-7-

20.1K 432 7
                                    

-7-
-سبني مش عاوزة اروح في حتة انا تعبانة
و تابعت بتأوة :
-راح..راح
عقد حاجبيه و قال مستغربا :
-مين الي راح ؟
امسكت كفه بأحكام و تساندت عليه و هي تقول :
-البيبي راح
صمد في مكانه مفزوعا, فوجد ارتجافات جفنيها و غرز اصابعها في كتفه, امسكها و اخذ يردد :
-انتي كويسة,,حنين..حنين
لم تكن في حالة وعيها فأرتمت عليه, احتضنها مسرعا قبل سقوطها, و حملها و هرول خارج الغرفة و هي في حالة فقدان الوعي, صرخ هاتفا :
-ناهد..
و هذا اخر ما وقع علي مسامعها, و قد خفت يدها عن التمسك به..
                       ***
-ازاي..ازاي يحصل كدة
قالها بفزع و ملامح وجهه باءت خائفة, فشعر بيد اخته التي ربتت علي كتفه قائلة بتأثر :
-يؤسفني اقولك انها الي حاولت تجهض نفسها
تكهفر وجهه مستغربا :
-لية ؟
فأجابت بلهجة هادئة حنونة :
-اكيد كانت لازم تعمل كدة اي ست في موقفها هتعمل نفس الي عملته..عشان المجتمع هيبص انها غلط و هيشك ان الطفل يبقي منك..هي اكيد نفسيتها تعبت خصوصا بعد بُعد اهلها عنها و قسوتك معاها..
تنهد و تعلثم في قوله :
-انا هطلقها يا ناهد
فأسرعت ناهد بقولها :
-انت اتجننت يا وائل..بطل الكلمة دية, حنين انسانة جميلة مهما عملت و معروف انها بتحبك اوي و متقدرش تستغني عنك..حاليا بس جرب تعاملها بحنية و شوف هيحصل اية..كل الي انت عاوزه هتلاقيها بتعمله من غير عناد..
تقدم خطواط الي الامام, و اخذ يفكر في وضعه مع حنين هل واجب ان يبقيها جواره ام يطلق سراحها؟ هي تريد الطلاق و هو يريد السلام!
يريد الحقيقة, يريد الواقع المر, لا قصة من وحي خيالها, احبت اخر فخانته و حملت من الاخر الذي تركها و هاجرها..
لم تكن حنين يوما بهذا الغباء, لم تسلم جسدها له فلن تسلمه لغيره, كانت تكره تلميحاته عن انوثة جسدها, كانت تكره اي احتكاك قوي بينهما تشعر به بلمساته الجريئة علي انحناءات جسدها, كانت تعارضه بشيء من العنف الخجول, ادرك كرهها لقبلته اللئيمة حين يبقيا وحدهما, و من الاساس لم يكن لحنين فرصة لحب و العشق بل كانت تتفاعل مع وائل بالكلمات الرومانسية كل شهور مرة, هي تعرف و هو يعرف بحبهما اذن لا فائدة من الرومانسية اللزجة, يكفي وجودهما مع بعضهما..
لكن ماذا حدث يوجد جزء منقوص من الحكاية ! كيف حملت و لم يمسسها يوما ؟ و العجيب تأكيدها لما حدث بموافقتها لولا قولها لظن انها ضحية اغتصاب..سيجن يوما منها..
-حضرتك زوجها؟
قالها رجل عجوز يبدو في لهجته الوقار, انتشل وائل من افكاره و رد مسرعا :
-اه اه انا
فقال الطبيب بلهجة مطمئنة :
-الحمدلله النزيف وقف, محتاجة بس تبقي تحت رعاية تامة اليومين دول
فأسرعت ناهد تقول :
-هتروح امتي
-لما تفوق الاول هنبقي نشوف التفاصيل دية
فقال وائل :
-مينفعش اشوفها
-مش دلوقتي علي الاقل..
قالها الطبيب و انصرف ذاهبا, فقالت لوائل :
-وائل روح انت شوف مشاغلك و انا هقعد استناها تفوق
فعارضها ناهيا :
-لا لا انا هفضل معاها
فقالت راجية :
-روح يا وائل شكلك مشغول و متخفش عقبال ما ترجع تكون فاقت..
فقال مترددا :
-طب انا رايح مشوار سريع نص ساعة و هرجع
فأقتربت منه مايا و امسكت بساقية و هي تردد :
-وائل..باباة
فانحني و حملها اليه احضانه, ليقول لناهد :
-انا هاخدها معايا
فابتسمت له ناهد موافقة, فانصرفا.
خرجت ممرضة من الغرفة مع زميلتها يتناجيان في الحديث, فتقدمت اليهما ناهد و تساءلت :
-ينفع ادخل لمدام حنين
فقالت احدهما :
-اه اتفضلي هي بدأت تفوق, و هتلاقي مروة معاها جوة
ادركت بهوية "مروة" انها الممرضة الثالثة, فتقدمت لدخول بشغف, كانت مستلقاة علي الفراش تراقب حركات "مروة" في ريبة, تود ان تسألها عن وائل لكن صوتها لم يساعدها علي التفوة, رأت سيدة سمراء تتقدم اليها بابتسامة عريضة فنظرت اليها بتفحص و ضيق, خوفا من كونها زوجة وائل الاخري, مسحت ناهد علي شعرها و تبسمت لها في حنو :
-حنين !
شاحت حنين برأسها بعيدا و تجاهلتها, فقالت ناهد بحرج :
-اية يا حنين مش عاوزة تكلميني
فقالت حنين بصوت مقتضب :
-هو انتِ؟ ياريت تطلعي برة انا تعبانة و مش ليا قدرة اتخانق
-لية كدة يا حنين ؟ دة انا كنت صحبتك
نظرت لها غاضبة متسائلة في عصبية :
-انتِ مين انا معرفكيش ؟
اجابتها ناهد بحزن :
-واضح فعلا انك اتغيرتي..انا ناهد اخت وائل
اتسعت حدقتيها و تفرست ملامحها السمراء التي تشابهت مع وائل, فقالت بتعلثم مسرعة :
-انتِ ناهد! اخته..انا اسفة مكنتش اعرف
فاحتضنتها ناهد في غبطة و سرور و رددت بسعادة :
-انتِ وحشتيني اوي
فبادرتها حنين قائلة بصوت مفعم بالسرور :
-و انتِ كمان
و تابعت بحرج :
-اسفة عن الي حصل,,اصل..
و صمتت في حرج, فقالت ناهد :
-انا جيت من يومين مصر و كنت في شقة ماما القديمة و وائل جالي امبارح عشان يقعد معايا
لتقول بصدمة :
-وائل كان عندك انتِ امبارح؟
صمتت لفترة و اطلقت ضحكة غنج, ثم امسكت بأيدي ناهد بسعادة و قلبها يصرخ فرحا, تكلما في احاديث مختلفة و شعرت حنين بالطمأنينة اليها, و خاصا ان ناهد لها سعة صدر كبيرة لسماعها في هدوء دون ان تبث اي انفعال فظ, كانت رقيقة الي اقصي حد تضاحكها و تغازلها و تحادثها عن زوجها الاشقر الطيب..
و في ظل تناجيهما سمعا من يقرع الباب في خفة, فأذنت لطارق بالدخول, دخل وائل محملا الصغيرة علي ذراعه الايسر و الورد الابيض في اليد اليمني..ترك الصغيرة بين ايدي والدتها و جلس مقابل حنين و مد يده بالورد ببسمة مقتضبة, فلم تستقبلها و تجاهلت وجوده و اصرت علي محادثة ناهد في سعادة, لتقول ناهد معتذرة في حرج :
-انا هروح اجيب اكل لمايا عشان جعانة..
و غادرت مسرعة, لتقول بجفاء ملء صوتها :
-انا هنام اتفضل اطلع
جلس جوارها و مسح علي شعرها في رقة و هو يقول بلين :
-ناهد طلعت عشان نفضل لوحدينا
فقالت بنبرة مزقها الشجن :
-انت لية قولت انك متجوز و لا انت فعلا متجوز عليا
هز رأسه نافيا و امسك كفها قائلا :
-لا كنت بشاكسك بس
تطلعت اليه بعينين حمرتين :
-مشاكستك مش ظريفة
و تابعت :
-اوعي تبعد عني..مش عاوزة اطلق عاوزة افضل معاك بأي شكل خلاص دة اخر قرار
ليقول ممازحا :
-اخر قرار ! بالنسبة لمين
فقالت مشاكسة :
-بالنسبالي اية هتعترض
حرك رأسه مستغربا, فأمسكت يده بكلتا ايديها و احتضنتها بقوة و هي تقول بسعادة :
-انا مبسوطة حاسة اني تخلصت من اكبر عائق في حياتي
ليقول بنبرة جادة :
-طب ما تقولي اية ثاني عائق في حياتك عشان يبقي قرار لعدم طلاقنا مني انا كمان
عقدت حاجبيها وقالت :
-طول عمرك دماغك ناشفة بس و لو انت بتجري ورا سراب..فكفاية و استكفي بالي قولته قبل كدة
ابعد خصلات شعرها من اعينها و حدق بها قائلا في اصرار :
-يا حنين
لترد بغنج و قد رفعت احدي حاجبيها في ثقة :
-يا قاسي
فجأة فتحت الباب مايا و ركضت الي وائل ممسكة بساقية, لتتسلق الفراش و تجلس علي جسد حنين, نظرت لها بخجل خبيث ثم وضعت يدها فوق خدها و تهامست لوائل ماكرة :
-ماتت
اسرعت ناهد حاملة اياها و رددت اعتذارها :
-انا اسفة..اسفة بجد يا حنين...هي من ساعة ما شافتك تعبانة و هي خايفة ليكون حصلك حاجة
ضحكت حنين و قالت في عذوبية :
-لا لا مفيش حاجة يا ناهد سبيها تتشاقي هي شكلها طالعة لخالها
و تطلعت الي وائل بحب الذي قابل نظرتها في بسمة خافتة, و صمتا متبادلين النظرات السعيدة..
                                   ***
عادت الي منزلها الكبير بعد مدة فراق لم تكن طويلة, قضت معهما ناهد و طفلتها المشاغبة, التي قطعت كل اللحظات الرومانسية بين وائل و حنين بطلتها المفاجأة و تخبأها في وائل هاربة من والدتها, عشقتها حنين كما بادلها الحب وائل..حين عادت لوطنها كانت تبكي في احضان وائل و هي تأبي الرحيل و تركه و لم يهدأ بالها حتي وعدها خالها الحنون و زوجته الحسناء بزيارتها في منزلها يوما و جلب لها الكثير من الحلوي..هكذا فارقتهما في المطار مع دموع و قبلات متبادلة و احضان باكية..
عادا الي بيتهما  و قلبهما محزون علي رحيل ناهد و مايا الصغيرة, اتجه الي غرفة مكتبه بينما صعدت الي غرفتها لترتدي ثوب النوم و تدس نفسها في الغطاء محتمية من زمهرير الشتاء القاس, و قبل ان تخوض عالم الاحلام سمعت صراخه بأسمها, فزع كيانها و اسرعت بالقيام و الركض اليه في اضطراب,وجدته يسير ايابا و غيابا و اوراق بين يديه يطلع اليها في عصبية و غضب, فقال دون النظر اليها :
-خليكي سهرانة معايا في شغل مهم ورايا و لازم اخلصه, يلا روحي اعمليلي قهوة
فطاعته بقولها المهذب :
-حاضر دقيقة و احضرلك القهوة..
حضرت القهوة الساخنة و دلفت الي مكتبه في هدوء, كان يوليلها ظهره ممسكا بورقة وحيدة و يعلم بأقلام علي بعض الملحوظات, اخذها الفضول في الاطلاع علي الملف الاساسي, وجدت الاسم ينير الورقة "اسلام السعدني" فتعالي وجهها الدهشة و الارتباك في حيرة, فنادها فجأة بصوت غليظ :
-حنين
فزعت من صوته الضخم و تعثر الفنجان بين يدها ليقع علي السجاد و يبقي حطام زجاج منثور علي الارض,   فصرخ ساخطا :
-اية الي انتي عملتيه دة ما تركزي شوية
اسرعت بتقديم الاعتذارات و الاسفات, و جهزت فنجان اخر بعدما لملمت الزجاج المنثور و نظفت المكان بمنضف ذو رائحة عطرة قوية, وضعت الفنجان الاخر علي المكتب فقال في فتور :
-شكرا
فتعلثمت قائلة :
-انت لسة ماسك القضية دية ! مش كفاية بقي
و تابعت حانقة :
-الراجل دة هيوديكي في داهية
ارتشف من الفنجان و رد بلا اكتراث :
-المهم اوصل لمرادي, انا هاخد ترقية كبيرة لو قبضت عليه
-بس الطريق خطر يا وائل
رفع منكبيه قائلا :
-انا مكمل,
فجلست علي طرف المكتب و ابتسمت ابتسامة عريضة قائلة بثقة :
-عموما انا معاك و فخورة بيك..و مستعدة اساعدك في اي حاجة
لاح علي وجهه ابتسامة سعيدة و قال ممازحا :
-طب لو سمحتِ فنجان قهوة كمان
فردت بنفاذ صبر و قالت متظاهرة الضيق :
-مكنش قصدي علي القهوة
ليضحك قائلا بمشاكسة :
-متخفيش لما انجح هقول السبب الاول في نجاحي قهوة مراتي
ضحكت في دلال و تشاركا الضحكات العالية مع بعضهما, و هكذا كانا طوال الليل علي هذا الحال..
*
*
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن