-16-

14.9K 359 15
                                    

-16-
هز رأسه نافيا :
-مينفعش تبقي معايا اكتر من كدة انا مش هستني لما تروحي مني..
و تابع متعلثما :
-حنين انتِ طال..
بترت جملته بأصابعها فوق ثغره و نظرت لعينيه في ابتسام :
-لا يا وائل انا معاك و هفضل معاك
ضمها الي صدره و زرع قبلة رقيقة فوق شعرها, ظلت فترة في حضنه صامتة و هو متكئ برأسه علي كتفها, لاحظ ما ترتدي كان ثوب نوم اظهر ذراعيها و ابرز كامل صدرها, تفاجئ بعري جسدها امام عيون الناس ليغطي جسدها بمعطفه فشددته علي جسدها في حياء و تطلعت اليه متسائلة :
-احنا هنبات فين النهاردة
صمت لفترة و رفع منكبيه و قال :
-بفكر نروح فندق
ردت في أسي :
-بفكر اروح لبابا..هما الناس الي لازم يشلونا في المحنة دية
زفر بضيق و امسك بكفها قائلا في رقة :
-متخافيش هيجي يوم و هتلاقيهم بيكلمونا تاني..
و تابع و هو يبدأ بتشغيل سيارته :
-المهم دلوقتي انا عرفت هنروح فين اليومين دول..
                    ***
صف سيارته في حي شعبي, تري سيدات ذو عبائة سوداء تسيرات علي مهل و هن يتحدثات بصوت عال وضحكات مجلجلة و الرجال تجلس علي القهوة من يلعب الشطرنج و من يرتشف الشاي و من يتغازل بالنساء, و تتفاجئ بالاطفال تترواح هنا و هناك و سيارات "التوك توك" يقودها طفل بالغ العاشرة..و شباب تجلس علي رصيف الشارع تأخذ انفاسها من سيكارة واحدة ربما سرقها احدهم من والده..
ترجلت من السيارة في خجل من ثيابها الفاضحة و من نظرات الناس الفضولية لهما, تمسكت بكفوف وائل في نوع من القلق ليحيط بذراعيه و يصعد الي العمارة هاشة, قد تظن لو اتت عاصفة قوية ستقتلع من مكانها بكل بساطة, كانت السلالام تتفتت من اسفل اقدامهما علي هيئة رمال صغيرة, قرع وائل باب خشب عريق, حتي فتح شاب اشقر الشعر و العيون شاب عشريني صغير, وقف امامهما بثيابه الداخلية فانتصب مكانه في خجل و قال :
-ازيك يا باشا..لا مؤخذة بس ثواني اغير هدومي
دلف مسرعا الي منزله بعدما اغلق الباب بعنف امامهما, تقابلت نظرات وائل و حنين في حرج و تهامست حنين :
-انت جايبنا هنا لية...
كان سيرد لولا فتح باب -منزل صديقه- لتخرج امراة متلحفة بعبائة سوداء تخفي وجهها بطرف حاجبها الذي اظهر شعرها المصبوغ بالاصفر و جذور شعرها المتجعد السوداء,  اخفض وائل وجهه في الارض بينما اخذ ينظر لها في مكر متاخبث, نظرت السيدة لهما و ضحكت في سخرية لحنين المتأججة في جمرة غضب ما ان غادرت لتنظر لوائل :
-انت بتبصلها علي اية
امسك ذقنها و قال ممازحا :
-انا مبصتش
-انت كنت هتطلقني من شوية..يلا طلقني انا موافقة
قالتها في ضيق, ليبتسم ابتسامة عريضة و قال :
-بطلي نكد اــ
جاءهما الاشقر مبسوط الذراع :
-اتفضلوا في الصالون
دلفا متماسكين الايدي, كان منزل بسيط متواضع رغم ضيقه الا ان بعض اللمسات الانوثية الرقيقة قد ابهرت المكان و نضجته جمالا, وجدت صورة لشاب في بدلة سوداء بجواره امراة ترتدي فستان زفاف نحيلة ذات بشرة سمراء و ابتسامة عريضة مجنحة بغمازات رقيقة..كان مدعو بـ "رامي", جلست جوار زوجها الذي حادث رامي في شي من الحزن و هو يخبره بما حدث لمنزله و انه يريد قضاء يومان حتي يأجر منزل صغير متخفي عن الانظار, تفهمت ان رامي علي علم باسلام السعدني و فزع بما فعله بالمنزل او طلق النار..كان لطيفا معهما و ادلهما علي غرفة فارغة رثة الحال لكن تكفي, كما اعطاها ثياب زوجته التي تشابهت في جسد حنين, تساءلت في استسفار عن السيدة التي خرجت من منزله ليبتسم بخجل و هو يقول "لا دية مش مراتي..مراتي مسافرة لأهلها في الصعيد و راجعة بعد اسبوع" فلوت فوها في دهشة مصدومة.
جلست علي الفراش بعدما ارتدت ملابس اكثر دفئا, مدت الغطاء لجسدها فجاورها وائل قائلا :
-عاوز اعرف كل حاجة منك بالتفصيل الممل..
اعتدلت جالسة في نفاذ صبر و نظرت اليه بجدية :
-هحكي بس بشرط صغير..تستكفي بالي هقوله
-متشرطيش يا حنين..انتِ لو محكتيش كل حاجة هنتأذي
زفرت في ضيق و قالت حانقة :
-طيب طيب هحكي
و تابعت :
-الي جالي في الشغل كان طالب اني اتجوزك مؤقت و اراقبك بشكل ادق و اساعدهم او هيقتلوك...ساعتها مقدرتش اختار و سيبته..بس كان عقلي فيك, بمجرد ما طلب يقابلني محطتش في دماغي الا انت...كنت ناوية اتناقش معاه بس قولتلك هو عمل فيا اية..خدرني و اعتدي عليا و هددني ساعتها حسيت ان الدنيا اتقفلت في وشي بقيت احاول بكل طاقتي ان اكرهك فيا عشان لما نفترق متحزنش عليا..صدقني كنت بعد ما بعاملك بالطريقة دية ببكي من قلبي لاني بين نارين ياما تعيش بس بعيد عني او تموت..
و صمتت لفترة تأخذ انفسها كفاصل بين الدموع و النشيج و بدأت تقص يوميات زواجهما و تعيد تذكرته ببعض التفاصيل الذي لم يلحظها, اخبرته بالهاتف و كاميرا المراقبة التي منعتهما من العيش كزوجين طبيعين و حكيت له تزوير الاوراق, و محاولة اعتداء في بيتها لكن انتهت بالنجاة, و تكتم الحارسان عليها من الجبن و قد تأكدت انهما هددا من عماد في لهجة قاسية مما دفعهما بالانسحاب من العمل. و حرصت اشد علي الحرص الا تخبره بالفاعل -صفوت-.
وضع يده علي جبهته و انحني برأسه الي الاسفل و هو مازال لا يصدق ما وقع علي مسامعه, اهم بذلك السوء قتله زوجته المسكينة مرارا و هي معقودة اللسان مكتوفة الايدي, اثناء حكيها لحكاية تبكي بين كل حين و اخر, او يسمع نشيج الدموع ود لو احتضنها و تأسف عما حدث لكن منعه احساس الفشل و الحزن, فتركها متجها الي النافذة لتلاحقه في السير و تسند برأسها علي ذراعه قائلة :
-وائل انا عندي استعداد اموت بس ميحصلكش حاجة..انت هدية حياتي و انا مش هقبل حد ياخدك مني
امسك يدها و رفعها الي وجهه مسح بشفاهه فوق كفها و قبله في رقة معهودة قائلا :
-صدقيني و انا كمان..انا مستحيل اسيب حقك بالساهل..
وقفت امامه و عقدت عنقه بذراعيها و هي تريح برأسها  فوق صدره قائلة بسعادة :
-خليني في حضنك كدة علطول..
عانقها في قوة محكمة, لم يترك سبيل لفرار غرز شعيرات ذقنه في وجهها فتبسمت بسعادة لهذا الشعور المطمئن الذي قلما احتل قلبها..عودهما احساس القوة في الترابط و التماسك, كلاهما يستمع لنبض الاخر كلاهما يشعر بحرارة انفاس الاخر كلاهما يحب الاخر..
                             ***
استيقظت في يومها التالي علي صوت ضوضاء الشارع, فاعتدلت بقامتها و فركت وجهها بنعومة لتزيح الوسن من ملامحها, دققت النظر حول الغرفة غسريعا ما ادركت اين هي ؟ لكن المثير لجدل عدم وجود وائل جوارها, خرجت من الغرفة فسمعت ضحكا صادر من المطبخ تسللت في خفة اليه لتجده رامي الشاب الاشقر يحضر قهوة لكن بدي انه نسي وجودها و اخذ يحادث احدهم علي الهاتف, فتراجعت في ضيق..لاحظها رامي فابتسم لها بحرج, تحولت ملامح وجهها الي صدمة و ركضت نحو البوتجاز الصغير لتحمل القهوة الفائرة,  و رددت في عتاب :
-انتم رجالة مهملة كدة علطول..شوفت ادي القهوة فارت..
ليرفع كتفيه بلا اكتراث :
-عادي دية تالت قهوة تفور مني هي بتتظبط مع خامس محاولة
لتقول في ضيق :
-انا مش عارفة مراتك مستحملة وجودك ازاي
ضحك مقهقها و قال :
-لا دية بتحبني
حضرت القهوة و اخذت تقول في ضجر :
-انا لما هشوفها هقول انك كنت بتخونها..
-ميهمنيش
صبت القهوة في فنجان صغير و تساءلت في قلق :
-متعرفش وائل فين
-خرج من الساعة 7 الصبح اكيد راح شغله هو مش عيل صغير
-ايوة بس مينفعش يروح اليومين دول علي الاقل..
ليقول مبتسما :
-متقلقيش انتِ هيرجع دلوقتي تحبي اتصلك بيه.
فاجابته مسرعة :
-اه ياريت يا رامي
قرع احدهم الباب فقال رامي :
-شوفتي اهوة جية مكنش في داعي لقلق
فتح الباب, ليدخل وائل محملا بصندوق كارتون ممتلئ علي اخره باوراق و ملفات, تركه علي الطاولة و ناول حنين مفتاح قائلا في هدوء بلا اي ملامح :
-دة مفتاح الشقة الجديدة..هنروحلها اخر الليل
و تابع :
-انا سيبت الشغل.
*
*
*
*
يتبع

حنان قاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن