-9-
فجأة اسرعت شيماء بالركض اليهما و تعالي صوت عويلها, صرخ عماد بها :
-في اية ما تنطقي؟
لتقول شيماء مرتجفة :
-حنين رمت نفسها في البحر!!
قفز من مكانه غير مباليا بدفعه لعماد او شيماء, حاول البحث بعينيه في المياة, لم يفكر كثيرا و اللقي بجسده في المياة متجاهلا اي شيء, فحنين هي كل شيء..
انقذ بعوامة برتقالية ثقيلة, كانت فاقدة الوعي حتي بعدما ضربها فوق صدرها لتخرج المياة التي كتمت حلقها, هو يدرك جيدا حبها لمياة و قدرتها الخارقة لسباحة فبعد غريق خالها, اصر والديها علي تعليمها السباحة, اثبتت موهبتها و لم يكن هناك عائقا..آه يا حنين من افعالك المتهورة لن يهدأ بالك حتي..حتي ماذا هو لا يعرف ماذا تريد؟ يوما تحب العيش تحت جناح الرحمة و يوما تبدو قاسية الطباع و كأنها وحشا مفترسا ليست حنين اللطيفة..كاد يشك انها تعاني من مرض نفسي لتوتر مشاعرها, و الآن تلقي بنفسها في المياة لتموت دون وداع..
ارتعش جفنيها و بدأت بالكح الممتلئ بالمياة, كان وجهها ازرقا شاحبا خائفا, نظرت حولها طويلا قبل ان يعدل وائل جلوسها, و تضع شيماء معطفا رمادي اللون فوق ظهرها, شددت الوشاح علي جسدها و ترقبت الجميع بصمت و اسنانها تصطك علي بعضها في ارتجاف البرد, فقال عماد قلقا :
-وائل خد مراتك و اخل الاوضة ترتاح..
احاط خصرها بذراعها, فمالت بطبيعتها علي صدره الجامد و شابكت انمالها به, كان باردا مبللا, ادركت انه من انقذها من قاع البحر ودت لو تصرخ به قائلة "اليس هذا ما تريده", لكنها اسلمت نفسها اليه متأوه من جزع قدمها..اجلسها فوق الفراش و تهامس بأذنها :
-حسابنا في البيت..
انحنت برأسها الي الارض و صمتت, خرج من الغرفة الصغيرة و اغلق الباب في هدوء حتي لا يشعر اي من الخارج بما حدث بينهم لتو..
مرت نصف ساعة و سمعت ضجة موسيقي عالية, فرمت بنظرها يمينا و يسارا لتري من اين مصدر الصوت, وجدته في الشاطئ الساحلي الذي بجانبهم, كانت تملوءه فتيات اجنبيات ترقص, خرجت بعدما بدلت ثيابها بثوب بديل لشيماء, كان فضفاضا عليها ليس من نحفتها بل من زيادة وزن شيماء السمينة..
اقتربت من وائل الذي استمتع بمراقبة الفتاة الشقراء ذات القميص الصغير مفتوح الازرار و التنورة الحمراء, كانت تحادث وائل بلغة الاشارة و هي تضحك في غنج, و المفاجأة الكبري حين وجدت وائل يبتسم لها ابتسامة عريضة, وقفت جواره و هي تقول في حيرة مشمئزة :
-انت ازاي تبص لدية!
تلفت لها برأسه و تطلع لها بجمود, لتقول حانقة :
-علفكرة عيب اوي ابقي معاك و تبص لغيري, علي الاقل احترم كرامتي قدامهم
اشاح برأسه و قال هازئا :
-هو الي زيك عنده كرامة ؟
شهقت في صدمة و قالت ساخطة :
-انت بتقول عني انا معنديش كرامة..انت اساسا انسان..
قبل ان تكمل وجدته يمسك ذراعها و يزجرها قائلا بصوت محتد خفيض :
-انا نفسي تكملي بقيت الجملة عشان تكون نهايتك علي ايدي انهاردة قدام العالم
ترقرقت في اعينها الدموع و افلتت ذراعها و بادرته اللهجة القاسية :
-انا زهقت منك..
تدخل عماد و اقترب منهما و هو يجذب حنين في حنو قائلا :
-مالكم بس زعلانين لية..تعالي يا حنين نكلم عقبال ما الاستاذ يهدي
اشاح وائل رأسه عنهما بعدما زفر غااضبا, ابعدها عن وائل و سار الي نهاية البخارة و حادثها بقوله :
-لية يا حنين عملتي كدة
لتشير اليه بسبابتها :
-لو سمحت يا عماد سبني دلوقتي انا متنرفزة
ليقول ممازحا :
-اخاف اسيبك تنطي و تسبيني
نظرت له مطاولة في غضب و صمتت و لم تبث اي كلمة, لكن صدمت حين وجدت وائل يتجاهل الشقراء و يبتعد عن وجودها..وقتها فقط شعرت بالطمأنينة مجددا, تلاقت انظارها معه لكن نفر كل منهما في جهه اخري كالاطفال الصغار..
لم تعرف كم مر من الايام, فكل ساعة متشابه و كل دقيقة تعادل الاخر, لو كانت صماء بكماء لكان حالها افضل, لم تتكلم مع احد مذ رحلة الباخرة التي انتهت بعراك عنيف دار بينها و بين وائل, من وقتها و لم يحادثها وائل, فاستسلمت لملل الايام و قررت الاطاعة و عينيها علي الارض..
تحلت بقميص اصفر بلا اكمام اظهر عرض كتفيها العارية و ارتدت البنطال الابيض الطويل, انتعلت حذاء ذو كعب عال زادها طولا, امسكت الحقيبة الصفراء الصغيرة و سارت الي الباب في ريبة و هي تردد ما حفظته خلال الايام الماضية, فتحت الباب و اطلت برأسها متظاهرة الريبة و الفزع و هتفت بالحارسين :
-المطبخ بيولع اللحقوني
ركض الحارسان في ذعر اليها لاخماد الحريق الوهمي, بينما شعرت بتوغلهم في منزل و اتجاهمها لمطبخ, خرجت في خفة من منزلها و اغلقت الباب بالمفتاح فيما سمعت صراخهما من اكتشاف حيلتها و حبسهما في المنزل لتغادر و تتصرف بحرية كما تود..
ابتسمت بلؤم و اسرعت بالركض بعيدا عن المنزل, وصلت الي طريق ممتلئ بالسيارات و الناس و صراخ الاطفال, فرفعت ذراعها لأقرب سيارة اجرة و قالت :
-تاكس
وصلت في الوقت المناسب, و اسرعت بالصعود علي السلالام القديمة الهاشة, توقفت امام المنزل و ضربات قلبها لا تهدأ, قرعت الباب بقوة و هي تلهث بأنفاسها حاولت ان تبدو في مظهر لائق و الوقوف معتدلة, لكن ما ان فتح الباب لتقول بعيون تلمع ببهجة :
-ماما
***
صاح بهم بغضب و ثور :
-انتم اغبيا..ازاي تصدقوها
و اشار الي رأسه و تابع منفعلا :
-عقلكم مبيتشغلش
اخفضا رأسهما في الارض و اتخذا الصمت خليلا, ليقول صارما :
-مخصوم منكم اسبوع لحد ما ترجع و لو مرجعتش هرفع عليكم أ..
بتر جملته اقتحام حنين الباكية, و ركضها علي الدرج بلا اكتراث بزعيق وائل و الحارسين الذين تعرضا للاهانة بسبب افعالها, قال بجمود اليهما :
-اتفضلوا انتم برة..
و اسرع صوب الدرج و بصوت جهوري قال :
-استني عندك
-ارجوك يا وائل مش قادرة اتكلم دلوقتي..
قالتها و هي مازالت عطيه ظهرها النصف عاري, فصعد اليها حازما علي تلقينها درسا و عينيه تبث شرارة شر, جذب ذراعها في شيء من العنف و اوقفها امامه, ليسمع بكاءها الاقوي, فلم يبالي و قال :
-الحركتين دول مش هياكلوا معايا مبقاش انا هربيكي و علمتك يعني اية متسمعيش كلامي وتعصيني و تخرجي زي الحرامية من ورايا
و زجر ذراعها صارخا :
-كنتِ فين يا هانم؟
اخفت وجهها بكفيها و بكيت قائلا بنبرة متمزقة اثر البكاء :
-كنت عند ماما
و تابعت في بكاء اقوي :
-بابا طردني يا وائل
ليقول هازئا :
-و المفترض اني اصدق
لتمسك قميصه مترجية :
-وائل انت لو طلقتني انا هترمي في الشارع محدش بقي جمبي..صدقني انا كنت عندها بس بابا لما شافني فضحني قدام العمارة كلها و طردني بطريقة مهينة..
و تابعت :
-انا غلط و مفيش شك في الموضوع دة و موافقة بأي عقاب بس ارجوك خليك رؤوف بيا..انا مش وحشة يا وائل و لا خونتك و لا سيبتك و لا حصل اي حاجة..يا وائل انا لو وحشة مكنتش هوافق اتجوزك و كنت هربت بس انا بحبك انت و عاوزة ابقي جمبك بعيد عنهم
صمت لتنظر له بعينيها العفوية و تشددت بامساكه و يدها تضج الضعف, لانت قسمات وجهه و قال متظاهرا الجمود :
-روحي علي اوضتك
اخفضت رأسها بحزن و اوفدت الي غرفتها بلا اي كلمة, لم تريد الابتعاد بل ارادت الاحتواء, بان بادلها امساك اليد و قبلها علي جبينها و تهامس بأذنها بكلمات الاطمئنان, هكذا ستهدأ..
شعر بالاسف تجاهها, هو يدرك جيدا العلاقة القوية المترابطة بينها و بين والدها, اكتسبت منه الحنان الممتزج بقسوة, لكنه اللان لا يري اي قسوة بها بل شعر بأنها انثي اخري غير حنين الحنونة او حنين القاسية هي الان ملاك باكي يود احتضانه و منعه الخجل, شعر بحنو تجاهها و شفقة لبكاءها المرير, مع قضاء كل تلك السنوات هو يشعر بألم اخر في قلبها, بعدما تعرضت لتلك الاهانة القاسية من والدها, لا يعلم من اين تأتيه الثقة بها, لكن تكفي نظرات عينيها البريئة الخالية من اللؤم عن الماضي..
طرق بابها فوجدها مستلقية علي الفراش علي جانبها الايمن, لكن اعتدلت فور دخوله, جلس علي طرف الفراش فوجد الكحل المختلط بالدموع علي خدها و العينين الزرقاء الدابلة, قال محاولا الابتسام :
-تحبي نتغدي برة
حركت رأسها نافية, فقال ممازحا :
-متخفيش هعزمك علي حسابي
ابتسمت برقة, فأزاح الشعر من عينيها و امسك بوجهها الشاحب و قال في حماس :
-لو جيتي معايا هعملك مفاجأة
ابتلعت لعابها و صمتت في حياء, ليقف و يقول :
-مستنيكي في العربية
خرج و هو يدرك جيدا انها الان ترقص فرحا و ترتدي اجمل ثيابها, فابتسم ابتسامة عريضة راضية و ذهب الي سيارته..
ارتدت في وقت قياسي و خرجت مسرعة فاوقفها الحارسان و قال احدهما غاضبا :
-اية يا مدام انتِ عاوزة نتبهدل تاني
لتقول حانقة :
-علفكرة وائل مستنيني العربية
فرد الاخر هازئا :
-دة زي الحريقة في المطبخ
هتفت غاضبة :
-وائل
تقدم اليهم وائل حين تعالي الشجار و قال باسما و هو يجذب يد حنين :
-انا قولتلها تيجي فعلا اتفضلوا
سارا صوب السيارة و ترجلت داخلها و هي تزفر غاضبة :
-ناس مملين
ليضحك طويلا ضحكته العذباء و يلقي علي ثوبها البني القصير و ذو الاكمام القصيرة و اذي اظهر صدرها المثير نظرة لها طويلا و ابتسم, فغطت وجهها في حياء و ضغطت علي شفاهها السفلي و هي تعانق يده بيدها, فتساءل مستغربا :
-انتِ مش سقعانة باللبس دة
رفعت منكبيها في دلال و مالت برأسها علي كتفه قائلة :
-لا ابدا هعتمد علي الجاكت بتاعك
ليضحك و يرد ساخرا :
-انسي
لم يخب ظنها يوما هذا الوائل العظيم, تناولت اشهي ما ذاقت في حياتها, و اشتريا سويا ثياب كثيرة لكليهما, لم تشعر بالملل و لو لدقيقة واحدة بل الحماس و اللهفة لفعل كل شيء مجنون, صف السيارة في شارع جانبي و تطلع الي المبني العريق, لتقول في ضيق :
-انت جايبني عند اهلي لية!
تهامس معها و هو يخرج من السيارة :
-احنا هنطلع السطح فوق خليكي هادية لحد يشوفنا منهم
اماءت رأسها بانصات و دلفا المبني كاللصان السارقان, صعدا مسرعا علي الدرج قبل ان يراهما احد من الجيران, وصلا الي سطح المبني الواسع الممتلئ بالزهور الدابلة, جلس فوق مقعد غطاه التراب, قالت بسعادة :
-هي دية المفاجأة
فجلس جوارها و هو يقول :
-اتبسطي
فقالت مؤكدة :
-جدا يا وائل
و تابعت في دلال :
-علفكرة انا سقعانة
حرك رأسه نافيا في عناد طفولي لتقول متظاهرة الحزن :
-يا وائل انا هموت من البرد
و وقفت و هي تحيط جسدها بذراعيها :
-كأننا في القطبي الشمالي
ليضحك و يخلع معطفه قائلا :
-متتعوديش علي جو الافلام دة
ارتدته و شددته عليها و هي تتابع بخبث :
-تصدق لسة سقعانة..
فتقدم اليها و وضع يديه علي خصرها قائلا بمكر :
-و انا كمان الدنيا هنا سقعة
فرقدت برأسها علي صدره و عانقت عنقه الطويل, شعر قلبها بالدفء و تكاثر حينما بادلها العناق الصافي, و قبلته الطويلة فوق شعرها التي هزت كيان انوثتها, غرزت اظافرها في ظهره و طبعت قبلة هادئة بأحمر شفاهها علي عنقه, لامس خصلات شعرها و ربت علي ظهرها في شهوة..
-انتم مين
قالها شاب في اواخر الثلاثين, سؤاله الصغير جعلهما يدفعا بعضهما بخجل, ادارت كامل جسدها الاتجاه المعاكس لشخص, فقال وائل متعلثما :
-انا انا..
ليقول الشاب سعيدا :
-وائل ! حنين اية دة انتم جيتم طب ما تقولوا ياراجل
و تابع بفخر :
-انا صفوت جاركم الي في الخامس..انا اسف علي الازعاج بس استغربت لما لاقيت صوت في السطح
ليقول وائل مسرعا بابتسامة خافتة :
-لا لا مفيش حاجة يا صفوت
و نظر لحنين قائلا :
-يلا يا حنين نروح
فقال صفوت بابتسامة واسعة :
-تعالوا اتفضلوا اشربوا معايا حاجة
لتقول حنين بخجل :
-لا لا احنا مضطرين نمشي..
و اسرعا راكضين قبل ان يراهما احدا اخر, ركبا السيارة و تسارعت انفاسهما الممتزجة بضحكات تكاد تميتهما, عادا الي البيت في اقصي سرعة..
***
سمع صوت خطواط اقترابها ليلتفت لها باسما و هو مستلقي علي الاريكة, اعتدل فور مجيئة خاصا بعدما رأي ثوب النوم الاسود الحريري الذي شف جسدها كاملا, جلست بجانبه علي الاريكة و قالت :
-تسمح لي انام جمبك انهاردة
فنتساءل بلؤم :
-لية؟
تعلثم لسانها و قالت باضطراب :
-اصل التكييف بايظ..
ضحك من داخله سرا, فكذبتها اظهرت نيتها, لمَ تشعل المكيف في هذا الجو القارس, فأبتسم بخبث لها و امسك بكفها و مده الي شفاتيه ليقبله في رقة, ربطت ذراعيها حول عنقه و اصر باللتصاق جسديهما في عناق حميمي طويل, نسيا به كل شيء حتي اسميهما, كانت تردد في اذنه بأنها تحبه و تعشقه و تريده و كذلك هو لكن استكفي قوله بالقبلات التي نثرها علي وجهها و جسدها, فك شريطة شعرها فأنسدل شعرها علي ذراعها, كان سينزع قميصه حتي جاءه الاتصال الهاتف و صوت حنين الرقيق يقول :
-رد
قال باسما :
-سيبك منه
لتقول في بعض من الجدية :
-اكيد محدش هيتصل في الوقت دة الا لو الاتصال مهم
مسح علي شعرها و سارع باضمامها اليه :
-سيبك من الي بيتصل دلوقتي و خليكي فينا
ضحكت في غنج و افلتت جسدها من قبضة يداه و قالت :
-رد عقبال ما اجيب حاجة من المطبخ
زفر في ضيق و قال :
-حاضر يا مجناني
ذهبت الي المطبخ بقدمان عارية و جهزت عصير الفرولة الذي طالما احبه وائل, لكن تفاجئت بهاتفها الجديد يضيء, كانت قد خبأته في احدي ادراج المطبخ حيث لا يتوقع وائل, نظرت الي الرقم و صدمت و اسرعت بالرد :
-انت جبت الرقم ازاي
ليقول في حدة :
-مش وقته اسئلة..انتِ شكلك مش فارق معاكي عمرك
لتقول في ضيق :
-انت عاوز اية ؟
ليقول حانقا :
-انتِ بتاعتي انا..هو ملوش حق عليكي
و تابع هازئا و بنبرة حادة :
-انتِ نسيتي ان في كاميرات في البيت يا حنين..
*
*
*
*
يتبع
جماعة الناس الي مش بتكلم بتخليني اتراجع كليا عن النشر في الواتباد..
ياريت الكل يشارك بـ اراءه انا بسمع المدح و النقد من نفس الاذن و مبفرقش ما بينهم :))