-12-

16.7K 373 20
                                    

-12-
جلس علي طرف مكتبها يراجع بعض الاوراق, رفعت نظرها اليه و تفصحته في دهشة من جراءته لتقول ممازحة :
-اية خير يا طارق..جي تعاكس بعد ما تجوزت طب والله لاقول لمراتك
فقهقه بقوة و قال ضاحكا :
-لا مش جي عشان حلاوة عيونك يا رغاية...انا جي اقولك في حد في الاستقبال عاوزك
خلعت النظارة من عينيها و دققت في ملامح صديقها قائلة :
-مين الحد دة!
رفع منكبيه بجهل و قام من مكتبها في قفزة رشيقة و قال :
-تقريبا اسمه صفوت..
عقدت حاجبيها باستفهام و قالت :
-صفوت! اية الي جابه هنا..
و تابعت قائلة لطارق :
-عموما خليه يدخل
ذهب طارق بعدما وافقها, ليتركها وحيدة مستغربة من زيارة جارها الذي ما بينهما ما هو الا علاقة سطحية, كان يكبرها بأعوام فلم تحظي باللعب معه في طفولتها او مشاركتهما الكلام, ما اكد لها انه صفوت جارها من أتي, حيث انه الشهر الماضي بدي يعاملها بود و لطف و يحادثها كثيرا..
دخل اليها بقامته النحيلة و جلس مقابلها علي الكرسي الخشب, باءت ملامحه مضطربة و وجهه ممتقع, مما زاد قلقها لتقول :
-اتفضل يا صفوت..خير
ليقول صفوت في لهجة هادئة مخيفة :
-مش هينفع نكلم هنا..دة مكان شغل انا شايف نروح اي كافية نكلم علي راحتنا
-قلقتني يا صفوت..هو اية الموضوع
ليقول في اطمئنان :
-متخفيش هو الموضوع مقلق فعلا بس خير
لملمت حقيبتها و تساءلت مستفسرة :
-الموضوع لية علاقة بأية..؟
-عن وائل..
انتصبت مكانها في فزع و ابتلعت ريقها لتوافقه و يذهبا الي اقرب مقهي..
                     ***
تساءل وائل حانقا :
-انتِ ساكتة لية ؟
رفعت نظرها اليه لتفيق من ذكرياتها و تقول :
-هحكيلك..
اخذت نفس عميق قائلة :
-جالي زميل لمكتبي في الشغل و طلب مني نتقابل في مكان غير الشغل عشان الموضوع مهم جدا,,
ليتساءل مستغربا :
-اية الموضوع ؟
                     ***
-الموضوع و ما فيه يا حنين..ان وائل بيدور حولين ناس كبار و الناس دية مصرة تأذية
و مال بجزعه قائلا في خفوت :
-و الاذية دية بموته
شهقت بقوة و قالت فازعة :
-اية ازاي
ليمسح بيده منخاره و يتراجع بظهره الي الخلف قائلا :
-و انا المكلف بالمهمة دية
امسكت بيده في ترجي قائلة :
-لا لا انت اكيد مش هتقتله يا صفوت ارجوك يا صفوت هو لا..هخليه يسيب كل حاجة ويسيب الشغل بس..
ليسحب يديه قائلا في طيبة مصطنعة :
-لا يا حنين متبقيش كدة..انا غلط جدا الي بعمله بس كله عشانك
لتقول مستغربة :
-عشاني انا..
ليقول مؤكدا و موضحا :
-طبعا يا حنين..انتِ مش عارفة انا بحبك ازاي..
لتقول ببراءة بعدما مسحت عينيها من الدموع الخائفة :
-شكرا يا صفوت شكرا
فقال بامتعاض :
-لكل حاجة حساب..الي انا بعمله دة ممكن يضيع رقبتي..انا عاوزك انتِ في حين ان وائل يعيش حياته.
شعرت في نبرته الخبث و النية السيئة لتقول :
-عاوزني ازاي يعني
فرد بثقة :
-هتبقي ليا و معايا بس متزوجة وائل موقتا لحد ما نبعده في بطء عن الي في دماغه بعديها نسافر و نتزوج احنا..
وقفت من مقعدها, و لطمت وجهه في قوة عنيفة, لتشير باصبعها محذرة :
-والله ما هتعرف تطول منه شعرة و لا انا..انا مش هحكي لوائل عن الحوار القذر عشان ميقتلكش
و سارت الي الامام بعدما اللتقطت حقيبتها في زجر و هربت من امامه لتسمع هتافه باسمها :
-انتِ الي بدأتي يا حنين..و هتشوفي صفوت هيعمل اية هحرق قلبك عليه بس قبليها هحرق قلبه عليكي..
                   ***
-كان طالب يقارني بحاجتين مستحيلة
مال عليه حينما وحد الاتجاف في عينيها, ليحيط ذراعيها و سألها :
-اية الحاجتين
لتقول في بكاء :
-مش هقدر اقول يا وائل..متضغطش عليا,, بس صدقني كل الي عملته ان سيبته من سكات..بس هو مسبنيش و فضل ورايا ايام..و كنت بتجاهله بس في الاخر طلب يقابلني عشان يصالحني..
ليقول وائل مؤكدا :
-شكل ان في حاجات كتير غير الي هتحكيه..
واصلت قولها و كأنها لم تسمع شيئا :
-بس طلب يصالحني في..
فقال مستغربا :
-فين
-طلب المقابلة عنده في البيت..
              ***
دلفت الي المطبخ لتجد والدتها و جوارها وائل  الذي اخذ يقطع البصل و يضاحك سعاد, و والدها في الخارج يتابع الاخبار, اوفدت الي والدتها و قبلت خدها في ود, لتجلس علي طاولة المطبخ و تحرك ساقيها في الهواء بمرح فقالت والدتها بتعجب :
-مسلمتيش علي خطيبك لية
عقدت ذراعيها فوق صدرها و قالت مشاكسة :
-لا انا و هو متخاصمين من امبارح..صح يا وائل
ليجيب متقضبا :
-صح
فقالت سعاد بحزن و نبرة مفعمة بالشجن :
-لية كدة يا ولاد..ربنا ما يجيب خصام
-ابدا  يا ماما مصر اني اسيب الشغل...حابب يعمل عليا سي السيد..
-ربنا يهديكوا..
قالتها سعاد و خرجت من المطبخ حاملة الغداء لزوجها, فاقتربت حنين و وقفت جواره لتروي ريقها بكوب ماء, رأته مازال متوجم الوجه, فالتصقت بجسدها عليه و قالت في رقة :
-بطل قمص و زعل علي الفاضي يا وائل
و وقفت علي رؤوس اصابع اقدامها و قبلت خده بشفاهها الرفيعة.
-ماشي يا حنين
عبست بملامحها تظاهرة الحزن و احتضنته بقوة مشاغبة, ليطلق ضحكة صغيرة و يبادرها بالعناق العفوي, افلتت من بين ذراعيه كالعصفور الحر قائلة :
-بص بقي انا خارجة دلوقتي..
-رايحة فين بدري كدة !
خافت ان تقول ستقابل صفوتفي المنزل لتقول باسمة :
-انا هقابل زمايلي في الكافية و هرجع بليل
نظر لساعة يده و يقول حازما :
-الساعة 4..متتأخريش عن الساعة 7
اماءت رأسها في طاعة و قالت :
-متخفش هتصل بيك اطمنك عليا..يلا بااي
و ترك قبلة خاطفة علي شفاهه و خرجت من المنزل بعدما ودعت والديها, و لم تكن لتدري بأنها ستصبح الضحكة الاخيرة..
صعدت الي منزل صفوت, كانن واقفا علي اعتاب منتظرها, صافحها في حرج قائلا :
-انا اسف يا حنين عن الي حصل بجد مكنش قصدي ازعلك..انا و انتِ صحاب
لتقول في جدية :
-انا مش جاية عشان كدة
فاماء رأسه :
-عارف..متخفيش انا هطلب منك مساعدات بسيطة تبعد وائل انظارهم صدقيني وائل دة صديقي و اخويا
فابتسمت في اطمئنان :
-اعتبرني نسيت الي حصل
فبادلها الابتسامة و اعطاها كوب عصير, تناولته من يده و قالت :
-انت لطيف اوي يا صفوت..انا مش هعتذر عن القلم لانك كنت تستحق بس بجد انت جنتل.
و ارتشفت العصير لظمأها و قالت في استغراب :
-انهاردة الجو وحش اوي حاسة اني عطشانة اوي
-دة عصير ليمون بالنعناع هيعجبك اوي
لتمئ رأسها و تقول باستمتاع و تلذذ :
-فعلا طعمه جميل..
انهت شرابها و استأذنته قائلة :
-ينفع ادخل الحمام
اذن لها و اشار لها لطريق دورة المياة, اتجهت اليه و غسلت كلتا يديها و وجهها كانت تشعر بطيف صداع في رأسها, مسحت رأسها بالمنشفة لتجد ان عينيها بها صعوبة في النظر, فتحت الباب ليجده يقف خلفه فابتسمت له بوهن, و قالت :
-انا حاسة بصداع جامد في رأسي
-عارف يا حبيبتي عارف
شدد لجام ذراعيه علي خصرها فلم تمانع من تعبها و ظنت انه يساعدها فاخذت تتأوه قائلة :
-ينفع توديني لوائل عشان تعبانة
وجدت شفاتيه تفحص تفاصيل وجهها :
-انا هوديكي مكان احسن من وائل
اغمضت عينيها و قالت مترجية :
-لو سمحت ابعد انا تعبانة
فقدت وعيها فيما قادها علي غرفته العذباء علي مهل, ليأخذ ما يريده بين تأوهها..
استفاقت فوجدته يعانقها و حالتهما مذرية مخجلة, كانت تشعر بقوة جسده فوق جسدها, ابتعد عنها في بطء و مسح علي شعرها في لطف قائلا :
-فوقتي  يا حبيبتي
نظرت حولها في فزع متفحصة مكانها, لتعتدل جالسة و تخفي جسدها العاري بذراعيها و تضم ساقيها الي صردها في خوف, تحاول استنتاج ما حدث, فقال باطمئنان :
-اهدي يا حبيبتي اهدي..
دفعته بقوة و اطلقت صرخات عالية و اخذت تردد بفزع :
-انت عملت فيا اية..
مسح علي شعرها في حنان قائلا بهدوء :
-قولتلك هحرق قلبه عليكي..انا مش هسيبك ليه لثانية فاهمة
صرخت بصرع :
-انت مجنون..مجنون
-و لسة في جنان اقوي..بس عاوزك تبقي عاقلة و تسمعي الكلام فاهمة يا حنون
نكست وجهها في الارض باكية بضعف, ليخرج و يتركها وحيدة بين عويلها و صدمتها, فض بكارتها لم تعد فتاة اصبحت عاهرة, ماذا سيفعل وائل ؟ هل سيصدق ؟ هل سيكذبها ؟ هل سيتركها و يهاجرها لتبقي بين انياب الذئب..
                ***
بكيت في حضنه و تمسكت بقميصه متشبثة, و قالت :
-كان مكار يا وائل..مكار خدعني و جر رجليا لبيته و انا صدقته بنية صافية مكنتش متخيلة انه هيأذيني..كنت فاكراة بيصالحني..لكن صدقني يا وائل والله ما خونتك
كان مصدوما و صامتا, و علي ملامحه الذعر, اقبض علي ذراعيها و ابعدها عن محل صدره, اطال النظر لها و عينيه تضج باللوم و العتاب, نظراتها الباكية جعلته قلبه يلين هي مظلومة كما تقول لكن كذبها و غباءها, ظلت عينيه منتصبة بها في حزن..
فجأة صرخ بصوت جهوري :
-مين الحيوان دة؟
فزعت من صوته لتقهقهر الي الخلف, فقالت متعلثمة :
-صدقني مش هقدر اقول اسمه
-بتستري عليه والله لاقتله
لتقول بخوف :
-مش هتقدر هو سافر
وقف مبتعدا عنها,  و اولها ظهره لتقترب منه و تقول بترجي :
-يا وائل صدقني انا ماليش ذنب
و تقدمت اليه لتقف مقابله, فأمسكت بكفيه في نعومة و خرخرت بصوت ضعيف من البكاء :
-انا بحبك يا وائل..
تناولها بين ذراعيه و احتضنها في قوة, و استقبلت قبلاته الرقيقة فوق وجهها, ليهمس في اذنها :
-كنت متأكد ان في حاجة غلط..انتِ غبية يا حنين هتفضلي لأخر يوم في عمرك غبية
فقالت متأججة :
-المهم اخر يوم في عمري يبقي جمبك يا وائل..
قضيا طوال الليل في احضان بعضهما متناجيان في همسات متتالية و ضحكات عالية عن مشاعرهما في الفترة الماضية, أكد لها انه فكر فعليا بأخذها لطبيب نفسي ليري انفصام شخصيتها, نامت في حضنه لأول مرة في حياتها مطمئنة, رفضت في خجل ان يقترب منها معللة ارهاق جسدها, لم يفعل اي شيء الا احتضنها و مداعبة شعرها..
استيقظت في يومها التالي, علي قبلة فوق وجنتها, اشتاقت لصحو الرومانسي الذي اعتاد عليه في ايام عذوبيتها, كان يتسلل من خلف والدها و يقظها بطريقة رقيقة و احيانا يتعانف معها ممازحها لتستيقظ و يتصارعا..
فركت عينيها و اعتدلت جالسة, ليقوم بتقبيلها علي شفاهها و يقول بنبرة رقيقة :
-انا حجزت تذكرتين لشرم الشيخ..عشان نقضي شهر العسل
اتسعت حدقتيها و قالت بصدمة :
-اية بتكلم جد يا وائل..
-طبعا يا حبيبتي..بس انا مضطر اسافر اسبوع اسيوط و لما ارجع هنسافر
لتتمسك بمعصمه و قالت بذعر :
-اية تسافر و تسبني تاني..طب خدني معاك
فقال معترضا :
-مينفعش يا حبيبتي ابدا..الورق الي معايا لمح بحاجات مهمة..
لتقول بترجي :
-وائل ارجوك ما تسافر..
فقال بحزن :
-مضطر يا حبيبتي..
و اخرج مالا من جيبه و تركه لها قائلا :
-روحي اشتري الي انتِ عاوزة لشهر العسل
فابتسمت باضطراب, فقبل خدها مرة سريعة و قال :
-سلام
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن