-حامل في الشهر التاني ازاي..اكيد الدكتور بيخرف!
تحولت الانظار كلها لوائل الصامت, الذي لم يبالي بما يقال, فتقدم حسين اليه ببنيته الضخمة و قال بصوت اجش :
-حامل ازاي في الصباحية..تفسير منطقي يا وائل بيه!
ابتعد عنهم في هدوء و قال مسرعا :
-عن اذنكم
تقدم الي غرفة حنين, و اوفد الي فراشها حيث كانت راقدة مفتوحة العينين, جثم علي ركبتيه بجانبها و ظل ناظرا اليها في سكون, قالت بصوت حزين :
-خلاص عرفوا..
اماء رأسه بيأس ثم سألها :
-انتي كويسة؟
امسكت كف يده و قالت :
-انا ! انا خايفة..
عانقت يده بأصابعها و اكملت بترجي :
-هربني..تعالي نهرب منهم دة الحل الوحيد
كان صوتها يكاد لا يسمع من همسها و انفاسها المتلاحقة, ليشابك حاجبيه و يقول :
-من مين..من اهلك!
حركت رأسها نافية و قبل ان تنطق بكلمة, صدما اثنيهما اقتحام الدخيل, انتفضت في جلستها و تشابثت في وائل خوفا من والدها الذي حاولتا الممرضتين منعه من الدخول بتلك الطريقة الهمجية, دفعهما عنه و امسك بشعر ابنته و صرخ بها :
-انت اية! انتِ هتجبيلي العار..انا هقتلك و ارتاح من مصايبك السودا...
صفعها بكفه الضخم في ضربات متتالية و الكل يحاوله اوقافه لكن لا يفيد, صرخت في يديه طالبة النجاة من اي شخص, كل كف يصعق خدها حتي يشل, ابعدته سعاد و هي تصيح به :
-هتموت البت في ايدك كفاية سبها..
احتضنتها زينب الي صدرها و اخذت تقرا ما تحفظه من ايات و هي تمسح فوق شعرها, و وائل صامت لا يبدي اي ردة فعل يتألم لم يحدث لكن هذا ما تستحق و من والدها افضل بكثير منه..علي الاقل هناك من حماها من بطشه, لكن مع وائل ليس هناك من يحميها..
تشاركت انظارهما و في بين تسند برأسها علي نهد زينب و تتشبث بملابس و بين وائل الذي وقف بعيدا ينظر اليها بلا اي مشاعر..
انهت زينب الحوار حازمة :
-يا حسين مينفعش الي انت بتعمله دة لما نروح البيت نتفاهم..
***
-آآآه
صرختها حنين بألم بعدما انزل والده كفوفه علي جسدها, و هو يردد سؤاله :
-انطقي يا بنت ال... ابن مين دة
انزل علي مسامعها اسوء السباب و الشتائم, كادت بالفعل تموت من ضرباته المتلاحقة و لكن هي اصرت الصمت علي القول, و قبل ان يصفعها والدها مرةة اخري, امسك معصمه و ائل و قال :
-سيبها انت ملكش حق تعمل فيها كدة...هي مراتي و انا مش هسمحلك تضربها و تهنها بالشكل دة قدامي..الكلام معايا انا
التفت له حسين و قال بغلظة :
-اخيرا اتكلمت يا ابو الهول..
واصل وائل كلامه المحفوظ :
-الي في بطنها دة ابني..مظنش اننا غلطنا احنا اتجوزنا خلاص..
صمت حسين مصدوما و قال بعد فترة دهشة :
-انت يا وائل! انت الي امنتك علي بنتي و حلفت لي انك هتصونها..انت يا وائل
-الكلام دة ملهوش لزوم..احنا صالحنا غلطتنا و اتجوزنا
قالها في جمود و صمود, لكنه لم يتوقع اللطمة القوية التي نزلت علي وجهه, تحاملها في صمت ليقول حسين :
-انا عمري ما هعترف بالنجس الي في بطنها..زيه زي ابن الحرام في عيني و لة معترفة ببنتي..انا بنتي ماتت بعد عملتها السودة
انتفضت حنين من جلستها و صرخت في خوف :
-بابا!
ليسارع وائل بقوله :
-متكبرش الموضوع يا سعادة اللواء..مفيش حاجة تستدعي كل دة..
اولهما ظهره صامتا, و تقدم منحيا الرأس, تحاملت علي جسدها و وقفت و هي تنادي :
-بابا...بابا..
و نظرت لوائل و هتفت به :
-بابا.
صمت في عجز و نكس رأسه في الارض, اقتربت منه والدته و قالت لهما في اشمئزاز :
-اخس عليكم اخس..
سمعت والدها و هو يقول لوالدتها الباكية :
-والله لو عرفت انك عتبتي البيت دة لتكوني طالق بالتلاتة..
قبض قلبها و جلست علي الارض تبكي في انهيار, غادر الكل المنزل, بقيا لوحدهما..هي تجلس علي الارض باكية و تنتحب بقوة و كأنها ريد الصراخ, و هو يقف صامدا بلا حراك, اكتفي بالنظر لها و هي تبكي في ذل..
-متفتكريش عشان انا قولت كدة يبقي في حاجة ما بينا,,كلها شهور و ورقة طلاقك توصل..
***
حل الليل و بزغ القمر في كبد السماء, نظرت اليه بدموع جافة و عينين كأرض يباب, لا تفكر في اي شيء الا ماذا سيكون مصيرها في الدنيا؟
عقاب مضاعف, الكل يفارقها و يبتعد عنها بعدما كانت تنعم بين احضانهم و قبلات كل منهم في غبطة, اتنهي كل شيء في غمضة عين, قلبها اصبح ميتا, كف عن نبض السعادة و اكتفي ان يحيها كي يؤلمها..
عرف عنها طوال حياتها بقوتها و شجاعتها في حمل المصاعب, و لم ابالغ حين اقول لم تبكي مذ سن سقوطها في مادة التاريخ في الثانوية..
لا تخاف من شيء, تعرف ان كل مشكلة و لها اكثر من حل الا مشكلتها, اخطأت و الكل يخطأ..لم نظرة الكره في اعين الكل, اضطرت لارضاءه و ابقاءه معها, لكن خانها و تركها وحيدة تحمل في احشائها طفلا منه..خائن كما لم تتوقع..!
-هتفضلي ساكتة كدة! انتي تقدري تصلحي كل دة و ترجعي الكل ليكي..صدقيني هنصدقك
وجهت رقبتها في مواجهته و قالت :
-كبرياءك منعك تصدقني..تصدق ان خونتك و حبيت غيرك..وائل طلقني ارحم من كل دة متعملش فيها الشهم الي خايف علي سمعتي بين الناس..مش المهم الناس خلاص..قريب كان اولي من الغريب و كل القريب سابني و اداني ضهره حتي انت
امسك بيدها و قال بتصميم :
-مش هطلقك الا لما اعرف مين ابوه..قولي يا حنين
اخذت نفس عميق و بدأت بقولها في حدة :
-ابني انا..و ابوه مشي و سابني و مش راجع
-انت بترددي كلام حفظاة..انا لسة مراهن علي نفسي انك كدابة
لتقف و تقدم خطوتها :
-عشان مش قادر تصدق اني حبيت غيرك..كان لازم ازهق يا وائل الفترة الي قضيناها مع بعض زهقتني منك..و انت اكيد حبيت غيري
شعرت بوجوده خلفها فارتجف وجدانها و رفعت رأسها في ثقة, لكن فجأة توجمت ملامحها في قوله :
-حصل بارادتك و لة غصب عنك !
ابتلعت لعابها و بعد فترة صمت متوترة خائفة قالت مختصرة :
-بارادتي
امسك ذراعها بعنف و شدها الي صدره فتشابكت العيون المتهم و الضحية لفترة طويلة فقال بعدما ضيق عينيه السمراء :
-مش انا يا حنين..هتندمي صدقيني
و تابع قائلا :
-موبيلك معايا و انسيه خلاص و برضه انسي انك تشوفي الشارع تاني..لحد ما تتعلمي ازاي تلعبي معايا
و اولها ظهره بعدما دفعها بعنف علي الفراش, و تقدم الي باب الغرفة و قبل ان يخرج سمعها تقول هازئة :
-ريح نفسك..الموبيل مش هتلاقي فيه اي حاجة و كل الي بتعمله ده تضيع وقت..
حياتهما اصبحت اسوء من الاعداء, تسكن في محرابها ليال دون ان تخرج الا لاعداد الطعام, و لا يدخل غرفتها الا لارتداء ملابسه, اخذ يخرج كثيرا في هذه الفترة و لا يجلس في البيت سوي سويعات قليلة, رغم عدم مبالتها به –كما يعتقد- الا انها تراقب سيارته و هي تصف في الجراج كل يوم, و في ليلة وجدت رجلان يقفان امام المنزل و يحادثان وائل, و وائل منهمك في الحديث معهما..كان تود ان تسأله من هذان لكن خافت ان يكون الرد قاسيا, فانتظرت الصباح حين تعد له الفطور, و قد علمت مسبقا ان غدا سيكون اول يوم لعودته لعمله بعد اسبوعان اجازة كئيبة..
وضعت القهوة علي مكتبه, فارشف منها رشفة صغيرة و تابع قراءته لبعض الورق, كان يدرك وقوفها امامه لكن تجاهله, فقالت بضيق :
-مين الي من ليلة امبارح دول!
اجابها مختصرا :
-حراس..
و تابع محتدا :
-يعني لو حبيتي تلعبي بديلك و تخرجي مش هتقدري
رفعت منكبيها بلا اكتراث و قالت :
-اه بس انا بفكر ارجع شغلي
ابتسم ابتسامة عريضة و قال :
-لاء مش هينفع
-انا حرة مظنش ليك دخل في حياتي الخاصة
-انتي لسة علي ذمتي لما تتطلقي روحي براحتك
لتقول في حدة :
-بقي كدة!
اخفض رأسه الي الاوراق مرة ثانية, لكن لاحظ خفة يدها في سحب هاتفه من المكتب و دسه ثيابها و تابعت تقول لاخفاء جريمة سرقتها :
-ماشي يا وائل انا هعرف اخد حقي ازاي
قالتها و سارت من غرفة مكتبه مسرعا, ليثب واقفا و هو يتابعها و هي تتجه نحو دورة المياة و تغلق الباب باحكام, ظل مندهشا مما فعلته فتقدم اليها متصنتا لحديثها..
فتحت صنبور المياة حتي لا يصل صوتها الي الخارج و قالت :
-انا خلاص قررت
فرد عليها في لين :
-اية يا حبيبتي
ثم تابع :
-اية مقولتيش وائل عمل اية
فقالت حازمة :
-بص..انا موافقة علي الصفقة بس لو عرفت انك قربت منه..
فقاطعها هازئا :
-لا متخفيش يا حبي..مادام هتمشي مظبوط مش هيبقي في احتكاك قوي ما بينا
لتقول في ارتباك :
-مش هتقتله صح!
-اسمعي انت الكلام و محدش هيمس شعرة منه
-تمام..
قالتها و اغلقت الهاتف و اسرعت بحذف رقمه من سجل المكالمات, تأكدت ان حوارهما لم يتعدي اكثر من دقيقتين فلن يسجل و لن يكتشف وائل مهما حدث هذا الحوار,,دست الهاتف داخل سروالها, و خرجت من المرحاض, لكن انتصبت في صدمة حين رأت وائل امامها باسمة الثغر تعلثمت في القول, لكن تفاجأت به يدفعها الي الحائط, رفع احدي حاجبيه :
-مفاجأة صح
*
*
*
يتبع