, لن ايأس يوما في الوصول اليك, كنت صحيحا حينما شككت بقولك فقد كنت اتمسك بأي خيط رفيع يبعد عنك الشبهات, انت لي و ستظلي لي يا حنين"
فككت شعرها و اعادت ترتيب جدائلها العشوائية في تنظيم, اتخذت بطنها شكل دائرة منتفخة صغيرة, اخبرهم الطبيب انها في اخر الشهر الثالث, شهور يا عزيزي و ستكون بين احضان والدتك و تعوضها عن أسي العالم, جلست علي طرف الفراش و اسندت بظهرها علي مسند الفراش الخشب, فوق الخشب حفر بعض الكلمات ذات اخطاء املائية, هو يكتب احبك و هي تكتب احبك كثيرا, كان عمرهما السادسة لم يتحملا عبء الحب بل كانا عفويان المرح و السعادة هو من يبحثان لأجله..
قرع باب غرفتها, فقالت بصوت ضعيف :
-ادخل
طل رأس والدها الاصلع من الباب الموارب باسم الثغر محمل بين ذراعية صنية طعام, فتبسمت بوهن و دعته لجلوس معها.
-اتفضل يا بابا
جلس مقابلها علي الفراش و قال باسما :
-تسمحيلي يا اميرتي نفطر سوا
اماءت رأسها ايجابا, فدس اول لقمة في فوها اسقبلتها باستسلام, فتابع اطعامها و هي تمضغ في سكون, مسح علي شعرها بين كل حين و اخر بأسي و جزع..
-الحياة مش هتقف علي انسان..حنين انا خوفت اموت من بعد ما شوفت الي حصلك..كلنا هنموت
فقالت في وقاحة :
-كلكم غيره..
و تابعت بأسف :
-يمكن استثناءك يا بابا لان انت بابايا, لكن محدش عمره كان قريب مني قده و لا حد حبني قده. الحب اهتمام و الاهتمام محستهوش منكم الا نادرا, هو الي اهتم بتفاصيلي و بحياتي لكن انتم لا..هو فضل جمبي لما كلكم سبتوني رغم ان ملهوش ذنب..وائل عمره ما اذاني و انا عارفة انا بقول اية
ادمعت عينيها قائلة :
-هو كذب عليكم عشان يرجعني ليكم..انا فعلا تعرض لاعتداء لكن مش منه..وائل عمره ما كان قاسي عليا..
اصبح فارغا الفاة, غير مصدقا بما تقول به طفلته, شعر بوخز في قلبه و تألم في اسي صامتا, محتضن كفها بين كفوفه, لثم يدها بقبلة ابوية حنونة, و رتب فوق ظهرها قائلا :
-حبيبتي متزيديش نفسك بزعل..انتِ لازم تبقي اقوي تاثيرك النفسي السلبي يمكن يأثر علي الجنين, انا شايف انك تسافري يومين او سنين علي راحتك المهم ابعدي عن جو البيت دة..لحد ما نفسيتك تتحسن..انا معنديش مانع اسفرك اي مكان في العالم..
لتقول حانقة :
-اسافر ! و جوزي لسة ميت اقوم اسافر !
-سافري عشان ترتاحي..و نفسيتك تهدي
فقالت بعتاب و لوم :
-يا بابا وائل مات و سبني..بس انا مش هسيبه انا عاوزة افضل هنا طول حياتي
رد في ضيق :
-وائل مات و انتهي الامر..كلنا هنموت..امه قدرت تتأقلم علي الوضع لكن انتِ حابسة نفسك و بتعذبي روحي و طفلك..و انا معنديش قوة اتحمل فراق وائل و بنتي مرة واحدة..
لتصيح حنين حانقة :
-اتقتل و محدش مهتم بالامر..انت مش حاسس بالي انا حاسة بيه يا بابا
تنهد والدها بأسي :
-كلنا لينا اعداء مجرمين بحكم شغلنا و انتِ عارفة اني ياما اتعرضت لاعتداءات..بس متخفيش بنححقق في القاتل
و تابع حازما :
-عموما انا حجزتلك طيارة علي شرم الساعة 7 الصبح..و مش هدخلك البيت قبل ما اشوفك في حال افضل من دة..
رفعت احدي حاجبيه في غضب و قبل ان تعارض في عناد, قاطعها صارما :
-انتهي الموضوع..حضري شنطة سفرك
زفرت حانقة ليخرج و يصفع الباب..فارتمت بجسدها علي الفراش محتضنة قميص وائل الي صدرها.
***
في الصباح الباكر, حزمت حقائبها و ودعت والديها و حماتها العزيزة التي ظهر عليها اعراض المرض من بعد رحيل طفلها الوحيد, سافرت الي شرم الشيخ, و استقلت بفندق رائع الخدمة, جلست اول الايام داخل حجرتها لا تخرج منها ابدا, حتي جاء اليوم و نزلت تسير علي الشواطئ تغرس قدمها داخل المياة المالحة, و تتذكر احسن لحظاتها مع وائل اشرق وجهها بابتسامة حينما تذكرت اللحظات الجميلة بينهما و مشاجرتهما الطريفة..
جلست جوار سائحة شقراء, تصافحا و اخذها الشقراء الفضول لتساؤل عن جنسيتها, و حياتها, ردت حنين بنعومة و تحادثت معها بلغة الانجليزية, تبادلا ارقام الهواتف و الايميل الشخصي لحسابهما علي التواصل الاجتماعي, بالفعل تحسنت نفسيتها علي غير توقعها, صعدت الي غرفتها و استحممت في حمام ساخن, ارتدت ثوب صوفي عاري الاكتاف و الساقيين, وقفت امام المرآه تسرح شعرها المبلل و تجففه بمجفف الشعر الذي يضخ بهواء ساخن, فتح باب الغرفة فظنت انه احد عمال الفندق, تطلعت اليه عبر المرآة ليدخل بطاولة طعام متحركة, اغلق الباب بقدمه بخفة و رفع وجهه اليها, لتهلهل ملامح وجهها و تتوجم عينيها بينما تخرخر شفاهها بصدمة :
-صفوت
اقترب منها بخطوات هادئة و تمتم في تاثر :
-حنين..اسف اني جيت بالطريقة دية..بس صدقيني انا مكنتش حابب ان وائل يموت
امسكت بزجاجة عطر زمردية اللون و تعطرت في برود و هي تتابع حديثه :
-اسلام الي قرر من دون علمي و انا تفاجئت بموته..بس دة برضه كان شيء متوقع..انا شايف اننا ننسي الماضي و نبدء صفحة جديدة و ننسي كل ذكريات الي فاتت و انا بحبـ
المسكين لم يكمل الكلمة الرقيقة, فقد صدمه زجاجة العطر التي ضربتها به فوق حاجبه, صرخ بتألم و ازداد الما حين شق العطر الحارق علي عينيه و اختلط الزجاج بالدماء في جبهته, امسكت بمجفف الشعر و بدأت بطرقه به فوق مقدمة رأسه, فسارع بالامساك بذراعيها و كبل حركاتها فصرخت قائلة :
-مهما عملت مش هيطفي ناري الا لما اشوفك ميت تحت رجلي..والله يا صفوت ما هتقدر تاخد مني حاجة اــ
همسه بأذنها :
-حنين خليكي كويسة لأن حركة كمان و هخلص علي اهلك كمان دة غير ابنك..ارجعي معايا بسكوت و من غير اي انفعالات عشان باشارة واحدة مني هدمرك..
صاحت منفعلة حين اتي بسيرة اهلها و طفلها :
-انت جبان حيوان..انت شيطان
فتمتم بأذنها :
-هسسس عيب تكلمي كدة مع جوزك المستقبلي..تأدبي يا بنت
سألته غاضبة :
-انت جي لية ؟عاوز مني اية؟
-في شغل في القاهرة اليومين دول بعد ما ينتهي...هاخدك معايا ايطاليا نعيش زي اي زوجين..
-بتحلم كتير يا صفوت..مسكين, انت اتعودت علي حنين الضعيفة لكن متعرفش انا مين و اقدر اعمل اية
قالتها و بريق الشجاعة يتلألأ في عينيها, ليبتسم في سخرية و يهز رأسه نافيا :
-مش هتقدري تعملي حاجة..انتِ بين ايديا دلوقت..و يلا انزلي بهدوء معايا احسن ما استخدم طريقة تزعلك مني اوي
انتصبت بخوفت و ابتلعت لعابها, فكزت رأسها ارضا في اسي و ضعف و هي تستلم لدفعه لها خارجا..
*
*
*
يتبع
ناقص حلقتين يا بشر :D