-8-

18.6K 402 4
                                    

-8-
اسلام السعدني رجل في الخمسين من عمره, توفي والداه و هو علي مشارف العشرين, اضطر لتحمل مسؤولية شقيقه الصغير و العمل ليلا و نهارا مع دراسته الشاقة, كانت حالته مذرية حتي اتي عمه الاعزب من احدي البلاد الخليجية بعد قضاء خمسة عشر عاما في الخليج رأف بحالته الشاقة فمع ادراك عمه لمرضه الخبيث سلم ممتلكاته لأبن اخاه و اصبح يدير شركات قوية و يتعامل مع الاكبر سنا في لباقة و احترام, قطع وعدا علي نفسه بالا يسير الا مستقيم, لكن مع ثالث صفقة مع احدي تجار السلاح نسي عهده السخيف -كما لقبه- و بدء العمل في السلاح و تجارة الاعضاء و الاغذية الفسدة مع المخدرات..و هكذا اشتهر اسلام بثروته القوية و رغم ادراك الجميع بما يفعل الا ان الالسنة معقودة و صامتة لم يكن هناك دليل قاطعا بما يحدث, فساد الصمت الضعيف..
-القهوة يا وائل..
قالتها حنين برقة صوتها, لكن صمتت في آسف حين وجدته مستلقي علي الاريكة مغمض العينين, فجاءت علي مهل و اغلقت النوافذ, و اعادت ترتيب المكتب, اخذت الغطاء و وضعته فوق جسده لتلثم خده في خفة, فجأة شعرت بأصابعه تكبل معصم يدها اطلقت صارخة خائفة, فرك عينيه و قال مستغربا في صوت ملءه النعاس :
-بنصرخي لية !
تعلثمت في القول و اختفت الكلمات من لسانه :
-لا اصل اتخضيت منك
ابعد يده عنها و مسح علي وجهه و قبل ان يعتدل في جلوسه قالت مسرعة :
-لا لا متقومش..انت نام دلوقتي
كان سيعترض لكنها قالت بحزم :
-اوعي تقوم كمل نومك
رفع منكبيه  قائلا بنفاذ صبر :
-حاضر
ابتسمت له في اطمنان و خرجت من الغرفة مطفأة النور و الباب و هي تغمغم في رقة :
-تصبح علي خير يا حبيبي
                ***
مع اشراق شمس الحياة, دلف الي غرفتها فوجدها مستيقظة تطوي الثياب المغسولة, فقال مسرعا و هو يلتقط قميصا و يرتديه :
-قومي اللبسي
فتساءلت مستفهمة :
-لية ؟
-عماد عازمنا علي الباخرة
لتزفر في حنق :
-لا انا مش هروح
و تابعت في ضيق :
-انا بكره الراجل دة
تعجب فقال مندهشا :
-انا افتكرتك هتفرحي
لتقول بنبرة حادة :
-لا و متضغطش عليا عشان مش هروح
نظر لها بطرف عينه قائلا بأمر حازم :
-يلا !
رفعت منكبيها في غنج و قالت بعناد :
-لا و شوف هتوديني ازاي
                       ***
لتقول شيماء بسعادة مصطنعة :
-نورتي يا حنين
و نظرت لوائل في حب قائلة :
-و انت كمان يا وائل نورتنا
فرد وائل بابتسامة مشرقة :
-بنورك يا مدام شيماء
أتي عماد بجثته القوية و جلس جوار زوجته -شيماء- ليحيط بذراعه حول خصرها و يقول في فخر :
-اية رأيك في الباخرة يا حنين..تقريبا انتِ اول مرة تيجي
اماءت رأسها علي مضض, شعرت بغيظ جامح يخنق رقبتها مذ ان جاءت رغما عنها الي باخرة عماد, لا تراه رجل مرح بل سخيف و دائما ما تعبر لوائل بكرهها اليه, لكن لا يبالي بل العكس يتقرب منه اكثر..
تركتهم و توجهت الي حافة السفينة, تطلعت الي البحر في صمت متجاهلة العالم بأكمله, تسمعع قهقهات وائل التي تلاحقها ضحكات شيماء السخيفة, تلك التي طالما اعجبت بوائل و بجمال شبابه عن زوجها الاحمق, و اثناء شرودها في امراج البحر الهادئة, سمعت صوته الجادي يقول :
-مالك من ساعة ما جيتي و انتِ ساكتة!
فقالت في حدة :
-عماد ابعد عني..
ليقول مستغربا :
-لية المعاملة دية
ردت حانقة :
-اظن وائل كرهني خلاص...كل دة بسبب عمايلك كان هيحصل اية لو قولتله...انا وافقت بالعافية و مش لقياك جمبي
و تابعت بصوت ممزق من البكاء :
-الحقني يا عماد انا بضيع
اخرج هاتفا صغيرا من جيبه و مده لها في الخفاء و قال :
-متخفيش انا معاكي..و خلي الموبيل دة معاكي دايما
واصلت منتحبة :
-انا مش عاوزة ابعد عنه..انا عاوزة افضل معاه انا بحبه ارجوك حققلي امنيتي انت الوحيد الي تقدر
فقال ساخطا :
-مفيش اي حاجة في ايدي انا مهما حاولت مش عارف...احنا مضطرين نوافق
اشاحت برأسها بعيدا و الدموع تتساقط من ملقتيها بغزارة, كلما حاولت اوقفها تزداد سوءا و يزداد في قلبها وخز قوي يؤلمها...
جاور مجلس وائل ليجد اعينه متسلطة علي فتيات اجنبيات في الباخرة الاخري, كل منهن ترتدي ملابس لا تختلف اثارة عن الاخر, و يتعالي ضحكاتهن و هن ينظرن لوائل الذي لاح علي وجهه ابتسامة جذابة, فقال عماد بخبث :
-مالك يا وائل عجبوك؟
اسرع وائل بالاعتدال و نظر له بجدية قائلا :
-لا لا انا شوفتهم بالصدفة
فغمز اليه قائلا :
-عينك منزلتش عن البنت الشقرا
-لا كنت سرحان
قالها متعلثما ثم تطلع الي حنين الواقفة بعيدا وحيدة امام قضبان السفينة, فقال عماد ممازحا :
-انا مش عارف ازاي يا اخي دة انت كنت قبل الجواز احسن من كدة..بس عموما لو حابب اي واحدة من دول انا مستعد اغطي عليك من غير ما حنين تحس بحاجة
فقال وائل مسرعا :
-لا لا مش عاوز حاجة انت فاهم الموضوع غلط
و غير محور الحديث, في التساؤل عن العمل اخذا يتبادلان اطراف الاحاديث تارة و يقهقهان تارة و عيون وائل لا تفارق الفتاة الشقراء تارة اخري..
فجأة اسرعت شيماء بالركض اليهما و تعالي صوت عويلها, صرخ عماد بها :
-في اية ما تنطقي؟
لتقول شيماء مرتجفة :
-حنين رمت نفسها في البحر!!
*
*
*
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن